في الذكرى الـ 10 لغزو العراق

في الذكرى الـ 10 لغزو العراق،

الوضع لم يتحسن على عامة العراقيين

رضا سالم الصامت

 تمر اليوم  الذكرى العاشرة لغزو العراق من طرف القوات  الاميركية الى بغداد معلنة انهاء حكم حزب البعث في العراق والذي استمر لاكثر من ثلاثة عقود. ومع دخول العراق حقبة الاحتلال العسكري ، ومن ثم الحكم المدني الامريكي المباشر بعد هذا التاريخ ، انهى الحاكم الامريكي للعراق " بول بريمر" اساسيات الدولة العراقية عبر حله للجيش والشرطة وباقي الاجهزة الامنية اضافة الى وزارة الاعلام ومؤسسات مهمة اخرى في الدولة و قد كانت  الولايات المتحدة الأمريكية و حلافائها تتهم صدام بامتلاك  أسلحة دمار شامل و كان الرئيس الأمريكي بوش الصغير يطلق الأكاذيب من الشعارات الرنانة واعدا الشعب العراقي بالحرية و الديمقراطية و بالتحرير فكانت شعارات زائفة لم تنطلي على المجتمع الدولي الذي خرج الى الشوارع و المدن معارضا حربه على العراق فحتى الأمم المتحدة لم تقتنع بسياسة الأمريكان و حلفائهم تجاه قرارهم لغزو العراق الذي حولوه الى ساحة موت و إذلال و وضعوه على شفير الهاوية .

 بدأ غزو العراق في 20 مارس 2003 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وشاركت فيه دول عديدة (49 دولة) منها بريطانيا..وحتي كوريا الجنوبية واستراليا واطلق علي المعتدين اسم ائتلاف الراغبين الذي تشكل القوات الأمريكية والبريطانية نسبة 98% من جحافله ـ كانت الساعة الخامسة والنصف من صباح ذلك اليوم المشئوم عندما بدأ الهجوم البري والجوي في وقت و احد بعد ثلاثة اسابيع سقطت الحكومة العراقية.وصرح القائد العسكري الأمريكي تومي فرانكس- أول قائد للقوات الأمريكية في العراق- بأنه تم شراء عدد من قيادات الجيش العراقي لتسهيل مهمة قوات الغزو.وسقطت بغداد في 9 ابريل 2003 علي ايدي التتار الجدد..

ففي السنوات العشر الماضية شهدت العراق مسلسلاً من الأحداث الدموية والأزمات المتواصلة فضلاً عن تفشي ظاهرة الفساد غير المسبوق، ما أدى إلى ضياع وهدر المليارات من الدولارات التي ذهبت إلى جيوب المفسدين من العراقيين وغير العراقيين .. أمريكا دخلت العراق من أجل محاربة الارهاب و لكنها هي من أتت بالارهاب بل و صنعته و الآن تمر عشر سنوات على التغيير في هذا البلد العربي الذي حصل فيه فإن وضعه غير جيد وفيه مشاكل كثيرة لا تحصى والقوى العراقية اثبتت أنها غير قادرة على إدارة بلدها بالمستوى المطلوب، وبقي المواطن البسيط هو الذي يعاني تردي الوضع الأمني ومن نقص كبير في الخدمات الأساسية و الحياتية و ان شعب العراق يعاني الأمرين و الوضع الصعب ازداد صعوبة وأن معيشة ابناء و بنات العراق ازداد ترديا او هذا يعود الى مخلفات الحرب اليائسة و البائسة التي ذهب ضحيتها آلاف العراقيين الأبرياء من شهداء سببه هذا الغزو الخارجي وما سببه من تداعيات كثيرة على كل المستويات .وفي الوقت نفسه فإن الكتل العراقية غير منسجمة مع بعضها والسياسيون غير متفقين على برنامج معين يضمن حقوق الجميع ويلقي بالمسؤولية على الجميع . بعد سقوط نظام صدام حسين، و بعد مغادرة الجيش الأمريكي العراق ماذا تغير؟

الحكومة العراقية الحالية أو التي جاءت من قبلها لم تنجح و السبب في ذلك أن الكتل السياسية وضعت مصالحها ضمن أولويات عملها، بينما جعلت هذه الكتل المصلحة العليا للبلد ثانوية . لهذا فإن النظام سواء كان برلمانياً أو رئاسياً لا يفرق في الوضع العراقي الراهن، لأن المشكلة ليست بالنظام بل بقصر نظر الكتل التي تقود البلد اليوم ... العراق اليوم يختلف عن العراق الذي كان قائماً قبل عام 2003 فالنظام السابق كان دكتاتورياً وشمولياً بينما اليوم يعيش العراق في ظل نظام ديمقراطي يحترم الحريات . و لكن لسائل ان يسأل أين الديمقراطية و أين الحريات ؟ فالشعب يخرج الآن في تظاهرات احتجاجية في بعض المحافظات معارضة للحكومة و يعرضون على حكومة المالكي جملة من المطالب المشروعة

