الصفوية والصوفية 14
الصفوية والصوفية
خصائص وأهداف مشتركة/14
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
الخرافات والأساطير
الإسطورة
يطلق على الإسطورة إصطلاحا(الميثولوجيا) ومعناها العام ملحمة أو قصة تدور حول تأريخ الشعوب القديمة وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم وأمجادهم. أو تتحدث عن شخصيات تأريخية حقيقية كانت أو وهمية لها أثر مباشر في توجهاتهم الإجتماعية والثقافية. وتنسب لهم عادة صفات مميزة وأعمالا بطولية وقوى خارقة من وحي الخيال، لا تتوافق مع منطق العلم أو الحقائق التأريخية. وقد تتخذ احيانا شكل حكايات شعبية وفلكلورية يستمتع بها الناس وتترك فيهم أثرا طيبا. تتضمن الأساطير كذلك بعدا وعمقا فلسفيا او أدبيا أو دينيا أو إجتماعيا.
ويمكن تقسيم الأساطير من ناحية المضمون إلى:
اساطير دينية: وهي التي تتعلق بالآلهة مثلما موجود في الأساطير اليونانية والاغريقية والهندية والصينية. كالإلياذة والأوذيسة وافروديت آلهة الحب وبعضها قد أستمد احداثه من الكتاب المقدس كالطوفان وقصة الخليقة ثم ألحقت به إضافات أخرى.
اساطير سياسية: وتضفي هالة من البطولات على الملوك والأمراء والسلالات الحاكمة والشخصيات الوطنية، كاسطورة شمشون وسمير أميس والأساطير الفارسية بشكل عام التي تعظم الملوك وتعتبرهم من سلالة السماء.
اساطيرشعبية. الغرض منها الحث على التحلي بالقيم والمثل العليا كالشجاعة والكرم والتضحية والأمانة والصدق. مثل سيف بن ذي يزن، وعنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي. وألف ليلة وليلة. وعلي الزيبق. يلاحظ إن الشخصية غالبا ما تكون حقيقية. ولكن الرواة يسبغون عليها مسحة من الخيال لغرض التشويق والإسهاب واحيانا التشويه والإساءة من قبل الشعوبيين. وغالبا ما تُزين بالأغاني والأناشيد وتطرز بالأمثال والأشعار، بهدف ترسيخ قيم الشجاعة والمفاخرة بالأنساب وزرع بذورها في مخيلة الأجيال والناشئة.
اساطير فلسفية: هي محاولات بدائية لتفسير ظواهر الطبيعة والغازها، أو محاولات التغلب عليها كاسطورة جلجامش، التكوين، سيزيف، حي بن يقظان. واسطورة ميدوزا آلهة الحكمة، وبروميثوس.وهي تتضمن عادة جمهرة من الحكم والمواعظ.
اساطير ذات بعد نفسي وإجتماعي: تحاول تفسير دواخل النفس البشرية وما يختلجها من مشاعر بجانبيها الإيجابي والسلبي. كما تصف الأوضاع الإجتماعية لفترة محدودة، كاسطورة أوديب وحكاية أبو القاسم البغدادي.
لذا يمكن ان نستنتج إن محاور الأساطير: (الآلهة) كما هو الحال في اساطير اليونان. و(الملوك) كاسطورة سمير آميس وسيف بن ذي يزن، و(الحيوانات) كما عليه في كليلة ودمنة وبيجاسوس-الحصان المجنح- والسنتو- نصفه بشر والنصف الآخر حصان- وحوريات البحر- نصف بشر ونصف سمكة-. او (شخصيات شعبية) كعنترة وعلي الزيبق وابو زيد الهلالي.
اما الخرافة: فإنها أحاديث تُسرد للصبيان وهي من نسج الخيال الخصب. تمتاز بالإيجاز وتلاحق الأحداث، مع استخدام السحر والطلاسم والعفاريت والغول. وهي تمثل الصراع بين قوى الخير والشر، وغالبا ما تكون خارج البعدين الزماني والمكاني، فتبدأ مثلا بجملة(كان ياما كان في قديم الزمان).وتنتهي( وعاشوا عيشة سعيدة ورزقوا بالصبيان والبنات، أو توته توته وخلصت الحتوته). وترتبط كلمة الخرافة بشخص يدعى خرافة من بني عذرة، فقد غاب عن قومه لفترة طويلة مدعيا بأن الجن أختطفته! وكان يروي لقومه أحاديثا مملحة عما جرى له مع الجان وهم يستهوون حكاياته. وهناك خرافات أخرى تتعلق بتقاليد إجتماعية هي خارج مبحثنا.
