بشار في متاهته .. وفرحته بانقلاب مصر
بشار في متاهته .. وفرحته بانقلاب مصر
ياسر الزعاترة
كان خطاب الرئيس المصري المنتخب مرسي بشأن سوريا قبل أيام من الانقلاب مصدر قلق بالنسبة لبشار الأسد، لاسيما أن المعلومات المتوفرة كانت تشير إلى توجه واضح لديه بتصعيد تدخله في الشأن السوري كما صرَّح بذلك لعدد من العلماء الذين التقوه، وطلب منهم أن يمهلوه إلى ما بعد أزمة 30 يونيو.
من هنا، ولأن هذا الخبر لم يكن بعيدا عن الآذان الإيرانية المنبثة هنا وهناك، فقد كان التخلص من مرسي بانقلاب عسكري خبرا من أسعد الأخبار بالنسبة لبشار ونظامه، لاسيما أنه لا يشعر بثقل بعض المواقف العربية التي تقترب من الرؤية الإسرائيلية في إطالة أمد النزاع، وإن يكن لسبب آخر يتعلق بتأديب الشعوب العربية حتى لا تفكر في استكمال مسيرة الربيع العربي وصولا إلى جميع البلدان دون استثناء، مع فارق يتعلق بطبيعة التغيير بين دولة وأخرى.
كان بشار قبل الانقلاب قد خرج خائبا من التعويل على إرباك الوضع التركي الذي يمثل الثقل الأكبر على قلبه، وذلك بعد أن تمكن أردوغان من حصار احتجاجات تقسيم، وإن أصابته ببعض الجروح التي نتجت عن خروجه من وضع شبه الإجماع الذي كان يتمتع به قبلها بسبب نجاحاته الاقتصادية المذهلة التي تشكل نقطة ارتكاز بالنسبة للشارع التركي، فيما بقيت علاقته بالكيان الصهيوني معلقة رغم الاعتذار غير المسبوق الذي حصل عليه من نتنياهو، مع ملاحظة أن التعويل الإيراني السوري على إفشال المصالحة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني لا يزال قائما، بل يحظى بجزء من الجهود الأمنية الإيرانية تبعا لأهميتها في إبقاء أردوغان محاصرا بالمشاكل التي نتج جزء لا بأس به منها عن موقفه من الوضع السوري، وانحيازه للثورة.
وعموما كان التقارب المصري التركي مصدر إزعاج كبير بالنسبة لإيران ونظام بشار، وها إن الانقلاب يضع حدا لذلك التقارب، لاسيما بعد الموقف التركي الذي انحاز للشرعية على نحو لم تفعله أية دولة أخرى، في موقف تفوق فيه البعد المبدأي على السياسي.
لو بقي مرسي في الحكم وصارت له كلمته عند المؤسسة العسكرية والأمنية، ثم اتخذ موقفا أكثر قوة من الثورة السورية إلى جانب تركيا وبعض العرب الداعمين للثورة، لكان من الطبيعي أن يتبدل ميزان القوى في المعركة على نحو قد يبشر بحسمها خلال وقت لن يطول، أما وقد خرج الرجل من المشهد، وجاء في إثره أناس آخرون، فإن الوضع سيكون أفضل بالنسبة لبشار دون شك.
على أن أحدا لا يمكنه القول إن الحكم الجديد في مصر، بفرض بقائه، سيكون قريبا من النظام السوري، ليس بسبب القناعة بذلك، بل بسبب طبيعة تحالفاته، إذ أن دعمه غير المسبوق من قبل بعض دول الخليج لا يسمح له بموقف كهذا، لكنه لن يُطالب بموقف أقوى، وسيبقى على الأرجح أسير الموقف السياسي البسيط الذي لا يقدم الكثير للثورة.
مشكلة الثورة الأكبر إلى جانب تشرذم قواها على الأرض، يتمثل في عجز القوى الداعمة (بعضها قصدا، وبعضها لاعتبارات أخرى) عن تحدي الإرادة الأمريكية وتقديم السلاح النوعي، وبالطبع بسبب خشية الأخيرة تبعا لخشية تل أبيب من وقوع تلك الأسلحة في أيدي جماعات لا يمكن السيطرة عليها بعد سقوط النظام؛ كما هو التعبير الدارج.
وفي حين يمكن القول إن النظام قد حقق بعض النجاحات العسكرية خلال الشهور الماضية، فإن الاستنزاف الطويل يظل مخيفا بالنسبة إليه، لاسيما أنه يضيف أعباءً كبيرة على اقتصاد منهك قد تعجز إيران عن جبر كسوره، ومعها روسيا التي لا تبدو مستعدة للدفع، بل ربما انتظرت ثمن السلاح أيضا.
يضاف إلى ذلك أن الاستنزاف الطويل لا يترك مجالا لاستعادة مجتمع متماسك ومتعايش في سوريا في ظل ذات النظام الطائفي، فيما يمكن القول إن التسوية التي تحدث عنها الروس والأمريكان مرارا لا تبدو ممكنة في المدى القريب، ولا حتى المتوسط في حال استمرار المعركة، فلا النظام يبدو موافقا على تقديم تنازلات مقبولة، ولا الثوار يملكون الاستعداد لذلك.
الآن، وفيما يبدو أن بعض السلاح الجيد قد أخذ يتدفق في اتجاه الثوار، رغم أنه لا يلبي الطموح، فإن استعادة التوازن في المعركة تبدو واردة في القريب، ما يعني استمرار الاستنزاف حتى لو لم يؤد إلى حسم قريب.
والخلاصة أن النظام يخوض معركة يائسة بكل المقاييس، لاسيما أن البعد الطائفي قد أخذ يطبع النزاع، وهو بُعد تمدد إلى سائر المنطقة، وها إن حريقه يهدد لبنان، فيما لا يهدأ العراق رغم قدرة المالكي على إحداث اختراقات في الوسط السني، وعقده لصفقة مع قادة الأكراد.
إذا لم تحدث مفاجأة من العيار الثقيل تتمثل في انقلاب على بشار، فإن الاستنزاف سيتواصل لأمد لا يُعرف مداه، لكنه استنزاف لن يعني أبدا انتصار النظام، والسبب أنه انتصار يُجمع على رفضه بعناد كثيرون بمن فيهم خصوم في السياسة كما هو حال تركيا والسعودية اللتين لن تتحملا هزيمة أمام إيران مهما كان الثمن.