هل كان مرسي يستحق ماجرى له؟

ولماذا لم يتعلم من تجارب الغير؟

طريف يوسف آغا

[email protected]

عرضت في مقال سابق الأخطاء التي وقع فيها الرئيس المصري المنتخب (محمد مرسي) وحزبه (الاخوان المسليمن) وأدت إلى النهاية الدرامية بانقلاب العسكر على الحكم وعزله والقبض على قيادي الحزب. وقد علق بعض قراء المقال بأن (مرسي) كان سيواجه نفس النهاية ولو كان أفضل رئيس في العالم أو حتى في التاريخ. من جهتي، فلا أختلف مع من يقول بأن الدول العظمى، ولأسباب تاريخية وعقائدية، لاتريد أن ترى (الاسلام السياسي) وقد وصل ونجح في الحكم في أي بلد عربي أو مجاور للمنطقة العربية، وخاصة تلك القريبة جغرافياً من (إسرائيل). ولكني من جهة ثانية أعتقد أن (مرسي) وحزبه، ولو كان لديهما حنكة سياسية وقراءة تاريخية، لتجنبا ماحصل، وذلك من خلال استفادتهما من التجارب المشابهة وكيف انتهت.

     التجربة التركية 1996-1997: وهي الأقرب إلى ماحدث في مصر مؤخراً، حيث وصل الاسلاميون بقيادة (نجم الدين أربكان) إلى سدة الحكم عام 1996 بعد نضال سياسي طويل مع عسكر (أتاتورك) الذين ورثوا الامبرطورية العثمانية ووضعوا قيوداً ثقيلة على الاسلام السياسي. وقد كان (أربكان)، مثل (مرسي)، يحمل شهادة الدكتوراة في الهندسة وله تاريخ غني في العمل المهني والسياسي. ولكن ما أن وصل الرجل إلى منصب رئاسة الوزراء في تركيا، حتى نسي أن العسكر الذين حكموا البلاد وأكثروا فيها الفساد لأكثر من سبعين عاماً لن يتركوه وشأنه ليقوم باصلاحاته السياسية والاقتصادية، وخاصة الدينية، وهم يتفرجون عليه. فهؤلاء العسكر، ومثلهم حكامنا، يعرفون أنهم ماوصلوا إلى السلطة في بلادهم إلا ليمنعوا عودة الاسلام السياسي إلى الحكم من جهة وليرعوا مصالح الغرب ويحموا أمن وأمان ربيبة الغرب في المنطقة (إسرائيل) من جهة ثانية، وبالتالي فان تهاونهم في ذلك سيجعل من أحضرهم يصرفهم ويحضر غيرهم. ولكن لم يقدر (أربكان) هذه الحقائق، وسعى إلى التقارب مع الدول الاسلامية، العربية وغير العربية، واتبع سياسة غير ودية مع (إسرائيل)، فما كان من الجيش إلا أن دفعه للاستقالة بعد عام، ثم مالبث أن فبرك له تهم فساد ورماه في السجن لعشرة سنوات وهو في سن 77.

     التجربة الجزائرية 1991-1992: تفاجأ المراقبون عام 1991بفوز حزب (الجبهة الاسلامية للانقاذ) بقيادة (عباس مدني وعلي بلحاج) في الانتخابات التشريعية الجزائرية ولأول مرة على حزب (جبهة التحرير الوطني) الذي احتكر الحكم منذ الاستقلال عام 1962. ومن أول الشعارات التي رفعها الاسلاميون بعد فوزهم وخلال احتفالاتهم بالنصر كان موجهاً إلى (إسرائيل) بالذات وهو شعار (ياقدس، جيش محمد قادم). ولكن عسكر الجزائر لم يمنحوا الفائزين بالانتخابات أية فرصة للحكم ولا لارسال أي جيش إلى أي مكان، فقاموا بما كانت (إسرائيل) ستقوم به لو كانت هي الآمرة هناك: قاموا بالغاء نتائج الانتخابات وزج قيادات الاسلاميين وأفرادهم في السجون. وهذا ما دفع بعض الكتائب إلى حمل السلاح ضد النظام الديكتاتوري العسكري وذهبت البلاد إلى حرب أهلية استمرت عشرة سنوات راح ضحيتها حوالي المئتي ألف قتيل. وطبعاً فلم يحرك الغرب بالذات أي ساكنة، بل دعم النظام سراً وعلناً، خاصة وأن الجزائر من الدول الغنية بالغاز والنفط وليس هناك سبباً واحداً يدعو الغرب ولا الشرق لتغيير الحكم فيها مادامت مصالح الجميع مراعاة ومؤمنة. من جهتي فأرى أن نظام الأسد يحاول تكرار التجربة الجزائرية والبقاء في الحكم بالرغم من المجازر التي ارتكبها معتمداً بصورة رئيسية على الفيتو الاسرائيلي الذي يحميه، وكذلك على اللعب بورقة (الجهاديين السلفيين) التي يلوح بها للغرب ويطلب منه الاختيار بينه وبينهم.