من خلال هذا العرض المبسط نجد إن الخرافات والأساطير تنبع من رافد واحد وهو اللاعقلانية، ورغم إنهما ممتعتان من ناحية التشويق والإثارة، لكنهما مدمرتان إذا إجتمع فيهما(الدين أو السياسة) بحيث يُسخر الأول لخدمة الثاني، وذلك لشدة تأثيرهما على الناس سيما العوام والأطفال ولأنها تتناقل بين الأجيال تاركة أثرا قويا في نفسية المستمع.
خطورة تسخير الدين لأغراض سياسية أو مزايا دنيوية، تتعارض مع الدين نفسه، وتتجلى بوضوح في العقيدتين الصفوية والصوفية، حيث تضم أمهات مراجعهم عددا هائلا من القصص والأحاديث الخرافية. ولأن الحكايات الخرافية تخص الأطفال وليس لها هدفا سياسيا أو دينيا، لذا لا مندوحة لنا من وصف الأحاديث الصفوية والصوفية بوصف آخر. ربما الدجل والتدليس والكذب ينطبق عليها أكثر من كلمة الخرافة. ومن المؤسف أن يكون من ضحايا الدجل والتدليس الذات الإلهية المقدسة والنبي(ص) والصحابة والأئمة والشيوخ أنفسهم. فقد نُسبت لهم خوارق ومعاجز تصلح كقصص للأطفال وليس كمناهج لعقيدة سماوية.
إنك لا تجد مبررا لسردها أكثر من محاولات للإنحراف بالعقيدة الرئيسة إلى منحدرات وعرة يصعب إجتيازها. وإلا فما حاجتنا الى معجزات تنسب للأئمة والشيوخ؟ أليس إضفاء هذه الأكاذيب على الأئمة والشيوخ يؤكد فساد العقيدتين؟ وأن هناك وراء الأكمة أهدافا خفية لايمكن تفسيرها إيجابيا. مثلا هل طيران الشيوخ وطي المسافات والمشي على النار وثقب الأجساد وعروج الأئمة للسماء وعلمهم ما كان وسيكون، قد أفادت المسلمين بشيء في دنياهم؟ هل إحترامنا وإعجابنا بهم يعتمد على تلك الخوارق والمعاجز؟ هل كانوا يعانون من مركب النقص في شخصياتهم في حياتهم مما أستدعى فبركة تلك الأحاديث؟ ولماذا الإصرار على إبقائها في أمهات كتبهم المطبوعة حديثا وعدم وجود محاولة جادة لتشذيب وتطهير تلك المراجع من تلك القاذورات؟ الا يعني كل هذا إنهم يضمرون شرا للإسلام وإن نواياهم غير سليمة البته؟
الأنكى من هذا وذاك إن الصفويين والمتصوفة عندما يحاججهم البعض حول هذه الأكاذيب يدعون إنها مدسوسة على الأئمة والشيوخ، ويتنصل البعض منها مدعيا بأنها من أحاديث القدماء ولا يؤخذ بها حاليا. لكن مع هذا تراهم يستشهدون بها عند الضرورة ولا يشطبوها من كتبهم المطبوعة حديثا! وعندما تأتيهم بأحاديث أئمتهم واقطابهم التي لا تتوافق مع الدين ولا مع العلوم ولا حتى المنطق السليم. سيجيبون إنهم لا يعنون ذلك! ويتخذون من التأويل مخرجا لإحراجهم وتبرير زلات شيوخهم.
الحقيقة إن بعض الأحاديث والروايات في أمهات مراجعهم حري إدخالها في باب الطرائف و المهازل. فهي مهزلة لمن رواها، ومهزلة لمن دونها وطبعها، ومهزلة لمن قرأها وآمن بها. مهازل يمكن أن تُنسب بجدارة الى أشهر الكذابين القدامى كأبي مسليمة وسجاح والأسود العنزي، ومنها ما يمكن إدخالها في باب النوادر كنوادر جحا وبهلول.
وهذه بعض من تخاريف الصفويين. فقد ذكر الكليني نقلا عن يحي بن أكثم إنه بينما كان يطوف بقبر النبي(ص) رأى الإمام الرضا فناظره وأراد أن يسأل الإمام عن أمر ما، لكنه خجل! فإذا بالإمام يمارس فن الباراسيكولوجي ويفاجئه بالقول: أردت سؤالي عن الإمام؟ قال يحي: والله هو هذا! فأجابه الإمام: أنا هو. فقال له: ما العلامة فيك؟ فإذا بعصا الإمام تحدثه بفضول: أنه مولاي إمام هذا الزمان، وهو الحجة". ( راجع أصول الكافي1/353) إذن العصا تتحدث!
