من المسؤول عن التفجيرات في سوريا؟

من المسؤول عن التفجيرات في سوريا؟

حمزة العبد الله

في خضم الأحداث المتداخلة في بلد يشهد مظاهرات مناوئة للنظام منذ ما يزيد عن ثمانية عشر شهراً، تتصدر واجهته مشاهد التفجيرات في أماكن توصف بالحساسة كفروع أمن عسكري وسياسي وغيرها في المحافظات الرئيسية كدمشق وحلب، وبعد سقوط ما يزيد عن ثلاثين ألف شهيداً يجد اليوم السوريين أنفسهم أمام تساؤل كبير مفاده من يقف وراء هذه التفجيرات وإلى ماذا ترمي؟

في نهاية شهر يونيو المنصرم هز تفجير ضخم مبنى الإخبارية السورية، واتهم النظام السوري على الفور المعارضة بتدبير الهجوم الانتحاري، وبعد عدة أيام سارعت وكالة الأنباء السورية (سانا) ومواقع مقربة من النظام بنشر خبر عن إعلان "جبهة النصرة لبلاد الشام" – التي تصف نفسها بأنه أحد أذرعة تنظيم القاعدة - مسؤوليتها عن التفجير.

في تصريح لوزارة الخارجية الروسية بُعيد التفجيرات التي حدثت في شهر يونيو الماضي، والتي هزت منطقة القزاز بدمشق أكدت وقوف القاعدة والمجموعات المتعاونة معها وراء التفجيرين اللذين سقط ضحيتهما ما يزيد عن 55 مواطن، وهو ما يؤيد تصريحات الحكومة السورية وأركان النظام الذي اتهم المعارضة والقاعدة بالتخطيط والتنفيذ لهذه العملية، بينما اتهمت المعارضة في الطرف المقابل النظام بالوقوف وراء هذه التفجيرات في خطوة لإقحام القاعدة في المشهد السوري. وفي ظل تداخل المشاهد والاتهامات المتبادلة ومحاولة النظام السوري لإقحام القاعدة وإبرازها في الواجهة كمسئول عن التفجيرات، فإنه لا بد من النظر في طبيعة المعطيات الميدانية ومواقف الأطراف من المشهد النهائي.

(1)

النظام السوري يتميز بتركيبة أمنية ومخابراتية معقدة ومتشعبة تجعل منه نظام بوليسي أمني بامتياز، حيث تتكون الأجهزة الأمنية السورية من تسعة مكاتب على الأقل، لا يوجد بينها أي تنسيق، وتراقب بعضها البعض وهدفها الرئيسي هو حماية النظام، وترتبط بشكل مباشر مع بشار الأسد، وتنطلق هذه الأجهزة من مكتب الأمن القومي في القيادة القطرية، ورئيسه هشام بختيار وينضوي في عضويته قادة الأجهزة الأمنية، ويخطط السياسة الأمنية للبلاد، والأجهزة الأمنية هي كالتالي: هيئة أركان الجيش للشؤون الأمنية ويرأسها اللواء آصف شوكت، إدارة المخابرات الجوية، ويديرها اللواء جميل حسن، شعبة المخابرات العسكرية ويرأسها اللواء عبد الفتاح قدسية، إدارة أمن الدولة ويقودها اللواء علي مملوك، شعبة الأمن السياسي ويرأسها اللواء محمد ديب زيتون، و إدارة الأمن الجنائي التي يرأسها اللواء أحمد سعيد صالح، إضافة الى جهاز أمن الفرقة الرابعة المكلفة بحماية العاصمة دمشق التي يقودها اللواء ماهر الأسد شقيق بشار الأسد. ولكل جهاز معتقلاته وزنزاناته وغرفه الخاصة للتحقيق، وتسيطر هذه الأجهزة على الأمن بقبضة حديدية وخصوصاً العاصمة دمشق والمدن الرئيسية، مما يستبعد إمكانية اختراقها بهذه السهولة التي حصلت في الآونة الأخيرة.

(2)

نشرت صحيفة” الغارديان” البريطانية في عددها الصادر يوم 7 كانون الأول/ديسمبر 2010 وثيقة من وثائق”ويكيليكس” تتعلق بالنقاشات السرية التي جرت بين مسؤولين سوريين وأميركيين من أجل استئناف التعاون الاستخبارتي بين الطرفين. وبحسب الوثيقة ، وهي برقية صادرة عن السفارة الأميركية بدمشق في 24 شباط/ فبراير الماضي ، فإن اجتماعا عقد في دمشق في 18 من الشهر نفسه بناء على طلب بشار الأسد ترأس الطرف الأميركي فيه منسق مكافحة الإرهاب في الخارجية الأميركية دانيال بنيامين ، والجانب السوري نائب وزير الخارجية فيصل المقداد الذي رافقه مدير إدارة المخابرات العامة اللواء علي مملوك والسفير السوري في واشنطن عماد مصطفى.  وجرى خلال اللقاء عرض الشروط السورية لاستئناف التعاون الأمني بين الطرفين، وبحسب الوثيقة ، فإن مملوك تحدث عن الوضع على الحدود السورية ـ العراقية ، مؤكدا خلال حديثه على أن سوريا كانت أكثر نجاحا من الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب في المنطقة ، لأن سوريا كانت” عملية وليست نظرية” . ودلل على ذلك بأن الاستخبارات السورية اخترقت المجموعات الإرهابية ، مشيرا إلى أن الاستخبارات السورية لا تهاجم هذه المجموعات أو تقتل أفرادها على نحو فوري ، وإنما تتغلغل داخلها إلى حين اللحظة المناسبة للتحرك.  

