الوزير الجديد.. وغضبة الحظيرة !

الوزير الجديد.. وغضبة الحظيرة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

ما كاد اسم وزير الثقافة الجديد يعلن على الناس حتى سارعت عناصر الحظيرة الثقافية بشن حملة ضروس على الوزير الجديد ، منددة باختياره ، متهمة إياه بأنه جاء لما يسمى بأخونة الوزارة ، وأن من يسمون بالمثقفين سيتصدون له ليحولوا بينه وبين الوزارة مهما كلفهم ذلك!

لا أعرف وزير الثقافة الجديد ، ولم أقرأ اسمه من قبل على مقال أو كتاب ، ولم أعلم له نشاطا ضمن الحظيرة مثل من سبقوه من وزراء الثقافة ، ولذا فقد تصورت أن الرجل جاء ليقضي فترة قصيرة ثم يمضي بهدوء ، وفي هذه الفترة يتم تشكيل مجلس النواب الجديد ، ويرى الناس بعدها حكومة سياسية يشكلها حزب الأغلبية ومن يأتلف معه ، وعندئذ يستطيع الوزير السياسي المنتظر أن يحرك الوزارة وفقا لمقتضيات الدستور والقانون ، وينهي عصر الهيمنة اليسارية الذي استمر نحو ستين عاما على وزارة مهمة من وزارات الدولة ، تحقق فيها تغريب الثقافة القومية ومحاربة الثقافة الإسلامية ، وإبعاد المثقفين الأصلاء والجادين عن المشاركة في الأنشطة الثقافية العامة ، وقصر المشاركة على الشيوعيين والناصريين والليبراليين ومن تبعهم من الانتهازيين .

الوزير الجديد واسمه علاء عبد العزيز السيد عبد الفتاح من أصغر الوزراء الجدد سنا (51 سنة ، ويأتي بعد وزير الاستثمار 36 سنة ) ، ويحمل درجة الدكتوراه في فنون السينما عام 2008 ، وقبلها ماجستير في فلسفة الفنون من المعهد العالي للسينما 2002 ، ويعمل مدرسا  بهذا المعهد ، وقد عمل من قبل ( مونتير سينمائي ) ومخرجا منفذا في بعض الأفلام القصيرة . وإلى جانب ذلك ؛ فهو ناقد سينمائي وعضو جمعية نقاد السينما المصريين، وله عدة مؤلفات وكتابات فنية وسياسية صدرت في مصر والدول العربية في المجال السينمائي أبرزها، الفيلم بين اللغة والنص ،وما بعد الحداثة والسينما. وقد شارك مع فريق البحث الذي عمل على إنجاز موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية بإشراف الدكتور عبد الوهاب المسيري.

 هذه المعلومات عن الوزير الجديد نُشرت مع أدائه اليمين الدستورية أمام الرئيس ، وسبق النشر حملة عاصفة تكفّلت بنشرها صحف ومواقع موالية للنظام الفاسد البائد . بدأت الحملة بالترويج لأشخاص من الحظيرة بزعم أنهم مرشحون لتولي الوزارة ، منهم من تولى مناصب ثقافية وأفسد فيها ، ومنهم من يريد الوظيفة ليشدد النكير على الإسلام والمسلمين ، ومنهم من يتصور أن الوزارة حق لليسار وحده لا ينازعه فيه أحد ، وخاصة من ينتمون إلى الإسلام أو يتعاطفون معه .

وقد وقع خبر اختيار الوزير الجديد كما تقول الصحف الموالية للنظام السابق الفاسد على مجموعة من المثقفين ( مثقفي الحظيرة بالطبع !) بالتعجب والاندهاش ، فقد أكدوا أن اسمه نادر الترديد (00) داخل الوسط الثقافي، وخبرته الإدارية غير معروفة، وهو ما أثار حفيظتهم نظرا لإطلاعهم على كتاباته المستمرة بجريدة الحرية والعدالة (؟!) وهذا في - رأيهم - سبب كاف لرفض المثقفين ( يتحدثون باسم آلاف المثقفين وهم بضع عشرات ) توليه حقيبة الوزارة، ومعرفتهم بأنه كان بحملة الرئيس مرسى وقت الانتخابات الرئاسية، وكتابته أيضا ببعض الصحف الأخرى التي يؤيد فيها مشروع النهضة ومطالبته بإزالة التماثيل من الميادين والشوارع ( لم أقرأ له من قبل وبالتالي لم أسمع عن دعوته المزعومة لإزالة التماثيل ) ، فضلا عن تفاصيل أخرى رفضوا الإفصاح عنها.

