بين شيعة علي ... والتشيع
م. محمد حسن فقيه
الخلاف بين السنة والشيعة خلاف تاريخي قديم كان يظهر حينا ويخبو حينا آخر، ظهر إلى السطح جليا بعد استشهاد الحسين رضي الله عنه ، وأما ما كان قبل ذلك من خلاف بين علي ومعاوية فلا يصنف عند أهل السنة والجماعة بأنه خلاف بين السنة والشيعة وإن كانت بذرته قد غرست من قبل إبن سبأ اليهودي يوم مقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان ،
وأبين ذلك باختصار لما يلي :
1 - أهل السنة والجماعة بجمهور علمائها وجميع أئمة مذاهبها يرون أن الحق كان إلى جانب علي وليس مع معاوية ، ويرون أن فرقة معاوية هي الفرقة الباغية ، مع تأكيدهم بأن رجال كلا الطائفتين مؤمنين مسلمين موحدين آخذين بقوله تعالى : " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فأن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين " – (الحجرات - 9)
2 – كان بين أصحاب علي صحابة كرام رضي الله عنهم أجمعين ، وكان يندس بينهم أرباب الفتنة الذين قتلوا الخليفة عثمان ، وغيرهم من المنافقين والخوارج الذين انشقوا عن معسكرعلي فيما بعد واتهموا كلا الفرقتين بالكفر ، وكان أيضا مع معاوية صحابة كرام رضي الله عنهم أجمعين ممن يطالبون بالقصاص من قتلة الخليفة الراشدي عثمان رضي الله عنه ، وكان يندس بينهم من يستشرف للمسؤولية ويتعصب لمعاوية ، وأهل السنة والجماعة تجل وتحترم وتترضى على جميع الصحابة ، وتأخذ الأحاديث عنهم إذا صحت طرقها وأسانيدها وتعتبرهم جميعا عدول ، وتتأسى بهم كانوا في هذا الصف أوذاك بدون أي تمييز أو تفريق أو تصنيف ، ويكررون كلمتهم الشهيرة المأثورة : " تلك فتنة سلمت منها سيوفنا ، فلتسلم منها ألسنتنا " .
3- كان مفهوم التشيع في عهد التابعين ومن بعدهم ينحصرفي حب علي وتفضيله على الصحابة ، وقد كان من بين هذا الصنف علماء ومحدثون يعتبرون ثقات وتعتبر كتبهم أمهات ومراجع لأهل السنة والجماعة كالعالم المحدث النسائي- رحمه الله - صاحب السنن ، والعالم المحدث الحافظ الحاكم النيسابوري – رحمه الله – صاحب المستدرك الصحيح ، والمفارقة في الأمر أن الشيعة لا يثقون بهؤلاء ولا يأخذون بأحاديثهم ولا يعتبرونهم مسلمين ، علما أن النسائي قد قتل بسبب حبه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه .
4 - إن مفهوم التشيع عند الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين كان يعني جواز ولاية المفضول في حالة وجود الأفضل ، أي الإجازة والإعتراف بولاية الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان ، مع قناعة الإمام زيد وأتباعه بأن أبي بكر وعمروعثمان صحابة أفاضل أخيار ، ولكن عليا خيرا منهم وهذا مما يختلف مع عقيدة مذهب الإمامية الإثني عشرية ، بل يعتبر الزيديون أتباع الإمام زيد بن علي أنهم كفار بحسب عقيدة الجعفرية الإثنى عشرية .
5 - إن أهل السنة والجماعة يحبون عليا وآل بيته الكرام ويجلونهم ويحترمونهم ويترضون ويترحمون عليهم ، ولكن بلا غلو ولا تقديس ، ويعتبرون حب آل بيت رسول الله واجبا عليهم ومن صلب عقيدتهم ، وذلك طاعة لأمر الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويعتبرون عليا رضي الله عنه الخليفة الراشدي الرابع ويأخذون عنه كل ما صح النقل عنه من طرقهم .
6 – يعتبر أهل السنة والجماعة آل بيت رسول الله الطاهرين بما فيهم أئمة الشيعة الأحد عشر إماما ابتداء بالإمام علي وانتهاء بالإمام الحادي عشر الحسن العسكري عليهم رحمة الله ورضوانه أنهم من أهل السنة والجماعة ولا يختلفون عن مذاهبهم ، ويأخذون عنهم كل ما يصح عنهم من طرقهم ، بل أكثر آل بيت رسول الله في عهدنا الحاضر ممن يحتفظون بنسبهم هم من أهل السنة والجماعة .
7 – إن بذرة التشيع بدأت فعلا مع مقتل الخليفة عثمان من أرباب الفتنة الذين أرادواالانتقام من الإسلام كدين سماوي جديد فضح معتقداتهم وكشف أباطيلهم ، فقاموا بهذه الفتنة لتفريق كلمة المسلمين وإشاعة الفتنة وبث الشقاق والفرقة والخلاف في صفوف الصحابة رضوان الله عليهم ، لإشغالهم فيما بينهم بدلا من الاستمرار في مسيرة الفتوحات ونشر نور الإسلام في المعمورة ،
8 – تم تأجيج الخلاف في الفتنة التي قادها الغوغاء المغرضون الذين اندسوا بين الفريقين قبيل معركة الجمل ، عندما اتفق الفريقان على الصلح وإنهاء الخلاف ، ورفعوا كتاب الله على أسنة الرماح ليكون حكما بينهم .
