هل أعلن الشيعة الحرب على أهل الشام؟

هل أعلن الشيعة الحرب على أهل الشام؟

محمد علي شاهين

[email protected]

أصمّ النصيريون آذانهم عمّا يجري من جرائم بحق الشعب السوري، وأغمضوا أعينهم عن أهوالها، وتمسّكوا بالخطاب الرسمي السوري المتخشّب المفسّر لهذه الظاهرة الثوريّة، بأنّها مجرّد عصابات مسلّحة، وجماعات تكفيريّة متآمرة على نظام الممانعة والمقاومة، ومؤامرة كونيّة تستهدف رأس النظام، وسط تهديد إيراني ووعيد لحكومات المنطقة بالاجتياح إذا حاولت التدخّل لإطفاء نيران الصراع ولهيبه.

وتوحّد علمانيو الطائفة مع رجال الدين في موقفهما من النظام، ولم تصدر المرجعيّة الشيعيّة أي إدانة لما يجري من جرائم، ولم تعلن الطائفة موقفها الصريح من الربيع السوري الذي رفع الغطاء عن نموذج فريد من الأنظمة المستبدّة بصراحة، وأنهى مشروعيّة الحكومات الفاسدة.

وأكّدت الممارسات اليوميّة لقادة الجيش من العلويين، والشبيحة، ومظاهرات العلويين في أماكن تجمعهم، وتبني الإعلاميين العلويين والقنوات الشيعيّة المستميت لخطاب النظام الرسمي، اصطفافهم خلف النظام، وانحيازهم للدكتاتور الملوثة يديه بدماء الشعب السوري.

وليس في ذلك غضاضة، فلقد أعطاهم النظام على مدى حكمه الطويل من الامتيازات ما لم يحلموا به في الماضي والمستقبل، وجعلهم الطبقة العليا في المجتمع السوري، وخصّهم بالبعثات والقروض والمناصب العسكريّة والمدنيّة الرفيعة، وحملهم على ظهور السوريين، وفتح لهم الدنيا على مصراعيها فسكنوا الأحياء الراقية، وملكوا القصور والمزارع والمصانع، وأحكموا سيطرتهم على الاقتصاد الوطني، والتعليم العالي، والإعلام، وقبضوا بيد من حديد على مفاصل الدولة الأمنيّة.

ويا ليت الأمر انتهى عند هذا الحد فلقد نشروا المراكز الأمنيّة وغرف التحقيق والسجون السريّة في طول البلاد وعرضها، ومارسوا الاغتيال السياسي، والتعذيب الجسدي والنفسي، وانتهكوا حقوق الإنسان على نطاق واسع، حتى طال شرّهم الدول المجاورة.

وأفسدوا الضمائر حتى أصبحت الرشوة والمحسوبيّة وسرقة المال العام سياسة مقرّرة، وكثر المنافقون والأدعياء والمخبرون في عهدهم.

وازداد حجم الفساد على مستوى الدولة، وبلغ بآل الأسد الأمر أن أنشأوا 15 مرفأ غير شرعي في الساحل السوري، كرّسوها لتهريب الأسلحة والأجهزة الكهربائيّة وغسيل الأموال والمخدّرات، قبل أن يفتضح أمرها.

واستخدم النظام وقد أخذت الأحداث بعداً طائفيّاً شبيحة الطائفة وجنودها لقمع المطالبين بالاصلاح والمنادين بالحريّة  وقمع الفساد، فوجدوها فرصة للانتقام، وروّعوا المواطنين بما ارتكبوه من مجازر وآثام، وانتهاك للحرمات، ودمّروا السلم الاجتماعي، وأحدثوا شرخاً عميقاً في العلاقة بينهم وبين شركائهم في الوطن، ولم يتورّعوا عن استخدام كافّة الأسلحة بما فيها المحرّمة دوليّاً لقمع معارضيهم المتهمين بالعمالة والخيانة.

ولم يتورّعوا عن تهجير سكان القرى السنيّة المتاخمة لقراهم، وإيقاع الأذى بهم وبممتلكاتهم، تنفيذا لمخطّط مذهبي عرقي يهدف في النهاية إلى إقامة دولة طائفيّة.

