عن الشيخ الاسير و ناكري الجميل ؟!

د. حمزة رستناوي

[email protected]

لقي موقف الشيخ اللبناني أحمد الاسير تجاه الثورة السورية و ما تبعها من تداعيات في لبنان تعاطفا واسعا عند شرائح من مناصري الثورة السورية , و سأعرض في هذا المقال لحجج المناصرين  للشيخ الاسير أولاً , و من ثم أعرض لتعقيب نقدي يعبّر عن وجهة نظر كاتب هذه السطور.

*حجج المناصرين للشيخ الاسير:

أولاً : الشيخ الاسير قدّم دعما ملموساً للثورة , من خلال القيام بنشاطات سلمية داعمة ,  و جمع التبرعات , و ارسال المقاتلين ,  كذلك اعتراض طرق امداد النظام و صهاريج الوقود في لبنان.

ثانياً : الشيخ الاسير رجل حقيقي صادق وشهم , لم يكتفي كرجال دين آخرين – ذوي شهرة اعلاميّة – بإعلان الجهاد في المؤتمرات و على الفضائيات ,  و من ثم متابعة اجازاتهم في اوربا , أو عودتهم لشؤون حياتهم المرفّهة.

ثالثاً : لماذا نستكثر على رجل دين سنّي , مناصرة السنّة الذين يُذْبَحون في سوريا , و نتغافل عن رجال الدين الشيعة و من خلفهم  مليشيات و دول يناصرون النظام الأسدي على اساس طائفي ؟!

رابعاً : الشيخ الاسير ليس مناصر للثورة السورية فقط , بل هو قد قام بثورة ضد السلطة اللبنانية المُهَيْمَن عليها من قبل حزب الله الشيعي , فهو بذلك زعيم للسنة المقهورين في سوريا و لبنان معا.

خامساً : انتقاد الشيخ الاسير هو نميمة و اساءة شخصية له , لا تليق بإنسان حسن الاخلاق , عداك عن مثقف او كاتب ؟!  والشيخ الاسير رجلٌ قدّم معروفا للشعب السوري في محنته , فعلام نكون ناكرين للجميل , و ننتقدهُ بدلا من تقديره و مناصرته.

سادساً : لماذا نسيءُ لمشايخنا – نحن السنّة -  و نتخلّى عنهم , بينما ترى الشيعة تقودهم مرجعياتهم الدينية و مشايخهم , لماذا لا نتعلّم منهم تقدير الكبير ؟!

_

*تعقيب نقدي على موقف الشيخ الأسير:

أولاً : نتغنّى و نقول "الثورة السورية " و هي كذلك بالتأكيد , هي ثورة الشعب السوري ضد النظام الاستبدادي , و إنّ تحويلها إلى صراع طائفي عابر للحدود , لا يخدم أهداف الثورة , لكون الصراعات الطائفية تمزّق الوطنية السورية , و هي صراعات مزمنة قد ينتصر فيها  طرف على طرف آخر مؤقتا , أما الثورات الديمقراطية  قابلة للانتصار , و تفسح المجال لتجاوز قصور النظام الاستبدادي الطائفي , و التخلص منه , و يكون الرابح فيها الشعب بمجموعه ,  و الشيخ الاسير ليس بمواطن سوري , و قد يكون أكثر فائدة أن يقوم بجهود لتجاوز قصور النظام السياسي ذو الطبيعته الطائفية.

ثانياً :  نتفهّم تماما وضع القوى الثورية بشقها العسكري على الارض , و حاجتهم الماسة للمعونات للموارد المادية و البشرية و العتاد , و لكن تلك الحاجة تقدّر وفق الظرف و البدائل الممكنة , و تخفيف التأثيرات الجانبية لهكذا معونات و مساعدات يكون بتوحد القوى الثورية و امتلاكها لهوية و برنامج سياسي سوري وطني ديمقراطي واضح المعالم.