(3)

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وجه سيلا من الاتهامات لسوريا قبل نحو عامين، مؤكداً أن دمشق تؤوي إرهابيين وبعثيين سابقين من قيادات النظام السابق، متورطين في عمليات إرهابية داخل الأراضي العراقية، ومتهما الحكومة السورية آنذاك بالتورط في دعمهم على إثر تفجيرات حدثت في العاصمة العراقية بغداد، وهدد المالكي آنذاك بتدويل أزمة بلاده مع سوريا ونقلها إلى مجلس الأمن، ورد الأسد في وقتها معتبراً أن هذه الاتهامات لا أخلاقية، بينما عملت تركيا على محاولة تهدئة الوضع والدخول كوسيط بين الطرفين.

(4)

ذكرت صحيفة صاندي تلغراف البريطانية في عددها الصادر يوم 4 شباط/فبراير عن إطلاق سراح مصطفى ست مريم نصار المكنى بـ "أبي مصعب السوري" والمتهم بالتدبير لتفجيرات لندن بعد تسليمه من قبل السلطات الأمريكية التي قبضت عليه في كويتا في باكستان عام 2005، وذكرت الصحيفة أنه تم إطلاق سراحه من معتقله في حلب، وهو ما يعزيه المحللون إلى ردة فعل موجهة إلى الغرب بشكل خاص.

(5)

حاول النظام في أكثر من موضع تخويف الغرب من القاعدة والسلفيين في حال سقوطه وغيابه عن المشهد، من خلال تصريحات رامي مخلوف – ابن خال بشار الأسد، وأحد أهم المسيطرين على الاقتصاد السوري- في مقابلة نشرتها الأربعاء 11 آيار/مايو 2011 صحيفة "نيويورك تايمز" أن النظام السوري لن يستسلم بسهولة و"سيقاتل حتى النهاية". و"لن يكون هناك استقرار في اسرائيل اذا لم يكن هناك استقرار في سوريا" وأضاف مخلوف أن السلفيين هم البديل عن النظام، وفي مقابلة أجرتها صحيفة صاندي تلغراف  البريطانية مع بشار الأسد ونشرت بتاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر 2011، صرح الأسد إن من شأن تدخل الغرب في بلاده ان يحدث زلزالا يحرق منطقة الشرق الاوسط برمتها، وأضاف "إن سورية تعتبر الآن محور المنطقة، انها خط الصدع في الشرق الأوسط، ومن يتلاعب بها سيتسبب في حدوث زلزال. هل تريدون رؤية افغانستان ثانية هنا، او عشرات الافغانستانات؟"ومضى الأسد للقول: "أي مشكلة تقع في سورية ستحرق المنطقة برمتها، واذا كان خطة الغرب تقسيم سورية، فإن ذلك سينسحب على المنطقة كلها."

(6)

مبادرة النظام إلى الاتهام المباشر للقاعدة وتكويناتها بتنفيذ التفجيرات فور وقوعها بدون أي تأخير ليأخذ التحقيق مجراه يدل على حد قول المعارضة والمراقبين على دراية مسبقة للنظام بالتفجيرات، إضافة إلى عرض التلفزيون الرسمي السوري مقابلات مع منفذي العمليات بشكل دائم بُعيد تنفيذها في نفس اليوم أو اليوم الذي يليه يثير تساؤل عن قدرات قوات الأمن السوري والاستخبارات التي تنحصر في تتبع منفذي العمليات ولا ترقى إلى الإجراء الوقائي قبل وقوعها بالرغم من تكررها في أماكن مفصلية وحساسة!!!

(7)

نشوء تنظيمات جديدة في ظل الأزمة السورية لتبني التفجيرات يثير العديد من علامات  الاستفهام، فقد تم الإعلان أواخر عام 2011 عن تنظيم جديد غير معروف مسبقاً تحت مسمى "جبهة النصرة لأهل الشام" والذي تبنى العديد من التفجيرات التي تمت، وهو ما تراه المعارضة محاولة إقناع الرأي العام بالداخل والخارج بأن "القاعدة" وأجهزة استخبارات أجنبية ودولاً إقليمية تقف وراء التفجيرات لترسيخ مصطلح "المؤامرة" الذي يصر عليه النظام في خطابته لتشخيص الأزمة.

(8)

يثير استهداف التفجيرات لأماكن حساسة في مدينتي دمشق وحلب كفروع الأمن العسكري والسياسي وغيرها الاستغراب لدى المراقبين للمشهد، حيث دخول كميات المتفجرات الكبيرة إلى هكذا أماكن مستحيل إلى حد كبير، إضافة إلى الانتشار الأمني الواسع في المدنتين فضلاً عن الأماكن الحساسة فيهما. ويرجع كثير من المحللون تمركز التفجيرات في مدينتي دمشق وحلب اللتان بدأتا بالتحرك مؤخراً وشهدتا مظاهرات متعددة في مناطق متفرقة منهما رسائل تصب في المحصلة بمصلحة النظام بالتحريض على الثوار والحراك الثوري، ورسائل إلى الغرب بأن القاعدة يمكن تحريكها في الوقت المناسب لذلك.

ويخلص القول إلى أنه لا يمكن دخول القاعدة على المشهد السوري الراهن إلا بإذن صريح من قبل النظام السوري، من خلال رسائل يحاول إيصالها إلى القوى الغربية لتخفيف الخناق عليه، خصوصاً مع موجة التصعيد التي بدأت بالمراقبين العسكريين، وامتدت في الأيام الأخيرة لتشمل طرد السفراء، والقادم أكبر بحسب قراءات المحللين والخبراء الاستراتيجيين.