كما ورد في (تفسير الفرات/13) بأن" سبب إخراج آدم من الجنة لم يكن الأكل من الشجرة المحرمة! وإنما لأنه حسد النبي (ص) وعلياً والحسن والحسين". عجبا! آدم (ع) يحسد النبي لأنه نبي وهو إبنه حسنا سنبلعها! لكن على ماذا يحسد علي والحسن والحسين؟ أولا: هو نبي وهما أئمة والنبوة أعلى درجة من الإمامة! ثانيا: هم من خلفه فهل يحسد الأب أبنائه؟ إن كان يحسدهما في الدنيا فإنهما لم يحققا حلمهما في الخلافة. و إن كان في الآخرة فآدم نبي والأنبياء مصيرهم الجنة. أما الأئمة فالعلم عند الله فقط.
ومن التخاريف نجد أن الإمام الحسن يمارس مهنة الطب(الجراحة التناسلية) بتغير الجنس! فقد جاء اليه رجل شامي مع زوجته ذاكرا له كلاما خاصا! ثم سأل الإمام بتهكم أن يثبت دعواه بالمعاجز وذلك بأن يحوله الى إمرأة ويحول زوجته إلى رجل! غضب الإمام غضبا شديدا من سخريته ودندن بطلاسم ونظر إليهما. وفجأة تحول الشامي الى إمرأة وضعت يدها على وجهها حياءا وهربت، ثم أقبلت إمرأته بصورة رجل. وأخذا بعضهما وذهبا. وبعد مدة عاد الأثنان بصحبة طفل لهما وإعتذرا من الحسن عن فعلهما فأعادهما الى طبيعتهما! ولم يتحفنا الكاتب بالنهاية المألوفة لقصص ألف ليلة وليلة وعاشا عيشة سعيدة! (مدينة المعاجز لعبد الحسين دستغيب3/260). وهناك مئات القصص على هذه الشاكلة.
ومن طرائف الصفوية إن الغوث عبد الله اليافعي يذكر عن أحد الشيوخ تمتعه بنفس قدرة الإمام الحسن بتغيير الجنس. حيث جاء الشيخ رجل يطلب أن تولد زوجته ولدا، فطالبه الشيخ بمائة دينار، وبعد مدة رجع الرجل للشيخ وقال له بأن امرأته ولدت أنثى! فقال الشيخ لأن المبلغ كان أقل من مائة دينار! فذهب الرجل وأتى بالنقد ليكمل المبلغ وأعطاه للشيخ. فقال له الشيخ: إذهب فقد أوفينا لك كما أوفيت لنا. فعاد الرجل إلى منزله ليجد ولدا محل الأنثى! (نشر المحاسن الغالية/22).
وجاء عن المجلسي حديث لزين العابدين بأن رفض النبي يونس(ع) لولاية الإمام علي وخلفه بحجة عدم معرفتهم، كان سببا لسخط الرب عليه فأوحى للحوت أن يلتقمه. ويكمل لنا الحوت الرواية بقوله" فمكث في بطني أربعين يوما يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث وينادي: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قد قبلت ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والأئمة الراشدين من ولده". بعد إن إعترف النبي بخطئه وإعترف بالولاية. أمر الله الحوت أن يقذفه للبر. ويستطرد زين العابدين القول" ارجع أيها الحوت إلى وكرك واستوى الماء".(بحار الأنوار61/53).عجبا هل للحوت وكر؟ الوكر (جمعه أوكر وأوكار) يعني عش الطائر سواء كان على شجرة أو في جبل أو خرق في حائط. يقول الشاعر" كأن فؤادي حين جدٌ مسيرها** جناح غراب رام نهضا إلى الوكر". هكذا عُرف الوكر في لسان العرب ومختار الصحاح والمعجم الوسيط وتاج العروس وقاموس المعاني وغيرها. وأستعيرت الكلمة بشكل ظالم لتطلق على المكان الذي يختبيء فيه اللصوص والجواسيس. وشتان بين الطيور واللصوص والجواسيس. قد قبلنا بـ(موبي ديك-الحوت- الناطق)! فمن أين أتى زين العابدين بالوكر؟
ننتقل من حوت زين العابدين ووكره إلى فيل الباقر الطائر. ولدينا طرفة عراقية مفادها إن معلم سأل تلميذ: هل الفيل يطير؟ فأجابه: نعم. قال المعلم: أي حمار قال لك هذا؟ قال التلميذ أبي وهو مسئول كبير في أمن الدولة! فرد المعلم متلعثما: هذا صحيح لكنه يطير واطئا لكبر حجمه وثقل وزنه.