وكان آل الأسد قد أعدّوا للأمر عدّته فانتهزوا الظروف الدوليّة وضعف المنظومة العربيّة وتفككها، فتحالفوا مع إيران ليتمتعوا بحماية "الولي الفقيه" وسلطته الروحيّة على الشيعة في العالم، ويحظوا بتأييد أتباعه، رغم أنّهم أقليّة ضئيلة تسبح في بحر من السنّة العرب. 

ولا ينسحب هذ الكلام على جميع العلويين فلقد عرفت سوريّة خلال تاريخها الطويل رجالاً لم يلوثهم المال والطمع وحب الانتقام، وآخرين لم يكونوا راضين عمّا يجري في سوريّة من ممارسات خلال حقبة آل الأسد، فانضمّوا إلى المعارضة الوطنيّة على قلّة عددهم.

وأصدرت رابطة تنسيقيات ووجهاء العلويين في الساحل السوري في 9/12/2011 بيانا رفضت فيه تحميل الطائفة العلوية وزر الأعمال الوحشية التي يرتكبها النظام السوري ضد المتظاهرين، مؤكدة أن الطائفة «ليس لديها مرجعيات كي تفتي بدعم النظام أو تشكل رافعة تأييدية له»، ومبينة «حيثيات نشوء ظاهرة الشبيحة وارتباطها بشخصيات تنتمي إلى عائلة الأسد وليس إلى الطائفة العلوية».

وكان النصيريون قد خرجوا بعد الاستقلال من قوقعاتهم العشائرية، وانخرطوا في الأحزاب العلمانيّة، وتبنوا إشتراكيّة مشوّهة تمتد جزورها إلى القرامطة، فلمّا عظمت شوكتهم اخافوا السبيل، وسعوا لتوسيع دائرة المشتركات مع الشيعة، وخاصّة في مسألة الغلو التي عادة ما تكون مصاحبة وملازمة للنصيريين.

وكان النصيريّة في الماضي يقتلون السنّة بالتتار، ثم بالصليبيين، ثم بالفرنسيين، ويستقوون بهم، لأنّهم أضعف من ارتكاب هذه الجرائم وحدهم، وها هم اليوم يستعينون على قتلهم بشيعة إيران، ومفرزتها الأماميّة "حزب الله".

والقاعدة عندهم في دم الناصبي (السني) كما ينقلون عن أبي عبد الله: ما تقول في الناصبي؟ قال: حلال الدم لكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطا أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل.

قلت: فما ترى في ماله ؟

قال خذه ما قدرت .

أمّا القاعدة عندهم في مال الناصبي (السني) كما ينقلون عن أبي عبد الله، قال: خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس.

فهل يحق لنا أن نلوم المليشيات الصفويّة الدموية على سفك دمائنا، وسلب أموالنا، ما دامت تلك عقيدة القوم المجمع عليها؟

ألم يبدع حسن نصر الله في التحريض المذهبي والطائفي، ويوغل في دماء السوريين تحت دعوى حماية ظهر المقاومة، ودعوة من يريد القتال أن يذهب إلى سوريّة للقتال، احتراما لحياد لبنان، والقول بأنّ سورية لم تعد ساحة ضد نظام سياسي، بل لفرض مشروع إسرائيلي.

ولم يكن شيعة لبنان في هذه الحرب المعلنة ضدّ أهل الشام وحدهم، فلقد انخرط الشيعة في العالم، رجال دين وعلمانيين داخل منظومة الدفاع عن النظام، وشجّعوه على سفك دماء السوريين، ولمّا اجتمع محمد باقر المهري ببشار قال له: "إنه رأى في المنام أن سيف «الإمام علي» ودرعه يحميان عرشه"، وأباح المرجع الشيعي محمد اليعقوبي القتال في سوريا الى جانب قوات الاسد تحت عنوان حماية المقدسات الشيعية، وانتشرت لافتات في العديد من المدن العراقية تحض الشباب العراقيين على التطوع للقتال في سوريا، وأشرف "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الايراني على تمويل حملة التجنيد لمتطوعين من المدن والاحياء الشيعية داخل العراق، وأطلقت حملة تطوع ضخمة في بغداد وست محافظات شيعية للقتال الى جانب كتائب الاسد، وكشفت المصادر أن التعليمات صدرت بإعداد نحو مئة الف مقاتل بينهم عناصر وقيادات من الحركات العسكرية الشيعية، وأبرزها: "جيش المهدي" التابع لمقتدى الصدر، و"حزب الله" العراقي، و"الرساليون"، و"منظمة بدر"، و"جند الامام"، وخلايا عصائب أهل الحق، حتى الحوثيون جاؤوا من اليمن السعيد لقتال النواصب لردّ الجميل للأسد.