ان مرحلة ما بعد السنوات العشر الماضية في حاجة إلى إنتاج جيل وفكر جديدين بالاستفادة من كل تداعيات مرحلة ما بعد التغيير ومن المناخات التي وفرتها حالة التغيير وخاصة التجربة الديمقراطية التي ستشكل خطوات مهمة نحو ترسيخ طبيعة الحكم في البلاد. فالسنوات التي تلت عملية التغيير عاش العراقيون فيها ظروفا صعبة لكن تمكنوا من الخروج منها برغم كل التحديات السياسية والإقليمية وبالتالي الشعب العراقي مهيأ للانتقال إلى مرحلة أكثر تطورا بالاستفادة من تجربة السنوات العشر الماضية لخلق مناخات أكثر انفتاحا وتطورا وهذا سيتجسد في الانتخابات المقبلة التي ستفرز نمطا سياسيا جديدا.وتشعر الأقلية السنية في العراق الجديد بأنها مهملة. وعلى الرغم من أن العراقيين أصبح لديهم اليوم انتخابات لكن الثقافة الديمقراطية لا تزال غائبة كما كان الحال من قبل الأمر الذي أدى إلى أن يعطي أغلب الناخبين أصواتهم لأحزاب تمثل عرقهم أو طائفتهم الدينية. فالأكراد ينتخبون أحزابا كردية والشيعة يعطون صوتهم لواحد من الأحزاب الشيعية والسنة إما أن يصوتوا لأبناء مذهبهم أو يقاطعوا الانتخابات.ولذلك نرى أن المظاهرات الاحتجاجية ضد حكومة الشيعي نوري المالكي لم يشارك فيها خلال الأشهر الأخيرة سوى السنة دون غيرهم تقريبا.

الوضع العراقي سيء جداً وليس بمستوى الطموح بل هو أسوأ مما كان عليه قبل الاحتلال الأمريكي في العام 2003 ، وهناك أسباب عديدة أوجدت هذا الوضع الصعب والخانق على عامة العراقيين منها عدم وجود الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومة ومؤسسات الدولة، والخلافات السياسية بين السياسيين والطائفية وعدم الولاء للعراق، والتدخلات الخارجية، إضافة إلى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والمحسوبية والمنسوبية ما أدى إلى مضاعفات كثيرة، منها التردي الأمني وغياب التطور الاقتصادي والاستثمار والبناء وتوفير فرص العمل للشباب ...

العراق دولة غنية بما وهبه الله سبحانه وتعالى من ثروات ونفط ومن ثقافة وحضارة وتاريخ، ومن رجال أشداء ووطنيين يؤمنون بالعراق ومستقبله الباسم لكن على الصعيد السياسي، فإن العملية السياسية التي أسسها الأميركيون على المحاصصة الطائفية والعرقية، دخلت مرحلة تضارب المصالح الحزبية. ويكاد يجمع المحللون السياسيون على أن المستفيد الأول والأخير هو إيران. واليوم، يرى كثير من العراقيين أنهم كانوا ضحية لعبة دولية مزقت بلادهم وحاولت تفكيكها وأشاعت مظاهر القتل والعنف والفساد.اما على الصعيد الاقتصادي، فالغزو الأمريكي دمر بنية العراق التحتية وقطاعاته الاقتصادية بشكل مباشر نتيجة للحرب وتداعياتها اللاحقة المباشرة أو غير المباشرة، عن طريق السياسات والتدابير والإجراءات التي اعتمدتها إدارة الاحتلال والإدارات التي خلفتها، هذا و يؤكد مراقبون أن ضعف كفاءة معظم مسؤولي أجهزة الدولة الحاليين، وفي ظل قتل أو لجوء الكفاءات العلمية والإدارية إلى خارج العراق، أدى إلى تدهور الخدمات، ما يعني استمرار معاناة المواطن العراقي من أزمات الكهرباء والماء الصالح للشرب والوقود والمجاري والبطالة والسكن، و تستمر معاناة المواطن العراقي الذي لم يجد اي تحول او تغيير ادى الى تحسن وضعه و معيشته ...

وبانتهاء عقد من الزمان على التغيير بدأت ملامح فترة سياسية جديدة تلوح في الافق عبر التصريحات المتكررة من اعلى سلطة تنفيذية بضرورة بناء نظام حكم جديد قائم على اساس الاغلبية السياسية بعيداً عن الشراكة التوافقية المبنية على المحاصصة القومية والطائفية والتييرى المواطن العراقي أنه لم يجن العراق منها غير التخلف والصراعات المستمرة و تردي الأحوال بدل تحسينها  و الآن و نحن نحيي الذكرى الـ 10  لغزو العراق ، قد يتبادر للذهن سؤالا هل الوضع  تحسن ؟ أم الوضع بقى على حاله ، ان لم نقل ازداد تفاقما على عامة العراقيين و لم يتحسن !!!