وفي الرواية الصفوية عن شادان بن عمر، أخبره جابر الجعفي بأنه رأى مولاه الباقر يصنع فيلا من الطين، وبعد إكماله ركبه- اي الباقر- وطار به إلى مكة ثم عاد! فإنبهر شادان ولم يصدق ما ذكره الجعفي حتى رأى الباقر فسأله عن صحة طيرانه بالفيل؟ فإذا بالإمام يصنع فيلا ثانيا ويصحب معه شادان في رحلة طيران ممتعة لم نجدها إلا في أفلام والت دزني! (مدينة العجائز5/10). نتساءل بعجب: ألا يستحي هؤلاء الحمقى من رجال الدين ليروجوا هذه الأكاذيب؟ الا يدل ذلك على حماقة أتباعهم الذبن تنطلي عليهم هذه الأكاذيب؟ هل نحتاج لفيل طائر لنحب شخص الباقر؟ لماذا لم يصنع جده الإمام الحسين فيلا ويطير به الى كربلاء ويقاتل به بدلا من إلتماس الرحمة والعفو من أعدائه؟ ولماذا لم يركب الرضا الفيل الطائر في رحلته إلى طوس؟ ولماذا كان النبي(ص) يرحل ماشيا أو راكبا دابة وليس فيلا طائرا؟ أخزاكم الله كم إفتريتم على هؤلاء الأئمة الأجلاء. والويل لكم من عذاب الله وسخطه.
ومن فيل الباقر الطائر ننتقل إلى الحمار الفهامة النسابة! ومصيبة هذه الخرافة إنها نسبت للإمام علي وهذا أمر شائن لا يقبله محب للنبي(ص) ولا لصهره. حث إدعى الإمام علي بإن عفير خاطب النبي(ص)- لم يحدد هل تحدث الحمار باللغة العربية ام بالسريانية أم بالنهيق وفهمه الرسول -حاشاه من هذا الأفك- قال الحمار" بأبي أنت وأمي(قسم). إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة. فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، الحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار".(الكافي1/237). وقصة المفتاح الذي تحول إلى أسد تحير الألباب فعلا "عن أبي الصامت قال : قلت لأبي عبد الله : أعطني شيئا أزداد به يقينا وأنفي به الشك عن قلبي، فقال لي: هات ما معك، وكان في كمي مفتاح، فناولته، فإذا المفتاح أسد! ففزعت منه، ثم قال: نح وجهك عني ففعلت، فعاد مفتاحا".( الثاقب في المناقب/422).
وكذلك حال المتصوفة، فقد فسروا تخريفات شيوخهم على إنها كرامات ونسبوا حديثا كاذبا للنبي (ص) يقول فيه" حيض الرجال الكرامات". حتى الحيض صار من سمات الرجال! يعلمنا الشيخ عبد الكريم الجيلي الطرق التي تمكن الشيوخ من المشي على الماء والطيران في الهواء وبقية الكرامات" إن مداومة المرء على الكفر الصريح، وإقلال الطعام والمنام والكلام، وغير ذلك من الرياضيات الصوفية هي سبب حصول هذه الكرامات". ( الإنسان الكامل2/14). اذن الكفر الصريح أحد أسبابها!
وبرر(أبو سعيد بن أبي الخير) هذه الكرامات لجماعته عندما سئل عنها بطريقة طريفة: فالمشي على الماء، علله بأن الضفادع والطير تمشي على الماء أيضا. وطيران الشيوخ في الهواء برره بأن ذلك ما تفعله الطيور والحشرات. وذهاب المتصوفة من طرف الأرض للطرف الآخر، برره بأن الشيطان في لحظة يفعل نفس الشيء! فهل الشيوخ من فصيلة الشياطين؟
وفي رواية(إبراهيم الرقي) يتحفنا بأنه ذهب للنهر لغرض الطهارة فرأى أسدا نائما في طريقه فرجع خائفا، لكن أسدا آخرا إعترضه فبدأ بالصراخ. فإذا بشيخ يخرج من صومعته فجأة ويتواضع أمامه الأسدان بذل وخنوع، فأمسك بإذن كل منهما وعركهما بقوة ووبخهما بقوله" يا كلاب الل!ه ألم أقل لكم لاتتعرضوا لضيوفي". (كشف المحجوب/233). ويلاحظ إن حكايات الأولياء والأئمة مع الحيوانات مستقاة من الحكايات البوذية، كما توجد شبيهات لها في أساطير القديسين في العصور الوسطى، وهي تتجسد في المنحوتات والرسوم الفارسية والهندية القديمة التي عُثر عليها.
