الثورة السورية في القرآن الكريم (الجزء الثالث)

الثورة السورية في القرآن الكريم

(الجزء الثالث)

معتز فيصل

قبل أن يزاود علي أحد، أعرف تماماً أن القرآن الكريم لم ينزل بسبب الثورة السورية، وأن الثورة السورية وقعت في القرن الخامس عشر الهجري، ولكن الله سبحانه وتعالى، أنزل هذا القرآن، فيه نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا، وهو الذي وضع فيه الأسس العامة للحياة الصالحة، والقواعد الاجتماعية والسنن التي لا تتخلف، وجعله موعظة وهدى ورحمة ونبراساً وطريقاً واضحة بينة لا يزيغ عنها إلا هالك. ومن هنا يأتي استئناسنا بآيات القرآن نستخلص منها الهدي ونستوضح بها الطريق، وننزلها على واقعنا تطبيقاً عملياً نرجو به من الله السداد.

في آيات سورة البقرة التالية إشارات تتطابق مع أحداث الثورة، وتهدي الحائرين فيها، وتحفز المترددين،  وتحث العاملين على المزيد.

يقول تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ*وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"

ألا تنطبق هذه القصة التي رواها لنا القرآن الكريم ليعلمنا ويحذرنا على كثير من أبناء سوريا الحبيبة؟ ألم يخرج الألوف هرباً من الموت، وحذراً من الموت؟ وفي القصة أن الله أماتهم ثم أحياهم ليبين لهم أنه لا هروب من قدر الله ولا هروب من الموت. (وقد شاهدنا هذا في بعض الأمثلة ممن خرج من مدينة ليموت في مدينة أخرى أو حتى في دولة أخرى)، أما لمن جاء بعدهم ولمن آمن بكتاب ربه وكلماته فلا حاجة للإماتة والإحياء وإنما هي تذكرة وقصة وعظة، أين تفرون؟ وممن تهربون؟ هل نسيتم أفضال الله عليكم منذ خلقكم إلى يومكم هذا؟ أتعترفون بفضل الله عليكم ورحمته بكم واختياره الخير لكم فتهربون؟ ألا تؤمنون بأن الله المتفضل والمنعم عليكم بنعمه الظاهرة والباطنة لن يخذلكم ولكنه يختبركم، ليعلم من يشكره في حالة العسرة كما كان يشكره في حالة اليسر؟ ولكن، وكما يقول الله تعالى، أكثر الناس لا يشكرون.

شكر الله هنا يكون بالاستجابة لأمره في القتال والجهاد وبذل غاية الجهد من أجل نصرة شعبكم والخلاص من عدوكم والتحرر من عبوديتكم والفوز بإحدى الحسنيين. وقد أجمع المعتبرون من علماء الأمة بوجوب الجهاد في أرض الشام في هذه الأيام، وحتى أعوان الظلمة أفتوا بوجوب هذا الجهاد ولكن في طرف الباطل، ليخسر من يتبعهم دينه ودنياه.

تشرح هذا الآيات التالية التي تحض على القتال في سبيل الله، فتقول للناس: "وقاتلوا"، يعني بدل الهروب من الموت، وليكن قتالكم في سبيل الله، لإعلاء كلمته وتحقيق دينه وإيصال الخير لكل الناس، وهنا تدخل كل مقاصد الشرع العامة والخاصة في سبيل إسعاد البشر كل البشر. ثم اعلموا أيها الناس أن الله سميع يسمع سركم ونجواكم، يسمع استنكاركم لأمر القتال ويسمع حججكم التي تحتجون بها للهروب. وهو عليم بما تضمرون من الإعراض عن أمره أو الاستعداد للجهاد في سبيله، وسيجازيكم خيراً بخير كثير كثير، وسيئةً بمثلها ويعفو عن كثير.

