شيء عن وثائق القاهرة للمعارضة

شيء عن وثائق القاهرة للمعارضة

عقاب يحيى

في مثل هذا اليوم من العام الماضي أنهت اللجنة التحضيرية أعمالها التي استمرت لثمانية عشر يوماً بالتمام والكمال.. كانت مزدحمة بنقاشات من مختلف الألوان، كونها ـ اللجنة ـ ضمّت أوسع طيف للمعارضة والحراك الثوري، وطبيعي أن تشهد جدلاً واسعا في عدد من المفاهيم والمواقف، والخط السياسي، والنظرة للقائم وصورة الدولة القادمة المنشودة .

وفي الثاني من الشهر عقد مؤتمر المعارضة الذي ما يزال الأكثر تمثيلاً لأغلبها، وأقرّ وثائقه التي يفترض أن تكون مرجعية لكل من شارك فيه، ووقع على تلك الوثائق.. ولكن ....

ـ الآن، وبعد عام مضى بالتمام والكمال.. الا يحق لنا أن نقف وقفة، ولو قصيرة، لمراجعة تلك الوثائق ومصيرها، وأين هي منّا، وأين هي من التزام الموقعين عليها، خاصة وأننا أمام استحقاق سياسي كبير عنوانه جنيف، ومضمونه ذلك الذي اختلفنا عليه ايامأً طويلة حتى التوصل لصيغة توافقية .

ـ لم يكن أحد يختلف على هوية الدولة القادمة، كدولة المساواة والتعددية، الديمقراطية، المدنية، التداولية، ولا حتى على هدف إسقاط النظام وإنهاء الاستبداد والفئوية : جذوراً، ونتائج، ومقومات، وإنما حول الوسائل وجدواها، وموقعها من التحقيق..

ـ كانت " مبادرة عنان" في عرسها تجوب بلادنا، وكان هناك من يعتبرها الطريق الوحيد للانتقال إلى النظام الديمقراطي. البعض كان متفائلاً جداً بقابليتها على التحقيق، وهناك من أراد فرضها كخيار وحيد لا بديل عنه، وكسبيل يرفض العمل المسلح.. وينظّر لمقولة أن كل صراع لا بدّ أن ينتهي إلى الجلوس على طاولة المفاوضات ..

ـ وكان هناك رأي آخر يعبر عن أغلبية اللجنة التحضيرية الذي وإن كان يقبل بالمبادرات السياسية المعنونة بوضوح، إلا أنه مقتنع تماماً أنه لا سبيل مع طغمة القتل والفئوية سوى الحسم، وأنها سترفض أي مبادرة سياسية، وتجوّفها، وتمطّ فيها كسباً لوقت الرهان على منتجها الوحيد : القتل والدمار وحرب الفناء.. فتحجمّ الاتجاه الداعي لاعتماد الحلول السياسية خياراً وحيداً، وألغي تعريف مبادرة عنان إلى تعريف عام يشملها وغيرها، وتمّ التركيز على الخيار الآخر الذي يمكن أن يكون الأقوى في المخارج المحتملة، أو التراكب بين الأسلوبين : السياسي والعسكري .

ـ أهم ما اتفق عليه مؤتمر القاهرة في وثيقة" العهد الوطني" تلك الفقرة الرئيس" التي تعلن الترحيب بأية مبادرات سياسية شرط تنحي رأس النظام وكبار رموزه، وتحويل المتورطين بالقتل إلى المحاكم"، وهي الفقرة التي نالت إجماع الحاضرين، ولم يتحفظ أيّ منهم عليها، بينما سجلت تحفظات الأكراد على غيرها، و"هيئة التنسيق" على عدم التوافق لتشكيل لجنة متابعة ..

*****************

ـ اليوم، وبعد مضي عام، وجنيف يقرع واقعنا.. ومواقفنا..أين نحن من وثائق القاهرة ؟؟؟....