كما ذكر الشعراوي عن الشيخ الرفاعي عند التجلي" يذوب حتى يكون بقعة ماء، ثم يتداركه اللطف فيجمد شيئا فشيئا حتى يرد إلى جسمه المعتاد"(الطبقات/143). والحمد لله الذي لم يحوله الى حالة غازية كأن يصبح سحابة مثلا! وآخر" كان يذيب الثلج من حوله لأن تأملاته ملتهبة".(نفحات الأنس/138) يعني مثل ديناصور الأساطير ينفث نارا. وذكروا عن الشيخ إبراهيم الجعبري بأنه" كان في مصر و له مريدة تسمع وعظه وهي في السودان"! في وقت لم تخترع فيه الأقمار الصناعية!
لدينا نموذج فريد للشيخ البهلوان المتقلب بين صورة بشر وحيوان! أحيانا تجده" جنديا، ثم تدخل عليه فتجده سبعا، ثم تدخل عليه فتجده فيلا". (الطبقات2/87). وهذا الفيل الصوفي يذكرنا بفيل الباقر الصفوي. ولدى المتصوفة أيضا الشيخ أبو العباس الملثم وقد أختلف القوم في عمر الملثم، فإدعى البعض إنه من قوم يونس! ثم سألوه أخيرا بدلا عن الحيرة في أمره فأجاب" عمري الآن نحو(400) سنة". (الطبقات1/157) يعني ينطبق عليه قول أشقائنا في الخليج( يا طويل العمر) ولا نعرف عن أي عمر مات الشيخ بعد أن قطع حوالي نصف عمر نبينا نوح(ع) هذا إذا لم يزل حيا لحد الآن. ويذكر جلال الدين الرومي(المثنوي4/2102) بأن تلاميذ البسطامي أرادو قتله بعد قوله" ما في الجبة إلا الله" فَرُدت طعنات سكاكينهم إليهم. مبررا الأمر بأن العابد الكامل مرآة تعكس صفات الآخرين! ويحدثنا شيخهم تقي الدين السبكي عن شيخه(الإعصار) الشيخ ارسلان بأنه" كان يثب في الهواء ويدور دورات ثم ينزل إلى الأرض على مهل. وما أن يستقر حتى يتكأ على شجرة تين يابسة، فتورق وتخضر وتثمر بعدها تينا!(الطبقات1/154). وجاء عن شيخهم (الطرزان) إبراهيم بن عصيفير بأنه" كان يأتي البلد وهو راكب الذئب أو الضبع".(المصدر السابق). ويتحدثون عن ولي(السيرك) المروض للأسود حيث كانت زوجته تعامله بقسوة وجفاء. وفي يوم كان غائبا عن بيته، فجاء أحد مريديه الى البيت، فتحدثت زوجته بسوء على الشيخ أمام المريد. رجع المريد قانطا وخائبا من وليه السيء. وفي طريقه رأى الولي نفسه ممتطيا أسدا وبيده أفعي يستخدمها كسوط. وعرف المريد بأن ما رآه كان مكرمة للشيخ بسبب صبره على قساوة زوجته!