ولا أدري سببا مقنعا يدفع هؤلاء الحظائريين للاعتراض أو القبول في مجال تعيين الوزراء ، وهم الذين يعارضون الرئيس ويعادون الإسلام ويرفضون الثقافة الإسلامية .

لقد سألت أكثر من شخص ، وسألني أكثر من صديق عن الوزير الجديد . وكانت الإجابة بالنفي مما يعني أن اتهامه من جانب الحظائريين بالدعوة لهدم التماثيل غير صحيح ، لأنه لو كان صحيحا لاشتعلت الدنيا وعرف القاصي والداني شخصية الرجل وما يتعلق به ، فالاتهام غير صحيح ويقصد به الدعاية والتشهير ومحاربة الرجل قبل أن يعمل .

لقد حمل الحظائريون الذين وقعوا البيان على رئيس الوزراء واتهموه بالفشل الفاضح فى إدارة مؤسسات الدولة، وبالتخبط والعجز عن اختيار وزراء مناسبين لتولى المسئولية ، وهاجموا النظام القائم ، ووصموه بالفساد وإجهاض مطالب الثورة ووأد أحلامها وطموحاتها، وممارَسَة سياسات الاقتراض والتجويع والتخوين والعبث بمقدرات الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير التي بذل فيها جموع المصريين كل غالٍ ونفيس. فضلا عن اتهامه بأخونة الدولة فى كافة المواقع!

المفارقة أن ما قاله الحظائريون تضمن سخرية من وظيفة الوزير في معهد السينما واستهانة به ؛ فقد وصفوه أنه مجرد مدرس ، ونسي الحظائريون أن بعضهم كان  مدرسا ابتدائيا فاشلا لا يحسن الإملاء ولا يجيد النحو ، وتسلق على أذيال السلطة الغشوم ليتصدر المشهد الثقافي ، وبعضهم شبه أمي دخل المجال الثقافي بالذراع .!

ولم يكتف هؤلاء الحظائريون بما أعلنوه ونشرته لهم الصحف الموالية لنظام المخلوع ؛ فقد أعلنوا أنهم قرروا  تنظيم وقفة احتجاجية فى الحادية عشرة صباح الأربعاء اليوم التالي لحلف اليمين ، أمام مقر الوزارة ، ضد  الوزير الجديد، للتنديد بتعيينه وزيرا للثقافة.

هذه الحملة الهستيرية التي رافقت الإعلان عن اسم الوزير الجديد ، بعد فشل ترشيحاتهم والدعاية للموالين للحظيرة ، تشير إلى واحد من أمرين : الأول ابتزاز الوزير الجديد كي ينفذ مطالبهم غير المشروعة ويٌبقي على امتيازاتهم الحرام ، والآخر أن يترك الوزارة ويولي الأدبار لأنهم سيقفون في طريقه ويمنعونه من التعامل مع الفساد المتجذر في أرجائها ! وكلا الأمرين يعود عليهم بالنفع ويجعلهم يستمتعون بغنائم الوزارة وأموالها ؛ ثم يمرحون ويرتعون على مقاهي وسط البلد وحاناتها !

لا أعلم هل يستطيع الوزير أن يواجه الحظيرة التي تكاثرت وتربت ونمت وسمنت وبشمت من المال الحرام الذي سلبته من عرق المصريين الكادحين البائسين ؟

هل يقدر الوزير في الفترة القليلة التي سيقضيها في الوزارة على بؤر العفن الحظائري والقطاعات التي تستنزف أموالا ونشاطات احتفالية لا عائد من ورائها ؟ اللهم إن كان مخلصا فأعنْه ويسّر مهمته وانْصُره على خصوم الوطن والإسلام من مثقفي السلطة الفاسدة البائدة .