جنيف... في عيون المرحبين ...
جنيف... في عيون المرحبين ...
عقاب يحيى
منذ أسبوع طرحت " هيئة التنسيق" مشروعها، أو خريطة طريقها لجنيف.. انطلاقاً من مسلمات انعقاده، ونجاحه، وقبولها غير المشروط بحضوره، والتعويل عليه كمخرج وحيد .
ـ و" تيار بناء الدولة" بدوره يدلو بدلوه فيتقدّم بمشروع تفصيلي أيضاً..والرهان على جنيف سبيلاً وحيداً.. ويذهب إلى مسافة أبعد في تكريس بقاء القاتل رأس النظام حتى العام 2014 .. لكنه ... يطالب بعدم ترشحه مرة أخرى ..
ـ المشروعان يغرقان بالتفاصيل، والتوضيحات، والبنود.. وكأننا فعلاً ذاهبون لمؤتمر سيضع حدّاً للنظام الاستبدادي، وسينهي " الأزمة السورية".. إلى درجة الدخول في أدق الجزئيات، والتعب في برمجة مواعيد .. وأفكار لمراحل انتقالية متتابعة.. ثم الدخول في عدد الوزارات وعملها، والجهة التي تكلف بها، فشروط الانتقال.. وكثير...
ـ بيت القصيد في موقف تلك المشاريع أنها تسلم ـ منطلقاً ـ ببقاء القاتل، وبدخول المفاوضات دون شروط مسبقة.. وتجاوز وثائق القاهرة التي وافقت عليها معظم أطراف " هيئة التنسيق" والتي تنصّ صراحة على أن أي مفاوضات" رهن وشرط تنحي رأس النظام وكبار رموزه، وتحويل المتورطين بالقتل إلى المحاكم .." ..
ـ التبرير الذي يجري تسويقه يتألف من حزمة من المسوّغات :
1 ـ فشل الحل العسكري، وعدم الإيمان به اصلاً ..
2 ـ الخوف من انزلاق البلاد لحرب أهلية طاحنة ..
3 ـ التوافق مع " إجماع" المجتمع الدولي على أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد .
4 ـ الرهان على ما يمكن أن يقدمه المجتمع الدولي من ضمانات لما يحكى عن صلاحيات الحكومة الانتقالية التي يجب أن تكون مطلقة الصلاحيات، والثقة بقدرته على الفرض ولو بتحويل الأمر للبند السابع ..
5 ـ الرهان على أن وضع الأسد رهن المفاوضات، وليس مقدمة لها.. في حين يُلحظ أن البعض في هيئة التنسيق لا يعتبر الأسد مشكلة بحد ذاته، وإنما النظام الذي يرتكز إليه، خاصة الأجهزة الأمنية، وقيادات الجيش ..
*****
نعم المفاوضات يمكن أن تكون نتيجة، وسبيلاً أخيراً لإيجاد الحلول، طالما أن الثورة لم تتمكن من إسقاط النظام بالوسائل الأخرى، وطالما أن لوحة الصراع، ومغذياتها تشير إلى قابلية مفتوحة على حرب طويلة تحمل معها كثير الدمار والمخاطر والخسائر البشرية وغيرها .. خصوصاً قابلية الانزلاق لحرب مذهبية رهيبة..
ـ لكن، بالمقابل السياسة لا تسبح في الفراغ، ولا تهبط من السماء، وليست حالة فكرانية، وإنما هي نتاج ميزان قوى على الأرض، ومجموعة عوامل تدخل فيه، ولذلك نسأل :
1 ـ كيف يمكن لمعارضة، وأيّاً كانت أوضاع الثورة أن تقبل ببقاء المجرم وكبار عصابته مدخلاً لمفاوضات لا أحد يضمن نتائجها، وزمنها ؟؟.. وباسم من ـ في هذه الحالة ـ تخوض تلك الأطراف مفاوضاتها؟، ومن تمثل؟، ومن يستجيب ؟؟..
2 ـ هل جنيف واضح المبنى والخلفية؟. هل وصل الطرفان الرئيسان : الولايات المتحدة وروسيا إلى توافق بينهما يتجاوز الفكرة إلى المضمون؟، وحينها، إن كان الاتفاق، أو التقاسم، أو الصفقة موجوداً.. فأي موقع، ودور لأطراف المعارضة، بل وحتى لطغمة القتل والإجرام ؟..
3 ـ هل هناك ثقة بما يقال عن ضمانات دولية لتنفيذ الاتفاق، خاصة ما يتعلق بما يحكى عن حكومة مطلقة الصلاحيات؟، واية صلاحيات واقعية ستكون لها بوجود نظام أمني خبيث، وأجهزة أمنية خبيرة بالتجويف واللغم والنحر ؟؟...
4 ـ وماذا تملك وفود، أو وفد المعارضة، من قوة فرض ما لم تستند إلى ميزان قوى على الأرض . إلى الجيش الحر والعمل المسلح، وإلى الحاضنة الشعبية ووعي توجهاتها، وجوهر مواقفها ؟؟...
ـ ميزان القوى يميل منذ البداية لصالح الطغمة، وهو الآن، وبدخول إيران المعلن، ومليشياتها الطائفية" أحزاب الله" وغيرهم صار أكثر اختلالاً، وهو ما نلحظه في تكالب النظام على استخدام طاقاته القصوى في القصف والدمار قبل جنيف لفرض أمر واقع يجعل المعارضة كلها في الموقع الهزيل، المُذعن..
ـ نحن على ثقة كبيرة، قديمة، متجددة.. على أن الطغمة يستحيل، ببنيتها وتركيبها. بفئويتها وإجرامها..أن تقبل بأي حل تفاوضي إلا قبيل انهيارها الوشيك.. وحتى ذلك تحاول الهروب إلى خيارات في برنامجها، كالانسحاب إلى الساحل.. أو تفجير المنطقة وإشعال الحروب المذهبية فيها..
ومع ذلك.. فالمفاوضات التي تؤدي إلى إنهاء نظام الاستبداد والفئوية، وتأمين الانتقال إلى الديمقراطية سبيل مطروح على المعارضة لا يمكن رفضه، ويجب العمل للوصول إليه، ودونه كثير المقدمات التي يجب توفرها، على الأرض بدءاً، واساساً، وفي إقناع المجتمع الدولي بأحقية المطالب السورية بإبعاد القاتل، رأس النظام، عن أي عملية سياسية، ومجموعة من الشروط التي توفر مناخاً طبيعياً لبدئها، وإنجاحها .
ـ إن الموقف المسؤول من قصة جنيف تستدعي وجوب خلية أزمة في الإئتلاف تناقش كافة الأبعاد والتطورات، وتضع تصورات واقعية، وتقوم بالمهام العاجلة في الميدان، ومع الشقاء والأصدقاء، ومختلف أطراف المجتمع الدولي، وتشكيل وفد موحد للمعارضة متوافق على الأساسيات.. والتي تتمحور : مدخلاً عند الموقف من القاتل بدءاً، ولو بالإصرار على تفويض صلاحياته الدستورية والتشريعية لنائبه، أو لرئيس حكومته ..وتأمين مستلزمات تعديل ميزان القوى على الأرض بكل ما يلزم من توفير السلاح والذخيرة والإمكانات للجيش الحر، والسعي الحثيث لتوحيد صفوفه، وضبط ممارسات البعض المشبوهة والمسيئة، ومحاصرة الاتجاهات المتشددة التي تسيء للثورة ..