وشيخ آخر(الشيخ الصاعقة) يدعى زون بهار( أو روزبهار) ومن كراماته الصعق في حب الله(لا حول ولا قوة إلا بالله)! وقد وظف كرامته الصاعقة لخدمة الحوامل، حيث تضع الحوامل ما في بطونهن من صعقته! ومن ثم وقع الشيخ بحب امرأة بغي فترك صواعقه وخرقته الصوفية من أجل البغي!(جامع النبهاني2/77). ولا نعرف كيف كان يضاجع البغي وهو يحمل طاقة نووية مدمرة؟ والشيخ صاحب الكلب الحكيم( يوسف العجمي الكوراني) كان ببصره يجعل الكلاب تستمد منه القوة والحكمة(حكمة من أول نظرة). فقد أبصر يوما كلبا فإنقادت له( أي للكلب) جميع كلاب المدينة خاضعة لأوامره الرشيدة، وصار الناس يهرعون للكلب الصوفي لقضاء حوائجهم. ولما مرض الكلب كانت الكلاب تجتمع للبكاء والعويل عليه. وعندما دفنه الناس كانت الكلاب تزور قبره تستمد منه البركة! (جامع النبهاني2/535). يعني لو حذفت كلمة( كلب) ووضعت محلها كلمة( شيخ أو إمام) لما إختلف الحال! والشيخ أبو العباس أحمد بن ابي الخير كُشفت له الشمس، حيث رأى ملكين عظيمين لهما مخالب يجران الشمس على عربة من المشرق الى المغرب والعكس! (نشر المحاسن الغالية/76) نظرية جديدة في علم الفلك ربما تنفع العلماء في تفسير ظاهرتي الشروق والغروب.
مما ذكر عن الشيخ (سانت كلوز) أحمد بن عبد الله البلخي إن البعض رآه في مكة عام315 راكبا عجلة من الذهب، والملائكة يجرون العربة في الهواء بسلاسل من ذهب! فقالوا له: إلى أين تمضي؟ فأجاب: إلى أخ من إخواني أشتقت إليه! وآخر يضمن الجنة بثلاثين دينارا فقط! يا لرخص جنة الله عند الشيوخ والأئمة فهي سلعة تباع وتشترى! وذكر الشعراني في طبقاته عن الشيخ (وكيل عقارات الجنة) مدين بن أحمد الأشموني بأن إمرأة أعطته ثلاثون دينارا ليضمن لها الجنة. فأجابها الشيخ إن المبلغ غير كاف. لكن المرأة ذكرت له بأنها لا تملك غيره. فجعل الشيخ لها خصما ورضى بالمقسوم. بعد موت المرأة جاء أولادها للشيخ مطالبين بردٌ المبلغ لأن دخول أمهم الجنة غير مضمون. فجائتهم الأم في الحلم(جميعا كما يبدو) وقالت لهم: إشكروا لي فضل الشيخ، فإني دخلت الجنة. مبروك عليك الجنة أيتها البائسة ففي العراق دخول الجنة مجاني، يكفي حب الإمام علي(ع) لدخولها! حيث توزع في جامعات العراق صكوك الإمام علي لدخول الجنة بلا ثمن!
والشعراني يتحفنا برواية أخرى عن الشيخ الكاتب العدلي (إبن أبي حاتم) فقد أعلموه بأن سور طرطوس قد تهدم أحد جوانبه ويحتاج إلى ترميم بكلفة(1000) دينار. فقال الشيخ لأتباعه: من يعمر السور وأضمن الجنة له؟ فوافق رجل أعجمي مشترطا ورقة ضامنة من الشيخ لدخول الجنة. فكتب الشيخ الورقة وقدمها له. ومات الرجل الأعجمي ودفنت ورقة الضمان معه. لكن الريح أخرجتها(لا نعرف كيف أخرجتها) وحملتها إلى حضن الشيخ(سبحان الله) متضمنة هامشا يقول" قد وُفينا ما ضمنته"!
ربما يحاججنا البعض بأننا تحدثنا عن الصفوية بإعتبارها عقيدة واحدة وهنا لا مجال للإعتراض. لكن الصوفية ينتمون إلى طرق مختلفة كالملوية والشاذلية والقادرية والتيجانية وغيرها، وفي إعمامنا الكلام على جميع الفرق تجني وظلم، وهم محقون في ذلك.
ونرد على هذا القول بكلام شيوخهم، لغرض إنصاف الحقيقة وخدمتها ليس إلا. حيث ذكر قطبهم الأعظم الجنيد بن أحمد ويعتبر إمام الطائفة بأن" الصوفية أهل بيت واحد ولا يدخل فيه غيرهم". ويذكر إبن البنا السرقسطي:
(مذاهب الناس على إختلاف *** ومذاهب القوم على إئتلاف).( راجع الفتوحات الإلهية/101). ويذكر الشيخ عبد القادر عيسى بأن الطريق واحدة وإن تعددت المناهج العملية، وتنوعت أساليب السير والسلوك، تبعا للإجتهاد وتغير الزمان والمكان فإدى ذلك إلى تعدد الطرق. لكنها في حقيقتها وجوهرها واحدة.
إذن برأت ذمتنا والحمد لله.. ومشوارنا لم ينته بعد، إنه طويل لكنه غير مضجر.