لماذا لا فائدة من الحوار والتفاوض؟!

أحلام النصر

إبان ما تعيشه ثورتنا السورية من محن ومصائب ومصاعب تكاد تطيش بعقل الحليم وتشيب الولدان : تتسلل إلينا أفكار شتى يروم كل واحد منا أن يصل إلى حل من ورائها : يحقن الدماء ويخفف المعاناة ويردم شيئاً من المأساة ، وهذا في حد ذاته أمر مطلوب من كل شخص فكلنا في موقع المسؤولية تجاه الثورة والشعب ، ولكن هذا سلاح ذو حدين ! .. إذ السؤال الذي يطرح نفسه : هل كل الأفكار مفيدة ؟ أم أن بعضها قاتل وله نتائج مريعة أكثر مما نعانيه الآن ؟؟ وأعني بذلك المنادين بالحوار مع الجزار والتفاوض مع المجرم ، مسوّغين ذلك بحرصهم على الشعب ورغبة في التخفيف من معاناته .

ينبغي أن نتفق على أمر مهم ؛ وهو أن الأطراف المتحاورة في أي أمر كبر أم صغر : لا بد أن تنطلق من أسس مشتركة بين الطرفين ، ويقوم الحوار بناء عليها حتى يُتوصَّل إلى اتفاق ، فإن لم توجد تلك الأسس المشتركة : التزم الطرفان على الأقل بمعاهدات عادلة لكلا الطرفين ، وبناء عليها يمضيان في الحوار حتى يصلا إلى نتيجة .

طيب لنطبق هذا معاً : أنتم لمَ تريدون الحوار ؟ ( ما هي غايتكم من هذا ) ؟؟

لن أفعل مثل البعض وأدعي أن المطالبين بالحوار يسعون إلى المصالح الذاتية في أن يستلموا الحكم – مع أن هذا وارد خاصة وأن بعض المعارضين الخارجيين عليهم إشارات استفهام ويحاولون استغلال المعاناة لصالحهم ! - ، بل سأقول إنهم يريدون الحوار حقناً لدماء الناس – بالذات المعذَّبون من الناس فهم وحدهم من يستحق الاهتمام - ..

إذاً تريدون وقف المعاناة ؟ شيء جميل جدّاً وإنساني للغاية ، ولكن السؤال المهم : هل النظام يشترك معكم في هذا المبدأ ؟؟؟ هل النظام سيقبل بالحوار من أجل تحقيق هذه الغاية النبيلة ؟؟ أبداً ! فعلى أي أساس سنعتمد معه في الحوار ؟؟ هذا الحوار : على أي أساس سيقوم ؟؟؟!!!!!! خاصة وقد تمت تجربة النظام كثيراً مع أنه ليس أهلاً للتجربة ! وأثبت مع ذلك أنه نظام غدار ! ومن جرب المجرب فأنتم تعرفون ماذا يكون ! ..

لو كان النظام يهتم بدماء الناس وحقوقهم وأعراضهم : لما قتل وقصف واعتقل ودمر واغتصب واقترف كل تلك الجرائم التي اندهشت منها الشياطين ! بل لما وصلنا معه إلى هنا ! بل لما اضطُررنا إلى أن نثور عليه أصلاً ! فالنظام الذي يهتم بالناس : نظام صالح لا ينبغي أن نثور عليه ! .. ما رأيكم بنظام بشار يا شطار ؟؟؟؟

إنما غاية النظام من الحوار والتفاوض : أن يحقق ما يريده هو لا ما نريده نحن ! .. يريد أن يكسر رؤوسنا وأن يعيدنا إلى طاعته والعبودية له دون أن يحرك ساكناً أو يغير شيئاً !!! ... إذاً غايته هي (عكس) غايتنا تماماً !!! .. فليت شعري هل تقبلون بذلك ؟؟ وإن قبلتم : فلمَ ثرتم من الأساس ؟؟ هو كان ظالماً مجنوناً منذ اللحظة الأولى ! فهل ثرنا فقط من أجل أن تموت آلاف مؤلفة من الناس وينزح آخرون ويفقد الناسُ بيوتَهم والشبابُ مستقبلَهم وتعاني بعض الفتيات الطاهرات الوبيلَ من الأذى ؟؟؟؟ إنما تحملنا كل هذا وذاك من أجل أن نحقق ما نريد ! ، وتحقيق الشيء لا يكون بانتهاج أمور تبعد بنا عن الغاية المنشودة ! .. إن النظام الآن الآن يقصف ويقتل ويدمر !!! .. إنه يتسلى بذلك !!! .