ونادى آية الله (أحمد جنتي) من على منبر جامعة طهران أنّ "على الشيعة العرب أن يبادروا لدخول سورية للجهاد بجوار النظام السوري، حتى لا تقع سورية بيد أعداء أهل البيت"..

وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن مسألة انخراط شيعة العراق في الحرب الدائرة بسوريا كانت محاطة بسرية حتى وقت قريب، غير أن الدلائل التي ظهرت مؤخرًا كشفت حقيقة قتال العراقيين الشيعة بجانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد".

وبدلاً من أن تطفئ إيران نيران الفتنة، شجّعت الأسد على تصعيد الحرب، وإعداد جيش شعبي لحماية نظامه المنهار، وسعت لتأسيس موطئ قدم لهما في الساحل السوري، ورضيت أن تضع ثقلها في خدمة الظالمين، وحراسة الفاسدين.

وهكذا شكّلت القضيّة السوريّة تحدياً أخلاقيّاً للمرجعيّة الشيعيّة منذ بداية الثورة، فخسرت إيران سمعتها في الأوساط الشعبيّة، وتوقف المد الشيعي الذي كانت تسربه من خلال دعاتها، وأضرّ بصورة حزب الله في لبنان الذي ادّعى المقاومة والوقوف إلى جانب المظلومين قبل انخراطه في قمع الثورة وقتل السوريين.

ودمّر سمعة حزب الدعوة في العراق الذي فقد مصداقيّته بسبب دعمه المادي والمعنوي لنظام الديكتاتور، وإحجامه عن اتخاذ أيّة خطوة لوقف رحلات الطيران الإيراني عبر أجواء العراق،  أو تفتيش طائرات الشحن الايرانية المحمّلة بالمعدات العسكريّة، والمتجهة إلي الأراضي السوريّة لقتل السوريين وتدمير بيوتهم.

ورغم أنّ قادة المعارضة لم يوفّروا أيّة مناسبة للتأكيد على أن معركة الثوار في سوريّة هي ضد النظام وليست ضد طوائف العلويين أو الشيعة، فإنّ أحداً من الشيعة والنصيريين لم يلتفت إليهم.

ولم تنفع تأكيدات المعارضة السوريّة بكل فصائلها، وفي كلّ مناسبة، أنّ مصالح الأقليات مصانة، ولا مبرّر لتخوفها من الأكثريّة السنيّة، أو الهجرة من البلاد بعد الأسد، لأنّ الشحن العاطفي والتعصّب الطائفي المدعوم من طهران أفقد العقول صوابها.

وأنّ تضخيم مخاوف الأقليّة النصيريّة من القادم، أو استغلال خصوصيتها المذهبية من قبل الجهات الطامعة لا يخدم سوى مخطّطات التفتيت والتقسيم.

ويبقى سؤال يتردّد إلى أبد الدهر لماذا أعلن الشيعة الحرب على أهل الشام بهذه الشراسة؟ وهل العالم غبي إلى هذه الدرجة حتى يصدّق أن قتل الشعب السوري بهذه الكيفيّة وتدمير المدن والبلدات لحماية ظهر المقاومة؟ ومن يصدّق رواية الممانعة والحديث عن حماية المراقد والعتبات؟

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم    وما هو عنها الحديث المرجّم

  متى تبعثوها تبعثوها ذميمة    وتضر اذا ضريتموها فتضرم