مملكة الورد
أبو العلاء
صخب في مملكة الورد الملكة يعلو صوتها ، كأنه صواعق الرعد ، عيون الورد جاحظة دامعة ، وأغصان شجيرات الورد هائجة مائجة ، عزاء عند الورود، ترتيلة جماعية تلامس وضيوفنا قد رحلوا ، مملكتنا الآن بلا زوار ) قالت وردة سجدت على أوراقي أهداب العشاق ، وقالت أخرى شفاه ميسون على خزانة أوراقي ، وقالت أخرى : كحل رباب أصاب مدمعي ،آهات الورد تردد: كان حديثنا مع زوارنا بالنظرات ، يقبلوننا بعيونهم ، ونرد عليهم تحيتهم برذاذ عطر يرطب قلوبهم ، كان العاشق يداعب الوردة بالرقص أمامها ، يناجيها مع القمر ، فقدنا رؤية الأطفال وهم يركضون في شوراعنا ليلحقوا بالفراشات الباسمة ، كانت الفراشات تحاور عيوننا عن الأسرار التي قرأتها عند مبسم الفجر ، تلتفت يمينا" ويسارا" بحرية ودلال ، قالت وردة عذراء ، تنشر عطرها الدافئ بخجل ، ترتفع على غصن كأنه وتر يعزف ألحان الجمال بنسمات حرية الصباح : كان النحل يهبط على أوراقنا كنور الشمس ، فيشرب من أقداح جمالنا ، ويطير بحرية إلى مملكته ليصنع العسل لعباد الله .
قالت ملكة الورد بعد أن سمعت حوار صاحباتها ، وقد جمد الأسى عروق الجمال ، وقد رأت مملطتها مستباحة للثعالب والذئاب ، غاب طيور الجمال في الشوراع ومشى فيها غلا شداد ، يركعون الأغصان بالبنادق وفاحش الألفاظ ، يتبعهم مشردون لا نسب لهم ، تقشعر من وجوههم الأبدان ، كالخنازير يضربون جمال الورد بوجوه مفطوسة.
تجمعت بقايا الورود حول ملكتهم الحزينة ، ليسمعوا منها قصة الزمان ، قالت : جاء التتار واعتقلوا السنين والأعوام، وشنقوا الأيام بسياط القهر والحرمان ، وأصبحت المدن مرايا متشققة ، وغدت الشوراع ، سرادق حزن باكية ، تألم الظاهر بيبرس عندما شاهد الحرية مذبوحة ، ركب زوارق النجاة مع جنده الأبرار من شاطئ الشمس ، فرش عباءته على التتار ، فإذا هي تلقفهم وتحيلهم هواء. كبر الجنود وهللو ، سمعت الأمصار بالأنتصار ، فهزت خصرها ، وأقامت الأزهار أعراس الهناء بالروابي والقفار ، سعدت الورود بقصة الملكة ، وأدركت أن عطر الورد سينفض عندما تغرد طيور الربيع ، وسيعود العشاق إلى الرقص أمامهن، وتحوم الفراشات والنحل حولهن ليشربن روح الجمال .