المقاتلون الأجانب في سورية..

بين الواجب الديني والمشروع السياسي الإسلامي

محمد غريبو

مسار برس (خاص)

بعد دخول الثورة السورية عامها الثالث ازدادت أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش الحر وكتائب الثوار، إلا أن مشروع من يسمّون بالـ"المهاجرين" لا يتوقف بالضرورة عند إسقاط نظام بشار الأسد

تناقلت الكثير من وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة أخبارا وتقارير عن تواجد أجنبي بين أفراد الجيش الحر وكتائب الثوار، بل وأشارت بعضها إلى وجود كتائب كاملة من المقاتلين الأجانب يعرفون عادة ضمن الفصائل الجهادية باسم "المهاجرين". وكالة "مسار برس" تحدثت إلى بعض منهم وإلى قادة الكتائب للكشف عن الأسباب التي دفعتهم للقدوم إلى سورية، كما استطلعت آراء بعض السوريين حول تعامل المقاتلين الأجانب مع المدنيين.

بين تهويل النظام والإحصاءات الميدانية

منذ بداية الثورة حرصت وسائل الإعلام الموالية للنظام على إثارة المصطلحات التي من شأنها إثارة قلق الغرب والعالم أجمع، ولعل آخر تصريح من هذا النوع كان  لوزير الإعلام في حكومة الأسد عمران الزعبي الذي صرح أن نسبة المقاتلين الأجانب في البلاد تصل إلى ما يقارب الـ80 بالمئة.

إلا أن كافة الدراسات ذات الصلة تشير إلى أن نسبتهم ضئيلة جدا، وطبقا لتقديرات "المركز الدولي لدراسة التطرف" فإن الحد الأقصى لإجمالي عدد المقاتلين الأجانب على امتداد عمر الثورة السورية هو 5500 مقاتل، في حين أن الحد الأدنى لحجم قوات المعارضة هو 60 ألف مقاتل، وهذا يعني وبحسب المركز أن المقاتلين الأجانب يشكلون أقل من 10 بالمئة من إجمالي مقاتلي المعارضة، بحسب المركز.

وفي هذا الصدد أكّد أحد مسؤولي "حركة أحرار الشام" لوكالة "مسار برس" أن عدد المقاتلين الأجانب في صفوف الحركة "قليل جدا"، موضحا أن من أهم المقاتلين الذين قاتلوا في صفوف الحركة هو العقيد الإماراتي محمد العبدولي الذي شارك إلى جانب الحركة وساندها بخبراته العسكرية.

كما يوضح أبو الفاروق قائد إحدى الكتائب في ريف دمشق أن نسبة المقاتلين الأجانب في دمشق وريفها لا يتجاوز الـ5 بالمئة من مجموع المقاتلين في جبهة دمشق، وأن الانتصارات التي تتحقق على الساحة "لا يمكن للأجنبي تحقيقها لعدم معرفته بالأرض" على حد تعبيره.

 

مهاجرون من أقطار ومناطق شتّى

وتطلق عادة الفصائل المقاتلة ضد النظام مصطلحا خاصا بالمقاتلين غير السوريين وهو "المهاجرون" وخاصة جبهة النصرة والفصائل التي تتبنى الفكر الجهادي.

ويَعتبر أبو حزم الكردي قائد كتيبة "طليعة الحق" في ريف حلب الشرقي أن جبهة النصرة تنفرد من بين الجماعات المقاتلة بتخصيص كتائب خاصة بالـ"مهاجرين" توكل إليها عادة عمليات المؤازرة والدعم ويمتلكون مقرات خاصة بهم معروفة في شمال حلب.

وتتوزع جنسيات المقاتلين على عدة دول عربية وغربية، ويتحدث أبو حزم الكردي عن ذلك موضحا أن السعوديين والمصريين والمغاربة يحتلون المرتبة الأولى من حيث العدد بين المقاتلين العرب بينما ينحدر معظم المقاتلين الأوروبيين على قلّتهم من أصول مغاربية، وهناك نسبة ضئيلة كذلك من دول الاتحاد السوفييتي السابق وخاصة الشيشان وقرغيزستان.

وتشير كل الشهادات التي حصلت عليها "مسار برس" إلى أن السواد الأعظم من هؤلاء المقاتلين يتواجد في المناطق الشمالية والشرقية من سورية لقربها من الحدود.

 

أسباب إنسانية وأخرى إسلامية جهادية

ويتجنب المقاتلون الأجانب في سورية عادة الاحتكاك مع الإعلام، إلا أن "مسار برس" تمكنت من الحديث إلى بعضهم. ومن بين هؤلاء عبد الرحمن الزليتني (نسبة إلى مدينة زليتـن في ليبيا)، حيث يقاتل مع مجموعة من المقاتلين السوريين والعرب في "لواء الأمة" الذي أسس في معرة النعمان بإدلب.

