فتَّانو مصرَ اليوم
عبد الكريم ناتي
لا يضيرني ما يفعله العلمانبون الكفرة بالتيار الإسلامي حين يستنهض هِمَّتهُ ليقول للعالم:"نريدها شريعة إسلامية"، فيقول الكفرة الفجرةُ:"لا نريد تخلفاً... مارسوا إسلامكم في مساجدكم"، إنما يضيرني قول من ينسبون أنفسهم إلى التيارات الإسلامية أو يظهرون تعصباً إلى المرجعية الإسلامية و تسمع لهم بين الفينة و الأخرى صهيلاً كصهيل الخيل الفاتحة تدك سنابكها صروح الكفر، يصلون و يصومون و يحجون إن استطاعوا و لهم مناسك بالليل و النهار، يتضرعون إلى الله أن ينصر الإسلام و المسلمين وفجأةً...ينقضون على التيارات الإسلامية و يشبعونها تقريعاً و تجريحاً كالآخرين، حتى أنك لا تشعر بانتسابهم إلى الإسلام بل تقول:"هم و الأعداء سواء". و لا زلنا نطالع بين الفينة و الأخرى الفتنة تلو الفتنة و النقد تلو النقد و تطاولاً ما بعده تطاول، و لا تنضب قريحة العربي أبداً فعنده دائماً ما يقول حين يفيق من غطيطه و نومه المستمر، بل يقول في أوجه تبلُّدِهِ:"نحن رجال و هم رجال" و هذا أدنى مراتب التطرف في الرأي، لكن إذا تجاسر الترثار قال و أطنب حتى يتعدى حدوده فيقول لمن باع نفسه و أهله و كل ما لديه لله و لِسني النضال الطويلة:" أنت فاشل" أو ينعثه بالعمالة للصهيونية و كأن الصهيونية هي قدر البشرية المحتوم المتصرف في مصائر الناس و الشعوب.
لقد رأيت في مصر نموذجاً لفتنة عظمى يتزعمها أصحاب القنوات ممن حسنت أو ساءت نواياهم، و كأن العرب لم يعد بحوزتهم إلا الثرثرة و التطاول و الإتكاء على الغير بشكل كلي لإيجاد الحلول و إلا فإنه "لا يصلح". لم أشهد أكثر شراسة في حرب الإسلام ممن كان يغدق عليهم النظام البائد لإفساد الشعب و تنويمه و تلميع صورة من كان يحكمه بالحديد و النار، و لم يكن يسمح لأحد أن يفكر بالكلام فما بالك بالكلام نفسه. جل الفنانات و الفنانين الذين شبعوا تقريعاً في الرئيس مرسي كانوا سابقاً كالعبيد لدى المخابرات المصرية و أمن الدولة و على رأسهم فاجرهم الأعتى "صفوت الشريف"، هذا الذي سامهم سوء العذاب في خفاء و دون علم أحد إلى أن تكشفت الحقيقة و بدأت تطلع علينا تصريحات نعلم منها حقيقة ما كان يُفعل بهذه و تلك و هذا و ذاك، ثم استنتجنا تلقائياً أن الكل شربوا من جام "الشريف" و غيره من أذناب النظام و عملائه و على رأسهم الإسلاميون الذي سيموا سو ء العذاب أكثر من غيرهم فلما فتح الله عليهم و عوضهم عن صبرهم خيرا قام إليهم الرعاديد و أعداء الحق مناهضين و سائلين:"أين هذا الإصلاح الذي زعمتهم أنكم منفدوه عن قريب".ثم بدأت تتقاطر التهم ذاتَ اليمين و ذاتَ الشمال فانتقلت شراسة الحرب على الإخوان من إخوانهم في العقيدة و الغيرة على الدين، وبدأنا نرى قيادات إسلامية تفضي إلى طوني خليفة و غيره ممن لا غيرة لهم على مصر أو على شعبها، بل يبغضون الإسلام بغضاً شديداً و يسعون في فتنة كبرى أشد من القتل.
تناطحت الجماعات الإسلامية على كسب التأييد بالتفنيد و سُخِّرت دون أن تشعر لغرض العلمانيين الكفرة الفجرة بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية، ثم أصبح منظِّروها عاجزين عن زجر ألسنتهم العقورة التي تشتهي أن تُمدح ل "منطقها المتوازن و فكرها اللامع"، و من لم يستطع التفريغ كفاية افتتح له قناة ناطقة باسم الجماعة في شقة أو غرفة...ثم كثر الكلام حتى أصبح مرسي كالثور تحيط به السباع من كل جانب و كلها تنهشه فلا يستريح لحظة حتى يلمزه مخلب أو يُغرز فيه ناب...نسي هؤلاء أن التكثل على المصلحة الوطنية الواحدة أوجب اتباع و لي الأمر و إبداء النصح له خصوصا بعدما أبدى في ذلك استعداداً و تسامحاً و ليس كحسني مبارك الدكتاتور الذي باع كل القضايا العربية و الإسلامية لأسياده الصهاينة و قدم شعبه كبش فداء لمصالحه و مصالح عائلته على مر سنين من شظف العيش و قهر السلطة . نسي هؤلاء المتغافلون المرضى بالترثرة أن كثرة الكلام يكثر معها السقطُ و أن السكوت مستحب في بعض الأحيان و يثمر أكثر مما يثمر الكلام و خصوصا في ظرفية حساسة كهذه...نسوا أن مرسي ليس بالفاجر و ليس يعدو للإسلام و المسلمين، كما أنه ليس ملَكاً أو نبياًّ مرسلا معه صحيفة من اللوح المحفوظ توجب العصمة من الخطأ و العناية التامة من الله.