9- بعد استشهاد الحسين رضي الله عنه وجد المجوس من الفرس مدخلا ينتقمون به من المسلمين الذين فتحوا ديارهم وأطفأوا نارهم وذلك بإضفاء القدسية والصفات الإلهية على الحسين والإمام علي رضي الله عنهم ما لم يدعيه علي والحسين لأنفسهم ، مندفعين وراء ذلك لنقل هذه القدسية إلى ابنه علي ( زين العابدين ) من زوجة الحسين الفارسية بنت ملكهم يزدجرد ، ثم ليحصروا الأئمة من بعدهم في ذرية علي بن الحسين ، لينالوا بذلك ممن يدعون أنه اغتصبهم حقهم في الإمامة وعلى رأسهم أبي بكر وعمر رضي الله عنهم ، وهم بذلك يحققوا مأربين هامين يسعون إليهما وهما :
الأول : تشويه صورة الخلفاء الراشدين واتهامهم بأنهم مغتصبون للخلافة معتدون على الحق الإلهي لآل البيت مما يسيء إلى مسيرتهم ويشكك في قدوتهم فيشوه صورة الإسلام عندما يوضع أقرب المقربين لرسول الله صلى الله عليه وسلم كصحبة ومصاهرة وخلافة من بعده في مواطن التهمة والريبة ، مما يطعن في رسول الله لتقريبه لهم ومصاهرتهم .
وإذا كان الشيعة الإثنى عشرية يعتقدون أن أئمتهم ( المبتدعون ) يعلمون الغيب مما كان وما هو كائن وما سيكون إلى يوم القيامة ، فلوأضفوا هذه الصفة الإلهية على الرسول الأعظم – وقد أنبأه الله عن كثير من أخبار المستقبل وعلم الغيب – لكان حريا بهم أن يعتقدوا بأن رسول الله ما اتخذ أبا بكر وعمر وعثمان أصحابا وخلانا وأصهارا وأنسابا مقربين منه محببين إليه ، إلا لأنه يعلم فضلهم وخيريتهم وسلامة إيمانهم وحسن خاتمتهم ، إلا أن يكون في عقيدتهم أن هؤلاء الأئمة المستحدثون هم أفضل وأعلى وأقرب إلى الله تعالى من الرسول الأعظم ، ويتوفر لديهم من صفات الألوهية وميزات القدسية ما لا يتوفر لرسولنا ونبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
الثاني : أنهم بهذه الدعوى يسيئون إلى أبي بكر وعمر اللذين ثبتا دعائم الإسلام بعد وفاة الرسول ، وينتقمان للمجوس ممن أنهى حكمهم وفتح بلادهم وأطفأ نارهم .
10- اشتدت العداوة والفرقة بين الشيعة والسنة مع أحداث التاريخ بسبب الشعوبيين الذين بدأوا يصنفون الأحاديث الموضوعة في الغلو والتأليه والتقديس بأئمة آل البيت وفضل من يتبعهم – بعد الغلو والانحراف – وأن مصيرهم الفردوس الأعلى مهما كانوا عصاة وفاسقبن ما داموا يدعون حب آل بيت رسول الله ، وبالمقابل فإن السنة وعلماءهم كفار في النار مهما صلوا وصاموا وحجوا وعبدوا وسجدوا ، بل إن أئمتهم من الخلفاء الراشدين أصحاب رسول الله كأبي بكر وعمر مخلدون في النار، وسموا أبا بكر وعمر صنمي قريش واجتهدوا في لعنهما في صلواتهم وركوعهم وسجودهم ، واعتبروا ذلك من واجبات الدين ، ولم يكتفوا بتكفيرهما بل كفروا كل من لا يكفرهما ! .
11- أتم مسيرة الفرقة والإنحراف وبث الأحقادوالكراهية ما عرف فيما بعد بالدولة الصفوية التي أججت تلك الخلافات وأقامت الحروب المستعرة مع أهل السنة والجماعة وكانوا خنجرا مسموما يطعن في خاصرة الأمة الإسلامية كلما تحركت جيوشها لفتوح البلدان شرقا أو غربا ، ومن أشد طعنات غدرهم كانت يوم هاجموا دولة الخلافة حين كانت جيوش المسلمين تحاصر فيينا في قلب أوربا ، فاضطرت جيوش المسلمين للانسحاب من أوربا للتصدي لأولئك المعتدين ورد مؤمراتهم الماكرة وطعناتهم الغادرة ، ولولا ذلك ربما أسلمت أوربا كلها .
12 – ختمت ما تدعى الثورة الإسلامية في إيران بلاد فارس بقيادة الخميني ومن خلفه من بعده هذه الأحقاد والغلو والتكفير ، وساهمت في نشر الضلالات والإنحراف وكتب الشرك الصفراء في أصقاع المعمورة من تلك الكتب المشبوهة والمسمومة التي منها ما يعتبر القرآن محرفا ومنها ما يعتبر أئمتهم معصومين ومعينين بأمر إلهي ، واتهموا الصحابة بالردة ، وكفروا الخلفاء الراشدين ، ولعنوا في صلاتهما الشيخين والإمامين المهديين الجليلين أبي بكر وعمر وكفّروهما ، وكفّروا كل من لا يكفّرهما ، وجندوا وسائل الإعلام وعشرات الفضائيات لخدمتهم ونفث سمومهم ونشر عقائدهم الباطلة وأفكارهم المنحرفة ونظرتهم الشعوبية وخططهم التوسعية وطبيعتهم العدوانية وتقديسهم لعباد النار من رموز المجوس الذين نالوا من المسلمين وأئمتهم كأبي لؤلؤة المجوسي المجرم والقاتل الذي يعظمونه ويحجون الى قبره كأنه نبي من أنبيائهم تقديسا وتعظيما ، ما لم يفعله اليهود ولا حتى البوذيون لآلهتهم ، مما كشف حقيقتهم وفضح أباطيلهم وعرى عقيدتهم التي كانوا يخفونها أمام المسلمين قرونا من الزمن بدعوى التقية .