لنفاوض على أساس 181
لنفاوض على أساس 181
د.هاني العقاد
جون كيري ليس مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط تم تعينه من قبل إدارة اوباما ليقرب بين وجهات النظر الفلسطينية والإسرائيلية ويحاول إقناع كل من الطرفين بالبدء بالمفاوضات السلمية على أساس إنهاء الصراع وتطبيق مشروع الدولتين لكنه وزير خارجية اكبر دولة بالعالم , وزير خارجية أمريكا التي احتلت العراق و قسمته إلى دويلات والتي تهيمن على القرار السياسي العربي منذ زمن والتي لها قواعدها العسكرية المنتشرة بالشرق الأوسط , لم يأتي هذا الرجل إلى المنطقة لخصوص ملف السلام فقط لكنه بدا كواحد من قادة هذه المنطقة يقطنها منذ فترة وبالتالي فإنه يتواجد في المنطقة هو ومستشاريه أكثر مما يتواجد بالبيت الأبيض لسخونة المنطقة وبسبب الصراع في سوريا ليس إلا وعلى الهامش يسعي في تحريك مسيرة السلام , وهذا يتضح من موقف إسرائيل التي مازالت تضرب بمساعيه عرض الحائط ولم تأخذها مأخذ الجد , فاليوم تعلن عن البدء ببناء 930 وحدة سكنية بالقدس لتثبت أن مساعي كيري كما (هيل) المبعوث السابق للسلام في الشرق الأوسط التي لم تجدي أي نفع ولم تفلح في إيقاف إسرائيل عن تهويد وسرقة أراضي الفلسطينيين .
إن كان هدف الإدارة الأمريكية هو إعادة الطرفين للمفاوضات فقط دون مرجعية شرعية لعملية التفاوض ودون أساس ودون إطار سلام نهائي يبنى على هذا الأساس وينفذ خلال فترة وجيزة فإن هدف الأمريكان لن يتحقق لان الفلسطينيين جربوا هذه الطريقة وملوا التفاوض دون شرعيات ,وان كان هدف الإدارة الأمريكية تحقيق سلام على أساس حل الدولتين وقرارات الأمم المتحدة وشرعية هذه القرارات وان تقوم الولايات المتحدة بالتدخل المتكافئ في الصراع فإن هدف أمريكا لن يتحقق إطلاقا وسيتعثر عند كل محطة من محطات الانتقال لملفات القضايا الكبرى لأن إسرائيل لن تصنع سلام بالمجان فهي عادة ما تريد ثمن هذا السلام , وقد تقبل أمريكا بدفع الثمن لأنها تدفع لإسرائيل أكثر من ثلاثين مليار دولار سنويا وهذا رقم يعادل ميزانية نصف دول الشرق الأوسط التي نقول عنها دول غنية , لكن ليس هذا الثمن الذي تريده إسرائيل فإسرائيل تقايض عادة برفع سقف المقايضة وتتدلل كثيرا على أمها أمريكا فهي تريد أن يتفاوض الطرفان على أساس التفاوض وليس على أساس أي مرجعيات أو شرعيات , لهذا فإن الضغط الأمريكي على إسرائيل لن يحدث يوما من الأيام على الأساس الشرعي , لهذا لابد وأن يقول العرب لأمريكا وإسرائيل أن التفاوض من الآن فصاعدا لن يكون إلا على أساس قرارات الأمم المتحدة وأولها 181 القاضي بإقامة دولتين على ارض فلسطين واحدة لليهود وأخري للعرب الفلسطينيين .
هذا الأسبوع كانت زيارة كيري السابعة بالإضافة لعشرات اللقاءات مع طرفي النزاع واعتقد أن كيري فهم أن المفاوضات لن تنطلق إلا على أساس واضح وبين وبجدول زمني وبعد وقف تام وكامل لاستيطان لان هذه مبادئ حقيقية تمكن الطرفين من البقاء في مربع الجدية لحل الصراع , خلال ثمان وأربعين ساعة تنقل كيري بين رام الله و تل أبيب وعمان والسعودية أكثر من عشر مرات وقد تشهد المنطقة مفاوضات خلال الأيام القادمة لكن أتمنى أن يعي الفلسطينيين أهمية أساس المفاوضات الشرعي وليس الولايات المتحدة ذاتها , و السؤال الآن الذي غاب عن أذهان الكثيرين في معترك مرجعية التفاوض لماذا لا يتم التفاوض على أساس 181 وهو قرار التقسيم الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 1947 ولم يطبق شقه الثاني والخاص بإقامة دولة الفلسطينيين على أرضهم , ومازال هذا القرار شرعيا وقائما ولم يسقط بالتقادم بل أن تطبيقه الآن يعيد المجتمع الدولي لدائرة الثقة في فعالية الأمم المتحدة وقراراتها التي تسعي من خلالها لفرض الأمن والاستقرار بالعالم .
لعل كيري يتناسى قرارات الأمم المتحدة ويعتبر بالتالي الولايات المتحدة هي البديل عن تلك المؤسسة الدولية التي يحتكم إليها العالم في أزماته السياسية وبالتالي فإن عودة أطراف النزاع لتفسير أي اختلاف لن يكون إلى قرارات الأمم المتحدة بل إلى رؤية الولايات المتحدة للصراع وهذا من شأنه أن يلغي مرجعيات الحل وينزع الشرعية التي حققها الفلسطينيين على المستوي الدولي , لذا فإن الفلسطينيين أمامهم إعادة دفة عملية التفاوض إلى المرجعية الدولية وتحديدا قرار 181 الذي بدورة قد يحل باقي مشكلات الفلسطينيين من القدس والدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين والحدود لأنه يعتبر القرار الوحيد الذي حدد إجراءات عملية التعايش السلمي لشعوب المنطقة , وحددها في دولتين عربية فلسطينية ودولة يهودية للإسرائيليين , وإذا أخذنا روح هذا القرار فإننا بالتالي نحقق باقي قرارات الأمم المتحدة الأخرى , وما دامت إسرائيل وأمريكا لا يوافقان على أن تكون للمفاوضات مرجعيات محددة ويقترحوا مرجعية واحد وهي مرجعية التفاوض فإن التفاوض في هذه الحالة سيجر مزيدا من التفاوض ويقضي أزمانا جديدة دون الوصول إلى الحل العادل.
شبكة كتاب الرأي العرب