ثالثاً : نتغنّى و نقول " ثورة الحرية و الكرامة " و هي كذلك بالتأكيد , و الترجمة السياسية الوحيدة الممكنة " للحرية و الكرامة " عمليا هي في الدولة المدنية الديمقراطية ,دولة المواطنة و احترام حقوق الانسان. فهل الخطاب السياسي للشيخ الاسير و الجماعات السلفية أو الجهادية عموما  يتقبّل الخيار الديمقراطي و الدولة المدنية , و يؤمن بشرعة حقوق الانسان!  هذه النقطة مهمّة , فتحت أي راية يقاتل الاسير و من معه , إنّهم  لا يخفون هويّتهم السياسية و مشروعهم العقائدي , ذو الرايات السوداء , انه مشروع دولة دينية تؤسس لاستبداد جديد , و لكن هذه المرة باسم الاسلام  , و لدينا بضع نماذج فاشلة حول العالم يمكن للقارئ مراجعتها كتجسيد لهذا المشروع المضاد للعصر ,  مع ملاحظة أن الدولة المدنية الديمقراطية لا تتنافى أبدا مع الاسلام , و لكنها تحتاج لفهم حيوي و خلّاق  للإسلام يؤكد على مقاصد الشريعة أولا.

رابعاً : لا شك أن الشيخ الاسير شجاع فهو قد رفع صوته كممثل للسنة المهمّشين ضد هيمنة حزب الله و مشروع دولة ولاية الفقيه , و هو يعلم قبل غيره مقدار الصعوبات التي ستواجهه. و لنا هنا أن نتساءل إن أي مشروع  احتجاجي – حتى لو  كان مشروعاً  في تطلعاته - لا بد من خلق أفق سياسي له , و دراسة امكانيات  تحقيقه بأقصر الطرق و أقل التكاليف. و في دولة مثل لبنان , لا يوجد أفق لأي مشروع طائفي سواء أكان سنّيا أو مسيحيا أو درزيا و بما فيه مشروع ولاية الفقيه , و لا بديل عن الخطاب الوطني و مشروع  دولة المواطنة و المؤسسات , و بقراءة الخارطة  السياسية ,  فإن السنّة عموما و الاسير خاصة هم الحلقة الاضعف في لبنان في ظل المعطيات العسكرية و الاقليمية و الدولية في المدى القريب و المتوسط.

إنّ الشجاعة وفقا للسياق السابق لا تكفي لوحدها , و يحضرني هنا قول المتنبي

الرأي قبل شجاعة الشجعان.....هو أوّل و هي المحل الثان.

فقواد العسكريين للطليعة الإخوانية المقاتلة كمروان حديد و عدنان عقلة , و انتحاري القاعدة كلّهم شجعان إلى درجة التهوّر عدا عن كونهم مؤمنين عقائديين , و لكن ماذا تأثير شجاعتهم و "جهادهم " على مجتمعاتهم و أوطانهم ؟!  لقد استفاد النظام الاسدي من التمرد المسلح للإخوان المسلمين في بداية الثمانينات لاستعباد السوريين لثلاثة عقود قادمة. و في التجربة النبوية لنا عبرة حيث استمرت الدعوة لمدة 13 سنة في مكة قبل أن يأذن لأصحابه بالهجرة و ليبتدئ بعدها طور الجهاد المسلح في المدينة في اطار مشروع سياسي حيوي حقيقي.

خامساً : إنّ استمرار و زيادة وتيرة تدخلات الجهادية السنّية , و منها الشيخ الاسير و غيره حول العالم , يعقّد الوضع السوري اكثر , و يضعف امكانيات تقديم دعم اقليمي و دولي للثورة السورية , و هي سياسة سعى إليها النظام الاستبدادي و سهّل أمرها بإطلاق سراح المعتقلين لديه و خاصة في بدايات الثورة.

سادساً : إنّ نقد الموقف السياسي للشيخ الاسير أو لغيره هو عمل مفيد  , فأي امة تتخلى عن النقد الذاتي والمراجعة مصيرها الفشل و التصلّب. إن عرض قضية الشيخ الاسير للنقاش العام و النقد يتجاوز اعتبارات من قبيل رد الجميل , و الاساءة الشخصية , و لكن تبقى الكلمة الحسنة هي الأولى بالقبول " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ". فينبغي علينا – و اخاطب نفسي اولا - تفهّم ظاهرة الشيخ الاسير و مثيلاتها , و تحليلها , و محاولة استيعابها , و تصعيدها باتجاه افق وطني انساني جامع , انّ ظاهرة الشيخ الأسير ما هي إلا  صرخة ضد الظلم , و لكن  ضلّت بوصلتها

"أورينت نت"