عذراً حماة...سامحينا

في الذكرى الحادية والثلاثين لمجزرة حماة الكبرى:

إبراهيم درويش

الناطق باسم وحدة العمل الوطني لكرد سورية، المشرف على موقع

syriakurds.com

[email protected]

لقد ظن الطغاة عندما دمروا حماة قبل إحدى وثلاثين سنة مضت أنهم تمكنوا من حكم سورية إلى الأبد، وأنهم أصبحوا خالدين مخلدين في سدة حكم سورية، وأن سورية الحضارة والتاريخ قد تحولت إلى مزرعة أبدية لهم ولحلفائهم الفرس أصحاب القلوب السود، الذين يأبون الخروج من خنادق صفين والجمل ويعتاشون على الأحقاد التاريخية...كما ظنوا أن سورية قد تحولت إلى  بقرة حلوب تدرّ عليهم الخير أبد الدهر، ولم يدُر بخلدهم أن جيلاً سيظهر يحمل بين ضلوعه إيماناً لا يتزعزع بأن الله ناصرهم، وأن ساعة الاقتصاص من هؤلاء الطغاة القتلة آتية لا ريب فيها. لم يخطر ببال هؤلاء المجرمين أن الجيل الذي ربّوه على أعينهم وتحت سمعهم وسمع أجهزتهم القمعية الشيطانية سيقول يوماً: (عفواً حماة سامحينا...)** وكأن لسان حالهم يقول:لقد أدركنا بعد هذه العقود من السنين أن الخط الذي اختطه مجاهدوك ـ يا حماة ـ في ثمانينيات القرن المنصرم كان هو الخط الصحيح مع هذه العصابة المجرمة الحاكمة، ولو أننا وقفنا معها كما وقفت حينها لما أصابنا الذي يصيبنا منذ سنتين كاملتين. لقد تأكد لدينا أننا كنا في تنويم مغناطيسي، وأن شعارات جوقة إعلام هذه العصابة طوال هذه السنين قد انطلت علينا كما انطلت على كثيرين كنا نظنهم كباراً قبل الثورة المباركة. لم تكن تلك الشعارات أو الترّهات سوى سراب خادع، بعدما رأينا خلال الثورة السورية الشاملة المباركة أي وطنية وإنسانية يملكها هؤلاء الأوغاد الدمويون، الذين أرادوا لهذه الثورة أن تنتهي كما انتهت أحداث حماة قبل واحد وثلاثين عاماً... إنهم هم أنفسهم الجناة، لم تعلّمهم أحداث التاريخ والجغرافيا، ولم يتعظوا مما حصل لأمثالهم قديماً وحديثاً، فلجأوا إلى أساليبهم القديمة الخسيسة المهترئة في التصدي لعنفوان شعب أعطاهم الفرصة تلو الفرصة دون فائدة، فأدرك أخيراً أن آخر الدواء الكيّ والبتر وتقديم الأرواح والدماء والأموال فداء لحرية حرموا منها ما يزيد على نصف قرن كان أمرّ من العلقم.

لقد أدرك هؤلاء الشباب، الجيل الذي رباه نظام أسد على عينه، أن الخطأ الذي ارتكبوه عام 1982 في حماة يجب أن لا يتكرر، يجب أن لا يمنحوا فرصة أخرى لهؤلاء الأنذال أشباه القرود ليستفردوا بأي مدينة أخرى على حدة كما فعلوا بحماة، وأن قوتهم في وحدتهم وفي الالتفاف حول ثورتهم المجيدة، وفي إكمال مسيرة العز والشرف بالتصدي البطولي لفلول عملاء الشر والشرق والغرب، حتى تطهر سورية والشام من أرجاسهم إلى الأبد.

لقد كتبنا في مثل هذه الذكرى الأليمة قبل خمس سنوات مقالاً يحمل عنوان:   لا نريد لحماة أن تكون كربلاء ثانية ...ولكن***؛ ذكرنا فيه:" إننا لا نريد لأهلنا الباقين على قيد الحياة، ممن كُتِبت لهم النجاة من المجزرة الرهيبة في حماة، التي استمرت طوال شهر شباط" فبراير" 1982م، ولا لذوي الضحايا في تلك الأحداث التي قلّ أن يحدث في أيّ مكان من المعمورة...لا نريد لهم أن يحوّلوا هذه الذكرى إلى كربلاء أخرى في حياة المسلمين...، ولكننا في الوقت نفسه نعلنها صراحة أننا سنرضع صغارنا الحقد المقدس مع الحليب على أولئك الذين تسببوا بهذه المأساة التي ما زال الناس يعانون من آثارها، ويشهدون فصولها بأشكال أخرى. فإن جرائم القتل ـ لا سيّما إذا كانت بحجم جرائم آل أسد في حماة وتدمر ـ لا تسقط بالتقادم، وإن الإصرار على تقديم عتاولة الجناة لمحاكمة عادلة لينالوا جزاءهم العادل لهو أبسط معاني الوفاء للشهداء. وحتى يأذن الله بمجيء تلك الساعة، وهي قريبة بإذن الله، فإن ألسنتنا لا تفتر عن صبّ اللعنات على جميع من صنع تلك الجريمة، سواء كانوا أمواتاً، أم أحياء، وسواء أكانوا مستمرّين في السلطة أم متسكّعين في شوارع العواصم الغربية والشرقية، أم معتوهين أم مشلولين، يجرّون أذيال الخيبة والندامة وقذف تبعات تلك الجرائم على آخرين". وها نحن أولاء نرى بأم أعيننا كيف أن هؤلاء المجرمين ينالون عبر فصول الثورة المباركة بعض الجزاء، فلله الحمد والمنة والفضل.

وكتبنا مقالاً بعنوان: " في ذكرى مجزرة حماة الكبرى: مازالت الجريمة بدون عقاب"****، ولكننا اليوم نرى أن العقاب يصب صباً على رؤوس أولئك المجرمين الذين كانوا وما زالوا مصرّين على معالجة قضايا الشعب الكبرى علاجهم في تدمر وحماة، ولم يدركوا بعد ـ ونظن أنهم لن يدركوا أبداًـ

أن عهدهم قد انتهى إلى غير رجعة، وأن مزابل التاريخ مستقرهم في الدنيا، وعذاب الخزي في انتظارهم في الآخرة، وصدق الله العظيم القائل:(( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق)). سورة البروج/ الآية10.