شيء عن الإئتلاف
عقاب يحيى
للأعزاء الذين اعتادوا الصراحة مني، وهي دأبي، ومطلوبة دوماً كي لا نكذب على أنفسنا قبل الأصدقاء وشعبنا.. أن الثورة السورية العظيمة التي أحيتنا جميعا، خاصة المعارضة التاريخية التي كانت تعاني اليباس، والعجز، وتصلب الشرايين والرؤوس، والديسك وغيرها من نتاجات عقود القمع والملاحقة، والتصحّر، وما فرخته فيها.... قد أظهرت كل ما في داخلنا من إيجاب وسلب ..
الإجابيات كثيرة وضخمة ويمكن أن نكتب فيها مقالاً موضوعيا، وأهمها ـ على سبيل المثال ـ كسر وتهديم جدران الخوف لمملكة الرعب، وعودة الروح، والوعي والكرامة واعتزاز السوري بنفسه وتاريخه، وخلقت الرغبة بممارسة السياسة والاهتمام بالشأن العام، كما كان السوري قبل التدجين والإخضاع..
ـ ولعل الأهم أنها جعلتنا نكتشف دواخلنا، وبعضنا، وأوجدت الحب والتعاون بين مئات الآلاف، وفسحة مفتوحة للتعارف والاحتكاك.. وكثير من فيض خيرها علينا ..
ـ لكن بالمقابل : أظهرت خزين عقود الكبت والتهميش والتقزيم، وأثر الاستبداد والقمع والفوقية والمصالح الخاصة فينا.. فبرزت ظواهر سلبية فاقعة مثل الطوفان الهادر الذي يحمل معه كل أنواع الظواهر .. القديمة والجديدة، ومن أبرزها : انتفاخ الذات حتى التورم الدماملي، وتغليب حساب المصالح الذاتية والحزبوية على المصلحة العامة، وقوة التزاحم للبروز وعرض العضلات والافتعال.. غلى درجة أنك تسمع لكثيرين عن بطولاتهم وما قاموا به من أدوار خارقة تصل المعجزات، ويمكنك أن تستخلص أنه لولاهم، ولولا بطولاتهم تلك لما قامت الثورة واستمرت ..
ـ وهناك ظاهرة الهجوم على المواقع، ودور الإعلام في صناعة النجوم وتلميعهم كثيراً إلى درجة أنهم باتوا كالقدر المفروض، وظاهرة الجوع للسلطة والمناصب.. وأفكار المحاصصة وغيرها ..
ـ وهناك ثورة تجبّ ما قبلها.. لأنها ليست حكراً على أحد، وهي مفتوحة لجميع أبناء الشعب.. ومعظمهم كان ـ ولأسباب مختلفة ـ في تنظيمات النظام، وربما من أبواقه ومخبريه.. وعليك أن تغض النظر عن تاريخهم السابق وأن تستقبلهم على قدم المساواة.. رغم أن بعضهم مستعد لركلك والصعود على الجثث كي يظهر ويحتل موقعاً ما
ـ المجلس الوطني عانى منذ البداية أزمة بنيوية طالما وصفتها بأنها تشوّه في الولادة.. حاول الإصلاح والعلاج، لكن ظلت تلك البصمة قوية فيه، وركبت عليها كثير المفاعلات الداخلية ـ الخارجية .
ـ الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي ولد بظروف معينة..معظمها بدا تركيبياً لعبت فيه عوامل وحسابات غير موضوعية.. أثقلته منذ البداية، وكانت تهمة أنه صناعة خارجية تصيبه برد فعل غير عقلاني، لكنه بالوقت نفسه تمكن من أن يعلن بالصوت القوي إرادته بأن يكون منتجاً سورياً بالأساس .
بين معادلة التركيبة وطبيعتها، والمفروضات التي لحقت به منذ البداية، وبين الوضع الإقليمي والدولي وضغوطهما وجوهر مواقفهما، وقضية السلاح وتشعباتها..والمناطق المحررة وما يحدث فيه، وولادة مليشيات أقرب للعصابات تمتص دم الثورة وسمعتها لتكوين ثروات خاصة، وللقيام بأعمال مشينة، هي بالقطع مشابهة لممارسات الطغمة الحاكمة، ولعلها من تفريخاته الاختراقية أيضاً..مقابل تضحيات خارقة لآلاف الشباب الذين يملكون إيماناً صادقاً بالتغيير وبناء دولة عصرية، تعددية ..
ـ ضمن هذه التركيبة.. كان الإئتلاف يحتاج إلى جهود كبيرة، مكثفة لتفعيل أدائه، وتعزيز روح العمل الجماعي فيه، وإحداث التفاعل داخله بما يتجاوز التكتلات والحسابات الضيقة، وعمليات الشرذمة، وأثر النفوذ المالي وغيره، وأن يتحول حقيقة إلى ممثل للشعب وليس مجرد يافطة مجوفة، أو عائمة في اختلاط التصورات والذات، والمحاصصات، والحزبويات، والغة الأنا ومصالحها، ومفهوم الكعكة ونهشها قبل الأوان ..
ـ الإئتلاف ـ نعم ـ يعاني الكثير داخله، ناهيك عن أثر الضغط الخارجي فيه وعليه.. لكن هناك إرادة للكثير من الخيرين فيه أن يُصلح الحال، وأن يتمأسس، ويتوسع، ويشرك المرأة بشكل معقول، وأن يتحول إلى قيادة سياسية وتشريعية للثورة، وهي تحديات كبيرة تتواكب مع مجمل التحديات التي يواجهها بلدنا الحبيب، وموقع العمل السياسي من العسكري، وأهمية أن تكون له رؤية سياسية ومهمات برنامجية، ومبادرة سياسية لا يخشى فيها خوض الصراع مع القوى الكبرى، والتمسك بالثوابت المتفق عليها، وبالتالي دفعهم لتبنيها وليس العكس ..
ـ نعم هي تحديات برسم الأيام القادمة.. بأمل أن يرتقي إلى مستواها فيبدأ مرحلة جديدة من العمل والعطاء ...