وأكثر الأمور طرافة أن بعض الناس كي يدعم هذا الحل يستشهد بصلح الحديبية وأنه قام لحقن الدماء !!! وكأن المطلوب من هؤلاء أن يطرحوا رأيهم ثم يأتوا بأية قصة من التأريخ ويلصقوها لصقاً ويخبطوها خبط عشواء ناسبت أم لم تناسب !! .. يا سادة ! .. قصة صلح الحديبية نفسها تنسف رأيكم نسفاً !!!! .. عودوا إلى الحادثة وتأملوا فيها ! ..

هل نسيتم أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه بيعة الرضوان وأن يقاتلوا (دون أن يفروا) لمجرد أنه سمع إشاعة تفيد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد أن أرسله ليخبر المشركين أن المسلمين لم يأتوا لقتال ؟ هل نسيتم ؟؟؟ من أجل (شخص واحد وحيد) تمت البيعة على القتال ! ، فلما تبيّن كذب الشائعة ورأى الصحابة عثمانَ رضي الله عنه حيّاً يُرزق : هنا اختلف الوضع ! ..

وأنتم تريدون أن نتفاوض مع النظام الغدار الكاذب بعد أن قتل آلافاً مؤلفة ؟؟؟

طيب .. نقطة ثانية : كان من بنود الصلح أن يعود المسلمون في ذلك العام على أن يأتوا إلى مكة المكرمة في العام التالي ! ، ومع ذلك حزن المسلمون لما ظنوا أن في ذلك إعطاء للدنيَّة في دينهم ! ، ونحن نتفاوض مع النظام على ماذا ؟؟ على أن يحقق ما يريد أو يقسّم سوريا مقابل أن يكذب علينا بأنه سيتوقف عن القتل والقصف ونتفاجأ بغدره بعد دقيقة واحدة !!!! ..

نقطة ثالثة : كان من نصوص المعاهدة أن من أراد الدخول في حلف محمد صلى الله عليه وسلم فليدخل ، ومن أراد الدخول في حلف قريش فليفعل .. وقد دخلت بنو بكر في حلف قريش وبنو خزاعة في حلف النبي صلى الله عليه وسلم .

أنتم أكملوا ماذا حدث !! .. لقد اعتدت قبيلة بني بكر (المشركة) –وبمساعدة من كفار قريش - على قبيلة بني خزاعة (المشركة) أيضاً ، فهب نبي (الإسلام) صلى الله عليه وسلم لينتصف للذين دخلوا في عهده معلناً (انتهاء الصلح) بسبب وقوع (غدر) ولو كان معاهدوه (كفاراً مشركين يعبدون الأصنام) !!!!!!!!!!!! ..

ما شاء الله على قياسكم الفاسد يا من تريدون الحوار مع النظام !!!! .. وتستشهدون بهذه الحادثة التي تقف ضدكم ! .. بعد آلاف مؤلفة قتلها نظام غدار يغدر بنا وبكم لا بحلفائنا تريدون الحوار ؟؟؟ بينما صلح الحديبية كان من أجل ألا تراق الدماء وقد نُقض عندما أُريقت مع أن الضحايا لم يكونوا من المسلمين !!! ولم يقم هذا الصلح الذي تستشهدون به : بعد أن غارت البحار من غزارة دم الشهداء !!!! ..

والله ثم والله : لو كان هناك نتيجة لكان الموضوع جديراً بالتفكير !! .. ولكن كيف وبأي منطق ؟؟

كلنا نعلم ماذا يريد النظام بل وماذا يريد من وراءه سواء أمريكا الإرهابية أو اليهود الملاعين أو أوربا النجسة أو إيران المجوسية أو روسيا السفاحة .. هل أنتم مستعدون للتنازل ؟ ستكون حماقة كبيرة ! .. لأن المرء يتنازل من أجل أن يحفظ دمه وبيته ووطنه ، ولا يتنازل بعد أن يفقد كل هذا !!! .. سيكون تنازله هنا لوجه الشيطان لا غير ! .. عدا عن هؤلاء المجرمين جميعاً سيزدادون إجراماً وتغوُّلاً وتوحشاً : فمن استكان لهم مرة لن يجد حرجاً في أن يُبقي رأسه تحت أحذيتهم العمرَ كله ! ..

يا إخوتي المستضعفين المعذبين : أرجوكم لا تصغوا لمن يريد خداعكم ، لا تصغوا لمن يريد منكم أن تموتوا مليار مرة فقط من أجل أن يقول للعالم : انظروا نحن شعب لطيف ! بينما هذا العالم لا يبالي بنا ولا يكترث لأمرنا بل ويساعد المجرمين علينا ! ..

