الأسد وإسرائيل .. ضربة اللاذقية ومعركة الصمت المتبادل

الأسد وإسرائيل .. ضربة اللاذقية ومعركة الصمت المتبادل

إبراهيم العلبي

التسريبات الأمريكية تلقى إدانة في تل أبيب، على اعتبار أنها تستهدف إحراج الرئيس بشار الأسد، ودفعه إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل في محاولة للتعجيل في إسقاط نظامه

مسار للتقارير والدراسات - 17 تموز 2013

الغارة الإسرئيلية بين نفي وإثبات

رفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد يؤآف مردخاي يوم الإثنين الماضي تأكيد أو نفي التقارير الغربية حول وقوف إسرائيل خلف التفجيرات التي وقعت في اللاذقية. ويأتي هذا الرفض بعد يوم من نفي وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون، أمس الثلاثاء، قيام إسرائيل بمهاجمة مستودع أسلحة في مدينة اللاذقية بسوريا الأسبوع الماضي.

ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن يعالون قوله إن "إسرائيل لن تتدخل في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، وقد رسمنا خطوطا حمراء ونحن نسير عليها بدقة".

وكانت تقارير صحفية أميركية أشارت إلى أن الغارة أسفرت عن تدمير حوالي 50 صاروخ "ياخونت". وبحسب شبكة "سي أن أن"، فإنها اعتمدت في تقريرها على ثلاثة مصادر مختلفة، أكدت أن إسرائيل تقف خلف هذه الغارة التي نفذت بطائرات حربية.

وعرضت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي ما قالت إنها صور للموقع المستهدف قبل وبعد الغارة الإسرائيلية. وبعد ذلك نشرت صحيفة "صاندي تايمز" البريطانية أن الغارة على محيط اللاذقية نفذت بغواصة إسرائيلية ألمانية الصنع من طراز "دولفين"، وليس من الجو عبر سلاح الجو، كما جرت العادة في ضربات سابقة، وأن الضربة تمت بتنسيق محكم مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وبينت القناة الثانية الإسرائيلية أن الغارة وقعت على مخازن سلاح البحرية السورية قرب قرية "السامية" على طريق الحفة. وأشارت إلى أنها نشرت صورا لمستودع ضخم في المجمع البحري هذا في السابع من تموز الحالي أي بعد الغارة، حيث كانت رافعات تعمل على إخلاء المستودع بعد تدميره. كذلك تظهر الصور أن الغارة استهدفت أيضا ملاجئ يقدر عددها بالعشرين. وأوضح التقرير الإسرائيلي أن الغارة قد تكون استهدفت أيضا قاعدة غواصات بحرية سورية تحوي كذلك مخازن لصواريخ "ياخونت".

أما إعلام النظام وداعميه فقد أصر على نفيه وتحميل مسؤوليته للثوار، في موقف مناقض للغارة الأخيرة في شهر أيار الماضي التي تضاربت الروايات بشأن أهدافها، حيث حفل إعلام النظام بتغطية كثيفة للغارة وتعهد الأسد حينها برد "استراتيجي" على الغارات الإسرائيلية.

عضو مجلس الشعب السوري عصام خليل اتهم "مجموعات إرهابية" حصلت على صواريخ متطورة باستهداف مخزن للذخيرة في مدينة اللاذقية. ونفى للجزيرة نت حدوث أي غارة إسرائيلية استهدفت صواريخ "ياخونت" لأن مسألة تجميع الصواريخ معقدة جدا ولا يمكن استهدافها بالطريقة التي يتم الحديث عنها. ووصف ما بثته القناة الأميركية والصحيفة البريطانية بالأكاذيب، مكررا موقف دمشق بأن أي "اعتداء إسرائيلي سيواجه برد استراتيجي لا تكتيكي"، وهذا ما ظهر في الرد السوري على مدرعة إسرائيلية اخترقت خط وقف إطلاق وقام الجيش بتدميرها، حسب خليل.

تسريبات روسية حول استخدام قاعدة تركية ونفي تركي رسمي

وكانت محطة "روسيا اليوم" الإخبارية الحكومية الإثنين قد نقلت عن مصدر وصفته بالخاص ما يفيد بأن طائرات حربية إسرائيلية استخدمت قاعدة في تركيا في قصفها من جهة البحر مستودعات أسلحة قرب اللاذقية في الخامس من الشهر الجاري.

في حين نفى وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو أن تكون إسرائيل استخدمت قاعدة تركية لشن الغارة الجوية المذكورة، ونقلت وكالة أنباء الأناضول التركية عن داوود أوغلو قوله في مقابلة مع شبكة "أن تي في": "إن المعلومات عن غارة جوية إسرائيلية نفذت ضد سوريا من قاعدة تركية عارية عن الصحة تماما، ومن يصدق هذا الخبر ويقوم بنشره فإنه موهوم". وأضاف: "إن تركيا لن تشارك إسرائيل في أي عملية عسكرية".