     تجربة حماس 2006-2007: أيضاً فاجأت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) المراقبين بفوزها في الانتخابات الفلسطينية التشريعية عام 2006، وقامت بتشكيل حكومة برئاسة (اسماعيل هنية). ولكن وبسبب عدم مهادنة الحركة للعدو الاسرائيلي أو الاعتراف بدولته، فسرعان ماتطورت الأحداث والخلافات بينها وبين حركة (فتح)، وهي منافستها السياسية التي كانت قد اختارت طريق مفاوضات السلام مع (إسرائيل). دفعت تلك الخلافات برئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) إلى إعفاء حكومة (حماس) عام 1997 من مهامها، إلا أن الأخيرة رفضت الاذعان وقامت بالانفصال عن الضفة، ولاتزال جهود المصالحة بينهما مستمرة.

     وكانت هناك تجارب اخرى غير ناجحة للاسلام السياسي في العالم العربي كتلك السودانية والمغربية والتونسية وغيرها. ولكني أرى أن (التجربة التركية) كانت السباقة في هذا المجال والتي كان على (مرسي) واخوان مصر الاستفادة منها. فبعد إزاحة (أربكان) من قبل العسكر هناك، أعاد الاسلاميون حساباتهم، ولم تمض خمس سنوات على إقصائهم حتى عادوا ووصلوا إلى الحكم من جديد عام 2002 بحزب (العدالة والتنمية). واستعادوا منصب رئاسة الوزراء بشخص (عبد الله غل) ثم برفيق دربه (رجب طيب أردوغان) الذي مازال فيه حتى اليوم بفوزه في كافة الانتخابات التي تلت وبأغلبية ساحقة. وسر هذا النجاح أنهم، ولفترة سنوات من عودتهم، تجنبوا الاصطدام مع الجيش ومعاداة (إسرائيل)، من جهة، كما ولم يحاولوا (أخونة) الحكومة ولا مجلس الشعب من جهة ثانية. بل ركزوا على تحقيق انجازات اقتصادية هامة خلصت تركيا من ديونها وأوصلتها إلى مصاف الدول الغنية، وذلك بتطوير الاستثمارات الصناعية والزراعية والسياحية معاً. كما حققوا مصالحات داخلية وخارجية مما أوصل ثقة الشعب التركي بهم إلى اعتباره لخصوم (العدالة والتنمية) خصوماً له، وحتى مجاهرتهم بتحجيمهم للعسكر وعدائهم لاسرائيل لم يعد يؤثر كثيراً عليهم.

     (أردوغان) الذي مضى على حكمه عشرة سنوات وفاز في الانتخابات الأخيرة بنسبة ساحقة، لم يتجرأ على فعل مافعله (مرسي) خلال عام وهو الذي بالكاد فاز بنسبة أعلى بقليل من 50%، وما أقصده هنا هو إقصاء الأخير للمعارضة وإغضابه للجيش. ويضاف إلى ذلك إخفاقه في ردم الخلافات السياسية بينه وبين الدول الخليجية من جهة وقيامه بالتقارب مع عدوتها (إيران) من جهة ثانية. أعترف أن مهمة أي رئيس إسلامي بعد (مبارك) لن تكون سهلة، ولكن يبدو أن اختيار الاخوان لشخصية صِدامية مثل (مرسي) بالذات لم يكن موفقاً بالمرة، وإن كان يدل على شئ فيدل على قلة خبرتهم السياسية وعدم تعلمهم من تجارب غيرهم التي أشرت إليها. لاشك أنهم كانوا يستحقون فترة انتخابية كاملة لاثبات جدارتهم في الحكم، ولكنهم جعلوا مهمة أعدائهم الداخليين والخارجيين لاقصائهم أكثر سهولة مما توقع الجميع، بما فيهم الاخوان أنفسهم.