لا تبالوا بمن يخوفكم ويقول لكم : أنتم هكذا ستحاربون العالم !! .. لا تقبلوا بأن تتجاهلوا الحقائق وتدفنوا رؤوسكم في التراب ، وهل نحن سافرنا إلى إيران ؟ أم تنزهنا في روسيا وأوربا ؟؟ أم ذهبنا إلى لبنان وقابلنا حزب الشيطان ؟؟ إنهم هم الذين جاؤوا إلى سوريا !!! وكل من يطأ هذا التراب الطاهر ليؤذي أهلنا فسنقتله ولو قيل عنا إننا نحارب العالم ! .. كل من يريد إيذاءنا فلا بد أن نكفه عنا سواء كان العالم كله أم كان قرية صغيرة ! ..

أم يريدون منا أن نقوم بإجراء إحصائيات للمجرمين مثلاً ؟؟ أوه ! أنت يهودي إذاً لا بأس أن تقتلني فقلبي الصغير لا يتحمل اتهامك لي بأنني إرهابية أحارب العالم !!!! .. أوه ! أنت أمريكي : لا بأس ، معك واسطة تفضل اذبحني ! .. أنت مجوسي ؟! اممم .. لا بد أن أقدّر أنك تقوم بواجب ديني من أجل الحصول على صك الجنة من الخامنئي فتفضل اذبحني ولا تنسَ أن تصرخ : يا هوسين يا هوسين !!!!! ..

أي غباء وتهريج هذا ؟؟!!!! .. هم الذين يحاربوننا فإن جاهدنا ضدهم ورفضنا الحوار معهم ومع طفلهم بشار : صرنا ضد الشعب وصرنا محاربين للعالم ؟؟ الحق ليس على أعدائنا فهم أعداء ، بل على الحمقى الذين لا هم لهم إلا إرضاؤهم !!!! .

النظام لم يقبل بهدنة بسيطة قوامها : ساعات ومدارها : إيقاف إطلاق النار ، فهل عساه يقبل بما هو أكبر من ذلك ؟؟ أنا لو كنتُ مكانه – بمواصفاته الظالمة الشيطانية - فلن أقبل أن أحقق لأناس ما يريدون وأنا أعرف أنهم يعتبرون أنفسهم ضعفاء !!! وأنهم لا يكترثون لكل ما قدموه من دماء وتضحيات بل يرمون بهذا كله عرض الحائط وطوله من أجل أن يحظوا بحياة تعيسة ذليلة أتحكم بها كما أريد وأتسلى بتعذيبهم متى اشتهيت !!!!!! وأنهم على استعداد لتقبيل الأيدي والركوع والسجود من أجل ابتسامة أوربية أو نظرة ازدراء ساخرة أمريكية !! ..

يا إخوتي : لا تقيسوا الآخرين على أنفسكم ولا تتعاملوا مع النظام ومَن وراءه بمنطقكم أنتم !! .. أنتم تريدون تخفيف المعاناة عن الناس وحقن دماء الشعب المظلوم ولكنهم لا يهتمون بهذا ولا يتكلمون فيه إلا من باب السخرية والضحك !! .. أنتم لو تنازل لكم أحد أو أسدى لكم خدمة : فستكافئونه وتقدّمون له في المقابل ما يريد ؛ ذلك لأنكم تنتمون لشعب أصيل شهم ، ولكن أعداءنا ليسوا مثلنا ! .. لن يقدّروا تنازلاتنا بل سينظرون إليها على أنها أمور عادية يقوم بها عبيد أذلاء !!!! .. فهل ترضون هذا لأنفسكم ؟! .. أم أنكم تستكثرون على أنفسكم أن تنتصروا بشكل كبير وكامل بعد كل ما ضحيتم به ؟!! أم لديكم - لا قدَّر الله - شك بأن الله تعالى قادر على نصرنا والانتصاف لآلامنا ؟؟

وليقل العالم ما يريد عن شعبنا ، إنه عالم وقح صفيق ، يستطيع بكل وقاحة أن يتكلم بعد كل معاناتنا ومساعدته هو للمجرم !! .. هل نساوم على مستقبلنا ومستقبل أولادنا بعد كل ما تكبدناه من أجل ماذا ؟؟ من أجل أن يقال إننا شعب طيب ؟؟ يا لها من نتيجة ! .. عدا عن أنهم سيصفوننا بالبلاهة والحماقة لا بالطيبة اطمئنوا !! ..