التسريبات الأمريكية التي أفسدت "مؤامرة الصمت" تحتمل تفسيرات عدة

أثار الانتباه التضارب بين إنكار وزير الدفاع الإسرائيلي ضلوع إسرائيل بالتفجيرات في اللاذقية ورفض المتحدث باسم الجيش التأكيد أو النفي. وبدا نوع من الانتقاد الإسرائيلي لأميركا، وتجلى ذلك النقد في كتابات عدد من المعلقين العسكريين المعروفين بقربهم من قيادة الجيش. فهذه هي المرة الثالثة التي تبادر فيها جهات أميركية إلى إعلان الدور الإسرائيلي في تفجيرات جرت في سوريا.

وأشارت صحف إسرائيلية إلى أن المسؤولين الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين اشتكوا إلى نظرائهم الأميركيين من تسريب تقارير كهذه قد تقود إلى اندلاع حرب في المنطقة. وتحدث المعلقون عن أن هناك نوعا من "مؤامرة الصمت" تفيد بأن إسرائيل تعمل ولا تعلن وسوريا لا ترد. وعندما كسرت دائرة الصمت هذه في الغارات، التي استهدفت دمشق، صدر تهديد سوري صريح بأن الجيش السوري لن يلتزم عدم الرد في المرة التالية.

وهكذا نشأ ما يمكن تسميته رفعا لدرجة التهديد السوري بالرد، واجهته إسرائيل بالإعلان عن أنها ستلتزم ما حددته سابقا كخطوط حمراء، تتمثل في نقل أو وقوع أسلحة متطورة في أيدي جهات "متطرفة".

ورأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الولايات المتحدة "أخرجت إسرائيل من الخزانة عبر قول مسؤولين أميركيين إنها هي التي شنت هجوم اللاذقية". والسؤال الآن، بحسب الصحيفة، هو إذا كان الرئيس السوري سيضبط نفسه أم سيوقف سياسة عدم الرد التي ينتهجها.

وتنقل الصحيفة عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، غيورا آيلند، قوله إن "سياسة تفعيل القوة التي تنتهجها إسرائيل في سوريا سليمة تماما". ويضيف أن "إسرائيل يمكنها أن تهاجم أهدافا كثيرة في سوريا، إلا أنها تختار، وفقا لمنشورات أجنبية، أن تهاجم أهدافا نوعية مثل صواريخ "فاتح 110" و"أس إي 17" و"ياخونت". ويعتقد آيلند أن مصلحة الأسد مشابهة للمصلحة الإسرائيلية بالإبقاء على الضبابية وعدم إثارة الكلام حول هذه الهجمات، و يرى أن الأسد يستطيع أن يرد بشكل محدود في أي لحظة.

وقد لقيت التسريبات الأمريكية إدانة في تل أبيب، على اعتبار أنها تستهدف إحراج الرئيس بشار الأسد، ودفعه إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل في محاولة للتعجيل في إسقاط نظامه.

واستبعد المحلل العسكري للإذاعة الإسرائيلية إيال عليما أن يكون هناك تنسيق بين واشنطن وتل أبيب، لأن الأخيرة غير معنية بكشف هذه الغارات، متحدثا عن صمت إسرائيلي كامل عن هذه الغاراتوأشار إلى احتمالات عدة تجيب عن أسباب تسريب مسؤولين أميركيين أنباء الغارات الإسرائيلية على سوريا. أولها أن هذا الكشف يعود لتوازن القوة بين تل أبيب وواشنطن، وثانيها إنذار أميركا لإسرائيل بعدم استخدام القوة المفرطة، وآخرها أن واشنطن تستغل هذه التسريبات لخلق غطاء يبرر عدم تدخلها العسكري في الملف السوري.

الأسد لن يرد

الباحث والأكاديمي غسان شبانة يجزم بأن الأسد لن يرد لأنه يدرك أن الرد يعني "نهاية نظامه"، وأنه ليس مدرجا على "أجندة النظام". وأضاف أن الأسد لا يريد فتح جبهة أخرى لا يعرف كيف يُغلقها.

وتابع شبانة في حديث للجزيرة نت أن الأسد يتجه لاستيعاب هذه الغارة وإنكار حدوثها. واعتبر كشف واشنطن عن الضربة رسالة بأن ما يحدث في المنطقة "مشكلة إقليم لا دخل لي فيها، فهي تقول لإسرائيل عليك أن تتحملي مسؤولية غاراتك وتقول لسوريا إن أردت الرد يمكنك ذلك".

وأوضح أن إسرائيل لا تريد من الناحية "التكتيكية" الإقرار بالغارة وتحويل الجبهة من الداخل السوري للخارج، أما من الناحية الاستراتيجية فتل أبيب تريد أن تعي سوريا والإقليم أنها هي من نفذت هذه الغارة لأن إسرائيل لن تسمح لأي قوة بزعزعة أمنها. كما تريد إرسال رسالة لإيران بأنها في أي لحظة تمتلك سلاحا نوعيا يهدد عمق إٍسرائيل الاستراتيجي والجغرافي، فإنها لن تتوانى في ضرب المنشآت الإيرانية النووية.

المصادر: الحياة، السفير، الجزيرة نت، الأخبار، النشرة، شبكة الإعلام العربية.