تصفيات النصر
وليد فارس
تعيش حمص المحاصرة اليوم أيام صعبة للغاية على كافة المستويات الطبية والغذائية والخدمية وغيرها ويطول الحصار حتى يتعدى الثلاثمائة وعشرين يوماً والأحياء خارج الحصار وضعها صعب هي الأخرى فغلاء الأسعار والمعيشة والاعتقالات والحواجز والتهديدات وأبنائهم البعيدين عن البيوت وفي الأرياف أيضاً القصف والنزوح وكافة المشاكل الناتجة عن الحروب والمعروفة اليوم للجميع...بين كل هذا وذاك ينتظر الجميع النصر.
من الجميل أن يفهم الإنسان آيات الكون فيسير وفقها ويماشيها ويسعى للعمل وفق مراحلها ففي النهاية المنطق يقول أن لكل نتيجة أسباب تأخذك إليها, قال الله تعالى لرسوله الكريم " تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ", آيات علينا أن نفهمها ونستوعبها ونعمل وفقها لنصل إلى النتيجة المنشودة.
ولعل التصفية التي تجري اليوم هي إحدى تلك الآيات التي يجب أن نستوعبها فالناس عموماً تمر بمرحلة "فلترة" فهناك ناس تُسلم في مرحلة من المراحل بالأمر الواقع وتقول الأمر فوق طاقتي ولن أستطيع أن أكمل وهناك من لايصبر على فقدان المال أو الولد أو الثمرات التي كانت بين يديه فيتراجع وهناك ناس طاقتها التي شحنت بها ماتوصلها إلى نهاية الطريق المنشود...فالأمر في النهاية هو عبور مراحل وقفز حواجز وتجاوز عقبات وعبور محطات توصلك نحو النهاية...النهاية التي يأتي عندها النصر.
قال الله تعالى "فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(*) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(*) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ."البقرة من 249-251
لقد خرج مع طالوت فئة من طالبي النصر وتخلفت فئة أخرى كانت تسأل الله أن يرسل لهم ملكاً يقاتلون معه فلما أرسله لهم تولا أكثر وخرج مع هذا الملك من يطلب النصر وينشده ويسعى ورائه فمر الناس بمرحلة تصفية أولى ثم
عبر جيش طالوت المرحلة الثانية بأعداد لايعلمها إلا الله(قيل ثمانون ألف) وهي مرحلة عبور النهر الموضحة في الآية حيث أبلغهم أنه عليهم أن لايشربوا من النهر رغم ما أصابهم من عطش إلا أن أكثرهم رضي أن يخرج من جيش طالوت ويخالف أمره بالشرب فالعطش شديد للغاية وقيل أن من شرب من النهر يقاربون الستة وسبعون ألف وأصغى للأمر أربعة ألاف فقط بقيت مع طالوت جاهزة ومستعدة للقتال ساعية وراء النصر تطلبه فلما تجاوز هؤولاء الأربعة ألاف النهر واقتربوا لقتال عدوهم وعرفوا أن عدد عدوهم وعدته كبيرة وكثيرة قالوا لن نستطيع أن نقاتل ولانقدر أن ننتصر فتراجعوا فكانت مرحلة ثالثة من مرحل التصفية بقيت بعدها فئة قليلة ثابتة على الحق واثقة بالنصر ترى أمام أعينها وتدرك أن الأمر لايتعلق بعدد ولا بعدة ولا بقليل ولا بكثير فقالوا "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"
فتعلقت قلوبهم بالأسباب الحقيقة للنصر واستعانوا بالصبر والصلاة على عدوهم فأتى النصر عريضاً واضحاً جلياً فقتل داود رأس العدو وقائده جالوت.
نعم لقد عبرت هذه الفئة القليلة مراحل كثيرة... ووصلت للتصفيات النهائية بطاقة وحماسة الصبر وطلب العون من الله فأتى الصبر من أوسع الأبواب وأعرضها.
المراحل التي مرت علينا كثيرة انهار فيها البعض وتوقف فيها أخرون وتراجع غيرهم ونطق غيرهم بأنه لاطاقة لنا بهذه الحرب...وعلى الجميع أن يدرك أن النصر لايتعلق بالعدد ولابالعدة وعلينا أن نستعين بالصبر والصلاة فهذه سنن الله وآياته وتقاديره في النصر القادم بعد هذا عريضاً واضحاً ناصعاً أبيضاً.
من حمص المحاصرة,