الحل هو أن نجاهد ونستميت في الجهاد ، وأن نكون يداً واحدة مع المجاهدين دون أن نفرّق بينهم أو نصغي لأعدائنا فأعداؤنا لن يمدحوهم على فكرة ! .. هم والله مَن يقوم بالصواب ، وهم أفهم من أولئك الذين يدّعون العقلانية والسياسة – بينما لم توصلنا سياساتهم الخرقاء البلهاء وعقلانيتهم الكاذبة المزيفة الجبانة الرعديدة إلا إلى الحضيض !! - ، المجاهدون ينظرون للسياسة كما ينظر لها الإسلام – الدين الشامل لكل شيء - : أنها إقامة للعدل وأداء للحقوق : أنت لك حق وأنا لي حق ، أنت ندٌّ لي وأنا ندٌّ لك ، وليس على أنها تنازلات لأعداء ليس لشرههم حد ولا لتقديسهم نتيجة ولا ينفع معهم إلا إيقافهم عند حدهم !!! ..

والله تعالى معنا وناصر أهل الحق ، نعم الله مع أصحاب الحق ولكن على أصحاب الحق أن يكونوا مع أنفسهم ، وأن يؤمنوا بحقهم كامل الإيمان ، الصحابة رضوان الله عليهم لم يرضوا أن يتنازلوا عن ثلث الثمار للمشركين يوم الخندق مع شدة ما كانوا عليه من وضع عصيب ! ، فأتاهم النصر على أيسر وأسهل ما يكون ! .. لماذا ؟ لأن الله تعالى قادر قادر قادر !!! ، ولكنه رب : له أوامر يجب أن تُطاع وتُنفَّذ ! ، وليس من إعداد عدة الجهاد والانتصار أن نتذلل لأعدائنا ، إن التذلل لهم هو إعداد العدة للهزيمة والخسارة والعبودية لمن لا حد لجنونهم ولا حد لإجرامهم ولا منطق لديهم ! .. يا جماعة بالله عليكم : لو امتلك هؤلاء مقوّمات الحوار والتفاوض لما كانوا شياطين !!!! .. هل تصرفاتهم تصرفات أناس يعقلون أو يفهمون ؟ من يملك ذرة فهم لا يتصرف مثلهم ! أفنتحاور مع مجانين ؟؟؟؟

أقول هذا الكلام وأنا مثلكم أعاني ، أقوله وأنا من مواليد التسعينيات .. من هذا الجيل الذي كبر قبل الأوان ، وحمل من الهموم ما تنوء لثقله الجبال وتميد الأرض ، وزخر حاضره بالمآسي وتلوّن مستقبله بالضباب .. مستعدون جميعاً للتضحية وهي واجبة علينا ، نعم .. التضحية للإسلام ، للأمة ، للوطن ، لكرامة شعبنا ومستقبل مشرق لأطفالنا ، ولكن ليس لأهواء فلان وأطماع علان ممن يستغلون الأوضاع الأليمة من أجل الحصول على منصب أو كرسي يضحكون من أجله على الناس ويبيعونهم عواطف مجانية !!! .. وليس لابتسامات أمريكا وأوربا .. أساساً هم أجمل عندما يكشّرون ! ..

لقد ضحينا تضحيات جسيمة ، فلا أقل من نتائج كاملة ! .. لا تنظروا إلى تلك التضحيات باستخفاف ! ؛ إن دماءكم أغلى عند الله تعالى من الكعبة المشرفة نفسها ! فكيف تكون رخيصة عندكم ؟؟؟ ومن أجل مَن ؟؟؟ من أجل أعدائكم !!! ، لن يموت أحد منا ناقص عمر ، ولن يجري معنا إلا ما هو مكتوب ومقدّر ، والله تعالى قادر على نصرنا ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ، ولا يأتي الفجر إلا بعد اشتداد الظلام ، وكذلك النصر : لا يأتي إلا بعد أن تضيق بنا رحاب الأرض وتُسد في وجهنا الأبواب ونهتف جميعاً بقلب محترق : متى نصر الله ؟! .. فيأتينا الجواب واقعاً مشاهَداً : {ألا إن نصرالله قريب} ، والنصر لا يكون إلا عزيزاً ! .. انتبهوا : النصر لا يكون إلا عزيزاً مجيداً مكلَّلاً بالغار ، لا مبتوراً ولا مشوهاً ولا مجلَّلاً بالعار !!! ..