ـ لنعترف، ورغم التقدم الكبير للجيش الحر في ميادين واسعة على الأرض، والصمود الأسطوري للثوار في عدد من المواقع، والقصير عنوان، والقصير وريف دمشق ومناطق كثيرة ركائز..فإن الأداء السياسي لم يرتق إلى مصاف المطلوب، والتضحيات، ووعود الدول" الصديقة" لم ترتق للأدنى من المطلوب، ومراهنة المراهنين، وحدث تراجع واضح عن ذلك الشرط يجد ترجمته في المواقف المعلنة لهيئة التنسيق، وأطراف أخرى التي تسقط فكرة الشروط المسبقة، معلنة القبول بحضور جنيف، والدخول في مفاوضات مباشرة بوجود القاتل رئيساً، ورموزه المجرمة. بل إن مستوى الضغط الدولي المُجمع على الحل السياسي معبراً وحيداً ل"لأزمة السورية" يضع الجميع أمام مسؤولية التفكير الجدي بالتعامل مع جنيف وحيثياته، رغم الضبابية المقصودة، خاصة فيما يتعلق بمصير رأس النظام، وآليات المؤتمر وما يحكى عن المفاوضات..ورغم تصادم ذلك مع الشرط المتفق عليه : عدم الدخول في اية مفاوضات إلا على قاعدة تنحي القاتل، وأقلها تفويض صلاحياته لنائبه أو رئيس حكومته..الأمر الذي يُحدث بلبلة، ويخلق جبهة جديدة للصراع في أطراف المعارضة ليس بين الإئتلاف وهيئة التنسيق فقط، بل داخل الإئتلاف نفسه، لوجود رؤى ومواقف متباينة وإن بدت متفقة عموماً على ذلك الشرط القابل للتلين، والتفاسير المختلفة .

ـ نعم .. لم تعد الآمال بقوتها قبل عام على الحسم العسكري المنظور، ولم يعد صراع الثورة مع طغمة فئوية وحسب.. بل دخلت على الخط عوامل وأطراف كبيرة، كثيرة، وتقدمت بخطورة فادحة التعبئات الطائفية المحشودة، والتي تمارس فعلاً مرعباً على الأرض، والدول التي وعدت بالدعم، والسلاح.. ما زالت تتمطى في تصريحاتها وتسريباتها..وتفاوت نواياها بينما يحترق البلد، وتدمر بنيته، ويكبر نهر الدماء ..

ـ إن الدخول العلني لحزب الله في المعركة ضد الشعب السوري، ومعه مليشيات طائفية عراقية، ومن خلفه إيران بثقلها ومشروعها القومي المذهبي، ومحاولة الطغمة الإمساك بزمام المبادرة وشن حرب إبادية شاملة تستخدم فيها الأسلحة الكيماوية، ولو على نطاق محدود، والطائرات وصواريخ سكود.. إنما يحمل مخاطر واقعية تتجاوز الاحتمالات إلى ما يجري من حرب إقليمية على أرضنا، وعلى حساب شعبنا وثورتنا، وبما يملي على الإئتلاف، وعموم القوى السياسية التفكير الجدي بما يمكن فعله في جميع الجبهات : ميدان العمل المسلح بتقوية الجيش الحر وتوفير مستلزمات التوازن في ميزان القوى، وتوحيد صفوفه، وخططه، وضبط حركته، وتصرفات عديد المحسوبين عليه الذين يشوهون روح الثورة وجوهرها، وميدان العمل السياسي بفتح حوارات مباشرة مع جميع قوى المعارضة بهدف التوافق على المشتركات، والموقف من جنيف، والذهاب ـ في حالة الموافقة ـ بوفد واحد، وببرنامج بعرف المُراد، ويقف عنده، ويغلق منافذ التنابذ، واستخدام العدو لخلافات المعارضة، أو الانجرار في أوهام خلبية.. سيكون لها اثرها الكبير داخل صفوف المعارضة والثورة.. خاصة وأن الكثير يعمل لنقل المعركة إلى وسط الصف المحسوب على الثورة .

ـ إن تشكيل خلية أزمة تعدّ كل ما هو ضروري، وتتابع التطورات، وتهيّئ الملفات، وتضع الاحتمالات والآفاق.. أمر حيوي يجب على الإئتلاف المسارعة إلى إنجازها فوراً..