إشراقة
د . فوّاز القاسم / سوريا
(( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم ، وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) صدق الله العظيم
ومن إيحاءات هاتين الآيتين المباركتين على الثورة السورية المباركة أقول :
1. أرادها البشر مظاهرات سلميّة ، ولو استجاب الطاغوت وأجرى بعض الإصلاحات الشكلية لقضي الأمر وانتهت المسألة ، ولكنّ الله أراد شيئاً آخر ... أرادها أن تكون فرقاناً فاصلاً بين الحق والباطل ، وأرادها أن تكون ملحمة خالدة تكسر ظهر الشرّ ، وتقطع رأس الأفعى ، وتغيّر وجه التاريخ ...
وفرق شاسع بين ما أراده البشر للثورة السورية ، وبين ما أراده ربّ البشر
(( وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم , ويريد الله أن يحق الحق بكلماتهويقطع دابر الكافرين . ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون )) الأنفال .
2. وأراد البشر أن يتدخّل العرب والمسلمون منذ اللحظة الأولى ، فيجيّشوا الجيوش ، ويرسلوا الطائرات ، ويحشدوا الدبابات والمدرّعات ، ليسقطوا الطاغية في أسرع وقت ممكن ...
ولكنّ الله أرادها ملحمة ( سوريّة ) خالصة ، ليمتحن صبر السوريين ، ويستخرج مكنونات نفوسهم ، ويفجّر المذخور من طاقاتهم ، ويرفع إلى العلياء مقاماتهم ، ويهيئهم لما ينتظرهم من عظائم الأمور ، وجليل المهمات ، في قيادة الأمة ، ورفع رايتها ، وترشيد العصر ، وتغيير وجه التاريخ ...
ولو تدخّل العرب والمسلمون وحسموا المعركة في وقت مبكّر ، لما تألقت بطولات السوريين ، ولما عرفنا حقيقة أبطال درعا وحمص وريف دمشق وحلب وإدلب والساحل والرقة ودير الزور وحماة ، وغيرهم من أبطال سوريا العظماء ، الذين بهروا العالم ببطولاتهم ، ودوّخوا الدنيا بتضحياتهم ، وصاروا نموذجاً وقدوة في البشرية كلّها لطلاب المجد ، وعشّاق الحريّة ...
(( كنتم خير أمّة أُخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، وتؤمنون بالله ))آل عمران
3. وأراد البشر أن يتدخّل المجتمع الدولي منذ اللحظات الأولى ، ويرسل طائراته وبوارجه الحربية ، لتدكّ معاقل الطغيان ، وتنهي حكم العائلة الأسدية الظالمة في أيام معدودات ، كما حدث في ليبيا مؤخراً ، ومن قبل في البوسنة والهرسك ، وذلك حرصاً على المدنيين ، وإشفاقاً على أرواح الأبرياء ، وخوفاً على البنية التحتيّة السورية ....
ولكن الله ( وهو الأغير على أرواح عباده ، وأعراضهم ، وممتلكاتهم ) أرادها أن تكون ملحمة ( إسلامية ) خالصة ، تظهر فيها بطولات ( الإسلاميين السوريين ) ، وتتألق تضحيات وإبداعات ( جبهة النصرة ) و ( أحرار الشام ) و ( صقور الشام ) و ( ألوية التوحيد ) وعشرات ، بل مئات الكتائب والألوية والتشكيلات العسكرية السورية الإسلامية ، التي ضربت أروع ملاحم البطولة ، وسطّرت أعظم آيات المجد، وأيم الله ، فإن بطولاتهم سوف تدرّس مستقبلاً ، في أرقى المعاهد والأكاديميات العسكرية في العالم .
((أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ))
4. وكره البشر أن يتدخّل الفرس والصفويون وجماعة حزب الشيطان لدعم العصابة القرمطيّة ، وذلك حرصاً منهم على سرعة حسم المعركة ، وعدم إطالة عمر العصابة الأسدية ، والضن بأرواح المدنيين ...!!!
ولكنّ الله أراد شيئاً آخر ، هو فوق حسابات البشر ، وأكبر من تحليلهم ، بل أكبر من عقولهم ...
أراد الله ، وهو الأغير على دينه ، والأحرص على أرواح عباده وأعراضهم وممتلكاتهم ، أن تكون ملحمة تاريخيّة فاصلة ، يجتمع فيها الخيرُ كلّه ، ليسحقَ الشرّ كلَّه ...
أراد الله أن يرفع درجات السوريين المؤمنين الموحدين ، وأن يفضح اليهود ، وصنايعهم الصليبيين ، وعملاءهم الفرس المجوس الحاقدين ...
أراد الله لأرض الشام المباركة أن تكون مقبرة للفرس والصفويين والقرامطة والحشّاشين ، فأمرهم أن يعبروا إليها ، من العراق وإيران وجنوب لبنان ، وربما من مناطق أخرى ، حيث ينتظرهم أسود التوحيد ، وعمالقة أهل السنة على أحرّ من الجمر ليسحقوهم ، ويريحوا الأمة من شرّهم وغدرهم ، كما أمر الصليبيين من قبل ، بعبور البحار والمحيطات إلى العراق الحبيب ، حيث كان ينتظرهم هناك أسود التوحيد ، وعمالقة أهل السنة من أبناء الرافدين الغيارى ، الذين دمّروا جيشهم ، الذي يتباهى بأنه أقوى جيش في العالم ، وحطّموا عنجهيّتهم ، ودحروا غزوهم ، وجعلوا العراق مقبرة لعلوجهم ...
ونتحدّى أن يفكّر الأمريكان بتكرار غزوهم مرّة أخرى في التاريخ ... !!!
وفرق هائل _ إذاً _ بين ما أراده البشر للثورة السورية منذ انطلاقتها المباركة ، وبين ما أراده الله ربّ البشر ، وربّ العالمين ، لها ...
وصدق الله القائل :
(( قلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )) يونس
وصدق الله القائل :
((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) البقرة 216