أما من لا يقدر على القتال ومن له عذر، ومن لا إمكانية جسمية لديه، فهذا يأتيه الأمر التالي في الآية التالية بشكل استفهام وطلب: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً". هكذا بهذه الصيغة المحببة اللطيفة المخجلة لمن فيه ذرة من إحساس بإنعام الله عليه وبحق الله تعالى عليه وبأفضال الله عليه، يأتي الحض على البذل بصيغة طلب القرض من الله مالك الملك الغني عن كل أحد الذي له ملك السماوات والأرض، الله الخالق المنعم المتفضل المالك المتفرد بالعظمة، هذا الرب العظيم يطلب منك قرضاً تأكيداً لوجوب الوفاء بعد مكاثرة الحسنات.

بين الناس يقرض الإنسان من يحب ومن يثق به ويثق بقدرته على إرجاع الدين، ويتمنى أحياناً أن يقرض من أحسن إليه وأعانه في شدة لما له في عنقه من دين، فكيف إذا كان القرض لله الذي المال ماله والعطاء عطاؤه والإحسان إحسانه، ثم فوق ذلك كله يعدك الله الذي لا يخلف وعده، بأن يضاعف لك هذا المال وأن يضاعف لك الأجر والثواب أضعافاً، بالتنكير لبيان الكثرة اللامتناهية، وبالتكثير بحساب الله الذي لا ينفد ما عنده. ألم تدع ربك مئات المرات في حياتك قائلاً: " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك؟" ها هو الوقت قد حان لتُريَ الله منك أنك تريد فعلاً أن تشكره بالاستجابة لأمره في الجهاد أو الإنفاق، وإلا سيكون دعاؤك في سنوات عمرك الطويلة دعاءً باللسان لا بالقلب.

إذا نحن أمام خيارين: إما الجهاد بالنفس أو الجهاد بالمال. أما الهروب حذر الموت، فهذا ما استنكره الله تعالى منا، وقص علينا قصة من فعلوه لنجتنبه، وطلب منا المال ووعدنا بمضاعفته فأين المستثمرون؟ أين من يريد مضاعفة ماله؟ وأين من يريد أرباحاً تزيد عن سبعمائة ضعف؟ وأين المنفقون في سبيل الله وأين المقرضون الله القرض الحسن؟ وهو عن طيب نفس وإخلاص نية وعلى وجه الإحسان أي: معاملة الله كأنك تراه.

والله يقبض ويبسط. يقبض الرزق فيصير الغني فقيراً، وييسط الرزق فيصير الفقير غنياً، ويقبض القلب فلا يتمتع بمال ويبسط القلب فيصير الفقير أسعد الناس، ويقبض الدنيا فتضيق في وجه أغنى وأشهر البشر، ويبسطها فتنبسط لمن يراه الناس أفقرهم وأتعسهم.

كلنا نشتكي قلة السلاح في يد الثوار، ونتجه شرقاُ وغرباً نبحث عن العون وعن السلاح وعن المال لشراء السلاح، ولكننا نسينا أن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وغاب عنا أن الحل بأيدينا، بموعود الله عزوجل الذي اشترى فرفضنا البيع والذي طلب القرض فرفضنا إقراضه. فإن كان الأمر كذلك، وهو بحمد الله على الأغلب الأعم ليس كذلك، فما يحق لنا بعدها أن نستبطئ النصر وأن نسأل عن أسباب كثرة التضحيات.

أكثر من أعرف توقفت تجارته ودمرت معامله وانقطع رزقه. وكلهم يبحث في أرض الله الواسعة عن تجارة جديدة، وعن باب رزق جديد، وعن استثمار في مكان آخر.ولكن القلة منهم للأسف من رأى في هذه المحنة فرصة للتجارة مع الله الذي يعطي أكبر الربح ويجزي أعظم الجزاء في الدنيا قبل الآخرة. ولكن الإنسان خلق هلوعاً منوعاً، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فاختبر في هذه الثورة إيمانك وحبك لعمل الصالحات.

والله الموفق