ويكشف عبد الرحمن عن وجود جنسيات أخرى من المقاتلين معه في اللواء، بينهم مصريون وتونسيون، تختلف الدوافع التي جاءت بهم إلى سورية بين أسباب إنسانية وأخرى إسلامية جهادية. وحول الأسباب التي دفعته للقدوم يقول الزليتني: "نحن هنا للدفاع عن الإخوة السوريين الذين ذاقوا من الظلم أكثر مما ذاقه الشعب الليبي من نظام القذافي".

ويلخص أحد المسؤولين البارزين في "حركة أحرار الشام" الأسباب التي دفعت العقيد الإماراتي محمد العبدولي للقدوم إلى سورية بـ"الخذلان العالمي والعربي أمام ما يتعرض له السوريين فمجيئه كان لنصرة الشعب السوري وطلبا للشهادة التي نالها" على حد تعبيره.

ولا تخلو هذه الأسباب من بعض الدوافع المذهبية، فحينما التقينا بـ"أبي حذيفة اللبناني" أكد لنا أن وجوده "رد على تدخلات حزب الله اللبناني الطائفية في المنطقة".

وتبقى الدوافع الإسلامية التي تتمثل بإقامة "دولة الخلافة" من أهم الأسباب كما يقول أبو حزم الكردي وهو أحد المقاتلين العراقيين، فـ"مشروعه لا يتوقف عند إسقاط بشار الأسد ولكنه يمتد إلى إقامة الدولة الإسلامية".

وقد تميّز معظم المقاتلين الأجانب الذين التقيناهم بدرجة عالية من الثقافة والعلم فهم أصحاب كفاءات علمية في مجملهم. يقول عبد الرحمن الزليتني (بكالوريوس في هندسة الشبكات):"إن أغلب الشباب الموجودين معي هم من الجامعيين، فقد جاؤوا وهم يحملون قناعة تامة بما يقومون به لأنهم مثقفون وجلهم من الملتزمين دينيا".

وقد حدثنا عن اختصاصات بعض المقاتلين العرب الذين قدموا معه: "حذيفة المصري تخرج من كلية الهندسة مختص بهندسة الألغام وقد درس العلم الشرعي على يد بعض علماء الأزهر الشريف في مصر".

ويذكر أبو حزم الكردي أمثلة من هؤلاء الذين يصفهم بالمثقفين الذين يحملون شهادات جامعية في  الشريعة وغيرها: "أبو بكر المصري ماجستير في علم الطاقة، وأبو عبد الرحمن المصري مدرّس في مصر، وأبو معاذ السعودي ماجستير في الفكر السياسي".

 

علاقة ودّية مشوبة بالحذر

وحول تعامل المقاتلين الأجانب في سورية مع المدنيين سألنا أحد أبناء الطائفة الإسماعيلية أبو أسعد من مدينة السلمية حول معاملة الأجانب لهم، ولم يتردد الرجل في القول أن بعض هؤلاء المقاتلين "لا يخفون كرههم للطائفة باعتبارها فرقة ضالة برأيهم"، كما أن هناك بالمقابل من "لم نر منهم إلا كل خير كأبي محمد التونسي" يقول أبو أسعد.

ويعتبر أبو أسعد أن من الخطأ أن يتولى "الغرباء" قيادة الألوية والكتائب لجهلهم بـ"الخصوصية السورية التي تؤدي إلى نفور بعض الناس منهم" على حد تعبيره.

ويثني أبو حزم الكردي على تعامل "المهاجرين" مع الشعب السوري، فالمهاجرون يتميزون برأيه باللطف والطيبة وهم "يتركون وراءهم دائما أثرا طيبا"، كما أنه يرى أنهم في المجمل يتصفون بالأمانة والتودد إلى الشعب وبـ"الخطب المؤثرة التي تحرك الناس وتشجعهم على القتال والانضمام إلى صفوف المقاتلين".

وأخيرا.. يبقى السؤال الأهم: هل سيلقي المقاتلون الأجانب سلاحهم بعد سقوط الأسد؟ وهل هم مستعدون للعودة إلى بلدانهم؟ هذا ما لم يجبنا عليه أحد منهم بوضوح. وتبقى هذه المسألة بالنسبة لكثير من السوريين أمرا مستبعدا، فهؤلاء قد قدموا إلى سورية لأسباب "عقائدية وفكرية بعد أن بذلوا أرواحهم للجهاد" يقول أبو أسعد، معتبرا أن بقاءهم في سورية بعد سقوط الأسد سيكون "مصدرا للتوتر".