لا يفتأ الإسلام يُنَفِّضُ جناحيه ليطير إلى زمن النورانية حتى يهب إليه المتنطعون باسم الحداثة و العلم تارة و باسم الغيرة على مصلحة الأمة تارة أخرى ليقصوا ريشه و يقصقصوا قدميه و كأنه لم يعد في الأرض حديث إلا عن طموح الإسلاميين في التغيير و "التطرف"، و إلا عن هذا الذي "زعم أنه فاعل و لم يفعل شيئاً. و يذكرني الأمر ببعض أعضاء البرلمان النُّوَّم الذين يستفيقون بعد عام ليُفنَّدوا كل ما قيل على مداره، و كأنهم فهموا كل ما قيل، و كأن المسئولية يتحملها فقط من حكم أو اعتلى سدة الحكم بشرعية الإنتخاب. و هنا تكمن آفة الديموقراطية التي تجعل لكل الشرائح رأيا في الحكم و الحاكم حتى و إن سفُهت أحلام جلها و صغرت آفاق فكرها و انحدرت أخلاقها، فيصبح للفاجر رأيٌ في الصالح يخطئُه فيه دائماً، ويقوم الرويبضة خطيباً متفنناً، و يُبَدِّع المتشدد في الدين غيره من إخوانه في الدين، فبالله هل تصلح الديموقراطية في شعوب الأرض الفاسدة في معظمها حتى يكون لها رأي في أمور الدُّوَل و حكمها؟!
ثم بدأنا نرى أناساً لمجرد شهرتهم يعتلون منابر القنوات و يُنَظِّروا مصداقا لحديث رسول الله عن الرويبضة، و تعدَّت الجرأة حدَّها و تعدى حِلم مرسي حدَّه حتى طمع الضباع في السباع و قيل ما قيل في حقه لمجرد أنه أكثر بساطة من سابقه عدو الله حسني مبارك، و لمجرد أنه يحدث الناس و يتعامل معهم دون بريستيج و بروتوكول و قمع. و لعل سفهاء العلمانيين استهزأوا مرارا بالخطَّ الجديد للحكم و قالوا ضاحكين:"رئيس بلحية و يقول قال الله و قال الرسول، و من هذا الله و هذا الرسول؟ اللذان يتشدق بهما هذا الملتحي الرجعي و كيف يحكمنا رجل بلحية؟!". و كيف لا يتعارض منطق الإسلام الجاد الصارم مع العبثيين الذين يريدونها عوجاً و عمالة مباشرة و غير مباشرة للغرب و الشرق؟ و كيف لا يثور من كان عبثهم يدر عليهم أموالا طائلةً من الحرام و الفساد و الإفساد؟ و كيف لا يثور من كان يرى نفسه أهلاً للحكم و أظهر الطاعة لولي الأمر لكنه خرج عليه في القنوات مشهِّراً باسم "الرأي و الرأي الآخر" و كأن كل الناس كان لهم رأيٌ فيما يقول أبو بكر و عمر، وكأن كل الناس عارضوا عبد الملك ابن مروان-غفر الله له-حين سلط الحجاَّج ابن يوسف الثقفي على الرعية يسومها سوء العذاب؟ و مشكلة السفهاء العبثيين واضحة الأغراض لكن الذي يزلزل العقل و يحيره هؤلا الخطباء النائبون عن جماعاتهم الإسلامية ك"نادر بكار" و غيره من المفوَهين الذين يحركون-دون أن يشعروا- الثورة على الرئيس مرسي الذي وجد إرثا ثقيلا جدا من الخراب الإجتماعي و الإقتصادي و السياسي و العسكري، و هل كان له ذنب في إقطاعية الملك فاروق و أسلافه الميامين أو اشتراكية عبد الناصر البعثي الذي أوهم الشعب المصري بفكرة القومية العربية أو أنور السادات الذي فتح مصر على مصراعيها للفساد- بدينار الصلاة في جبهته- و كل ذلك تحت مسمى "سياسة الإنفتاح"؟...ماذا ورث مرسي لكي يبني عليه اقتصاد مصر و بنيتها الفوقية و التحتية و نظامها الإجتماعي إلا إيماناً قوياً بالله عز و جل و رسوله و حلماً بأن تعود الخلافة الإسلامية إلى أرضها لكي يتهمه بعض من يظنون أنهم أكثر فهما لأمر الخلافة القادمة بأنه ليس أهلاً لها؟ ماذا ورثت حكومة الإخوان غير جيش بأسلحة فاسدة كانت تتعطل في الشوارع أيام الثورة لأنها خردة مستوردة؟ هل وجد مرسي شعباً عملياًّ طموحاً يؤمن بأن التغيير يلزمه استئصال الأدواء القديمة المتجدرة، و بأن اليد الواحدة لا تصفق، بل إن أمر حاكمه مرسي كأمر عمر ابن الخطاَّب حين قال لسعيد ابن عامر:" أتَضعون أمانتكم و خلافتكم في عنقي ثم تتروكونني؟"؟
على كل مصري أن يجيب على هذه الأسئلة بحيادية دون اتباع الهوى و تعقب المصلحة الشخصية، و إلا فو الله إن أعداء مصر و الإسلام متربصون و مُنْقضُّون لا محالة لو استمر الحال على هذا العناد المقيت الذي إلم ينته جرَّ حتماً إلى كارثة تكون كفتنة الأحلاس التي ذكرها رسول الله تدع الحليم حيران و يفترشها كل على حدة...حتى العلمانيون انفسهم و حتى خطباء الأحزاب الإسلامية أصحاب تقليعة "المعارضة و الرأي الآخر" بمسمى "الغيرة على الدين.