حمام الدم في العراق، عود على بدء
د. ضرغام الدباغ
اليوم تفجير في بغداد وجسر ديالى، وبالامس في مناطق أخرى وقبلها في العراق كل العراق من البصرة إلى الموصل، اليوم وكل يوم في العراق. فبالامس أيضاً اغتيل أستاذ في كلية الطب، ينظم إلى قافلة شهداء العلم في العراق، المطلوب أن يمحى العراق، بل أن كتباً بهذا المآل طبعت في الولايات المتحدة وأوربا وأستراليا، وبالضبط تحت عنوان " محو العراق (Erasing Iraq)" تأليف مايكل أوترمان وريتشارد هيل وبول ويلسون ، فالكتاب يتحدث عن ابادة منظمة تقوم بها جهات خفية وعلنية، تقف ورائها حكومات متحالفة متفاهمة، والدليل على ذلك أن الستار لم يكشف عن أي جريمة من تلك الجرائم، المهم أن يقتل العراقيون، والمهم أن تباد أسس المجتمع العراقي.
يعلم أساتذة الاجتماع أن المجتمعات والعلاقات الجمعية إنما تقوم على أسس، وإذا قوضت هذه الأسس لا تعد هناك مجتمعات، بل تجمعات بشرية هلامية لا يجمع بينها علاقات جوهرية، القائمون على هذا المخطط يستهدفون ما يجمع العراقيين كمواطنين أبناء وطن واحد، ويدمرون الروح الوطنية مقابل تهييج وتضخيم مفتعل مبالغ به للعناصر العرقية والطائفية، لكي يضيق مفهوم المواطنة حتى يبلغ درجة الإلغاء، ونصل إلى بالنتيجة إلى بلد يصعب العيش فيه، وهذا الأمر يسري على جميع الطوائف من جميع المكونات، وها هي معسكرات اللجوء مليئة بل ضاقت بالعراقيين من جميع الطوائف والمكونات، والقوميات وهم يعيشون متفاهمين متآخين في ظل اللجوء، يعيشون خارج وطنهم الكريم الذي قررت جهات معروفة أن تجعله صغيراً جداً، تضيق بالشعب كله، وربما تريد إلغاءه ومحو العراق .
هذا هو الهدف، وهنا وأمام هذا الهدف الكبير، لا يبدو مهماً على الإطلاق أسم من يضغط على زناد المسدس كاتم الصوت، فهذا أتفه ما في الأمر كله، أو أسم التنظيم الفلاني، فنحن نعلم أن هناك منظمات مشهورة بثلاث نسخ، واحدة تتبع طهران، والأخرى كان يديرها نظام الأسد، وأخرى ربما جهات أخرى. ومع عمليات الاغتيال، تفجيرات السيارات المفخخة التي تودي بحياة العراقيين، لتوصل إلى قناعة جوهرية أن تجعل الحياة في العراق صعبة، نقول صعبة لأن من يرسم خطط التفجير يريدها أن تصبح مستحيلة وهو الهدف النهائي، أما أسماء المأجورين وهوياتهم الطائفية والعرقية والمناطقية، فهي ليست مهمة ولا ينبغي أن نقف عندها، أو أن نركز عليها.
هذه الجهات لها عداوة مع العراق، عداوة لا تخبو ولا تزول، ولن يهدأ لها بال حتى ترى العراق قاعاً صفصفاً، وربما هم الآن في دهشة من أمرهم، فكيف تمر أكثر من سنوات عشرة وما زال العراق ينبض من خلف الجراح ... كائن خرافي لا يموت، واحد متوحد غير قابل للقسمة والتجزئة، كيان سياسي وحضاري / ثقافي يقف في قلب الزمن. من يكيد للعراق ستلتف المؤامرة عليه، يظنون أنهم مانعتهم حصونهم، ولكن الهول سيأتيهم من حيث لا يحتسبون.
فلنسلط الضوء، وأصابع الأتهام إلى المنتجين الرئيسيين، والمخرجين، لحمام الدم، أما المحزن في الأمر، وهو شأن عاطفي وليس مادي، لذلك فهو غير مهم بدرجة رئيسية، لأني أرفض أن أضع للقتلة وزناً في القضية، والمؤسف أن أشخاصاً يحملون الهوية العراقية، عراقيين يعملون كمخلب قط للقوى الأجنبية، ارتضوا لأنفسهم، تحت أي مبرر كان، أن يكونوا فقرة في هذا المخطط، سوف لن تذكر أسمائهم بخير، التاريخ ليس يوماً واحداً.
المقال جزء من مقابلة تلفازية بتاريخ 4 / تموز / 2013