حول فرص الحل السياسي

بيان من إعلان دمشق إلى الرأي العام

حول فرص الحل السياسي

شهد شهر نيسان المنصرم تصعيداً خطيراً في حرب النظام على الشعب السوري وفي مواجهة ثورته. الجبهات كلها مشتعلة، من دير الزور وحلب وإدلب واللاذقية، إلى حماة وحمص وريف دمشق ودرعا، وعلى وجه الخصوص جبهة القصير الاستراتيجية. يستخدم النظام في تصعيده هذا أسلحة صاروخية حديثة بالإضافة إلى الطيران والبراميل المتفجرة والسكود، وآخرها السلاح الكيميائي الذي استخدمه في أكثر من موقع : (حي البياضة في حمص وخان العسل والعتيبة وداريا وجوبر وسراقب والشيخ مقصود)، غير عابىءٍ بالموقف الدولي وتحذيراته وبخطوطه الحمراء. إنَّ هذا السلوك يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الانسانية.

 مجازر النظام البشعة هي الأخرى تنتقل من مكانٍ إلى آخر، قصفاً بالصواريخ والطيران والمدفعية، أو بالإعدامات الميدانية، كمجزرة "جديدة الفضل" التي راح ضحيتها أكثر من خمسمائة شهيد من المدنيين العُزّل وتل حداد بالقامشلي. إنَّ هذا التصعيد في عنف النظام، يشير بشكل أكيد إلى ضيق الخيارات العسكرية أمامه وعجزه عن وقف تقدم الثوار على كل جبهات القتال. ولم يُحرز أي نجاح استراتيجي يمكن له أن يُحول اتجاه المعارك لصالحه، على العكس مما تدّعي وسائل إعلامه.

 يبدو أنَّ المعادلات الدولية حول سوريا، بدأت تشير إلى تبدلات، وإنّ كانت غير واضحة المعالم، لا تصبُّ في مصلحة النظام. ربما يغادر المجتمع الدولي سياسة التجاهل وغضَّ الطرف تجاه جرائمه بحق الشعب السوري خلال السنتين الماضيتين. إنّ استراتيجية النظام الجديدة، تحاول مواجهة تلك التبدلات بإحراز انتصارات على الأرض، لكن دون جدوى حتى الآن.

 الثوار يتقدمون على الارض، وإرادة الشعب السوري لن تقهر.. فتطلعاته نحو الحرية والكرامة راسخة. لذا فالمواجهة إلى ارتفاع تكاد أن تكون اسطورية، أمّا الضلع الثالث في مثلث الحرية السورية، الذي تعبر عنه المعارضة السورية، وعلى وجه الخصوص معارضة المهجر المنحازة للثورة، فإنها مازالت تعاني إرباكاً وضعفاً في الأداء، منعا تثمير جهودها لمصلحة الثورة، لذلك فإنَّ هذه المعاناة تتطلب تجاوزاً سريعاً. إنّها تتركز في نقطتين أساسيتين، بُنيتا على فهم البعض لدور المعارضة ودور المهجر في الثورة السورية، ربما بسبب من القياس على تجارب أخرى من ثورات الربيع العربي.

 أولاهما: أنَّ هذه المعارضة لم تدرك بعد ماهية دورها في الثورة. فالمنطلق هو أن تكون داعمة وممثلة أمينة لها وليست قائدة لها ولا بديلاً مفترضاً للنظام. فالبديل سيقرره الشعب السوري بعد نجاح ثورته وسقوط النظام. لذا فدورها الداعم مازال قاصراً. وكان حريّاً بها أن تتجه بشكل أساسي نحو الدول التي تتلاقى توجهاتها ومصالحها مع توجهات الثورة السورية، ومحاولة كسب تأييدها لصالحها. أمّا المراهنة على الدول الأخرى، فقد بينت التجربة أن الوضع في سوريا مختلف عنه عمّا حدث في ليبيا أو اليمن أو مصر، وهذا يتعلق بالموقع الجيوسياسي لسوريا وبنيتها المجتمعية.

 إنَّ الدول المؤثرة والقادرة على الفعل، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية لا تحركها إلّا مصالحها. فربما كان تحولها مؤجلاً حتى يُنهك الوضع السوري. فالمطلوب من المعارضة، أن تدرك ذلك ولا تراهن على تلك الدول المؤثرة، كذلك مطلوباً منها أن تشرح مأساة الشعب السوري في طول العالم وعرضه، وأن تطلب إنصافه، لأنه يتعرض لأبشع أنواع الظلم والقتل. عليها أيضاً أن تُؤمن الدعم الإغاثي والإنساني للمنكوبين داخل الوطن وخارجه.

 وثانيتهما: أنَّ معارضة المهجر لم تستطع حتى الآن تجاوز صراعاتها وتشتتها، في وقت أصبح فيه مُلحاً أن تُنجز مزيداً من الوحدة والتماسك، وتجاوز حالة الفوضى التي تعانيها. هذه الفوضى كانت موجودة قبل ظهور الائتلاف. يقبع في أساسها رغبة بعضها الذهاب إلى تسوية مع النظام وفقاً لجنيف ( 1 ). لكنها أصبحت شبه مستحيلة، تجاوزها الواقع، بسبب من تصادم مصالح الدول الكبرى بالدرجة الأولى وبسبب من وحشية النظام وإصراره على الحسم العسكري، وبالتالي انتفاء المناخ لأيّة تسوية سياسية. فما يتحدث عنه النظام، حول الحل السياسي، لا يُعدو كونه لعباً في الوقت الضائع. لقد أصاب رأس النظام الحقيقة عندما قال في مقابلته الأخيرة مع قناة الاخبارية السورية: " إنَّ المعركة على الارض هي التي تقرر المخرج من الأزمة وليس أيِّ شيء آخر".

من هنا فإنَّ فرص الحل السياسي قد تلاشت. فلم يعد هناك من مكان لرجل تسوية ووسيط لها، كالإبراهيمي مثلاً .

اليوم وكما بينّا في كتاباتنا السابقة ومواقفنا السياسية إزاء الثورة السورية، تبدو الحاجة ماسّة أكثر من أي وقت مضى إلى توحيد فعاليات الثورة على الارض في هيئات تبدأ من الأدنى إلى الأعلى، وإعطاء العسكريين المحترفين دوراً أساسياً في قيادة الجهد الميداني الذي يعاني من كثرة الكتائب المقاتلة وتشتتها. إنّها بحاجة إلى مرجعية عسكرية واحدة على المستوى السوري بالتوازي مع الجهد السياسي والإغاثي. ذلك أن ظروف حسم الصراع تكاد تنضج سواء على المستوى الداخلي أو على صعيد المجتمع الدولي. فلابدَّ للمعارضة أن تستعد لملاقاة استحقاقاتها وتداعياتها .

عاشت سوريا حرّة وديمقراطية

دمشق في / 1 / 5 / 2013 /

الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي