إذا زاغ الدخول، فـلندقـّق بالجلوس أو فـلنحسن الخروج
إذا زاغ الدخول،
فـلندقـّق بالجلوس أو فـلنحسن الخروج
ميشيل سطوف
ـ لا مفرّ من ملاحظة انّ مسألة " الحوار مع ممثلين عن نظام الأسد " أصبحت تطغى على الحدث الميداني وانجازاته المضافة ، وأننا أمام مسلسل من التصريحات المتبادلة ، ليس بالعفوية المطروحة ، بل هو تعبير علني عن تشابك مرسوم ، أطرافه كثيرة ومقتدرة ، ربما أضعفها راهناً من هم في الواجهة : أي الطرفان " السوريان " ، وفي الخلف مجموعات التخطيط والتوجيه ..
ـ و لا مفرّ من ملاحظة أنّ بادرة الأخ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني ، والتي تـُطرح كمبادرة موجهةً " للنظام الحاكم " لإحراجه وخلق اختراق " للركود الموصوف " ، إنما هي في واقعها موجهة كي تفعل فعلها داخل معسكر الثورة بكل أطرافه ومرتكزاته ومحاولة نقله من سجلٍّ معتمد إلى سجلّ جديد مازال رخواً إن لم نقل افتراضياً ، عبر طريق جانبية و وضع الثورة أمام واقع " تكويعة قسرية " ، حتى وإن بقي التمسك بالاتجاه الصحيح لبوصلة الثورة ، أو مع احترمنا الأكيد لحسن النية الوطنية ولحق الاجتهاد والمحاولة .. حيث لا يمكن التسليم المبسّط بشفافية وكفاية الاعتبارات المطروحة لتبرير وتمرير البادرة ، من مثل : حجم معاناة شعبنا ، تقليل واختصار التضحيات القادمة والمحتملة ، إحراج النظام الذي لم ولن يحرجه أمرٌ يوماً كما هو معروف وبيّن ، وغياب الحل أو الخطة لدى المجتمع الدولي .. وهي أمور من الأهمية والوجاهة التي لا بد أن تستند إلى الحساب والجدل الاستراتيجيين والثوريين ، الكفيلين بتحقيق ما أمكن منها ولخدمة الثورة ، حيث تبقى هي " القضية الأم والمرجعية العليا " ، بما يتجاوز خطاب المشاعر مهما كانت صادقة وحريصة .. كما أنّها أمور ، يستحق كلّ منها مقالاً خاصاً لتحليله وتشريح معطياته ومعانيه و تحديد اسقاطاته كمهمات تلزم القيادات والمبادرات النهوض بها ..
بل يجب ألاّ نتغافل عن تقليد اشتداد المعارك والمواجهات وارتفاع حجم المعاناة والضحايا في طرفي الصراع ، مع انطلاقة الحوار ، وبالتوازي مع كل جولة من جولاته .. وألاّ نقفز فوق دروس التاريخ ما تعلّق منها بطول الزمن لهكذا حوارات .. وألاّ نعتبر أن غياب خطة حل أو تدخل للمجتمع الدولي ، هو عامل مساعد لطرح الحوار مع عدو موصوف ومفضوح يمتلك حلفاء اقليميين ودوليين ، هم جزء من المعسكر المقابل ومن إدارته وقواه ، بل أصبحوا في مركز قرار ذاك التحالف ..
ـ و لا بدّ من العودة إلى مبادرة بشار أسد ، التي تبدو – بغض النظر عن مواصفاتها وعبثيتها وفراغها - كما لو أنها الحلقة التمهيدية في المسلسل الحواري المرسوم ، تتوازى مع التمهيدات / المخاضات الدولية ، من صنع روسي – أمريكي يتفاعل من منظور استراتيجية كل منهما ، تتلاقيان في التوافق على أنّ سورية بكل أطرافها ليست سوى حقل استثمار ، لا قيمة لشعبها أو للمبادئ الانسانية والشرعية الدولية فيه ..
ـ كما لا بدّ من الإقرار بأنّ رفض " الحوار " كمبدأ وكخيار مدروس نحترم قواعده وأصوله وحساباته ، ليس بالموقف الصائب ، ولم يك تعامل أطراف الثورة مع هذا الأمر مستوعباً وعقلانياً وبعيد النظر .. يكفي أن نؤشر إلى التصريحات النارية المتواترة للأخ معاذ الخطيب ، رئيس الائتلاف ، تجاه القيادة الروسية والقيادة الايرانية ، ثم الانعطافة الفردية المفاجئة للقاء مع وزيري خارجيتهما ..كما أنّ شعار رفض الحوار مع المجرمين يبقى عنواناً كان على مسؤولي المعارضة إعطاءه المضمون السياسي والتبرير الموضوعي بما يخرج من دارة الوجدان وردود الفعل المباشرة على سلوك المجرمين ، حيث أنّ المرجعية العليا للثورة تبقى مصلحة الثورة ومصالح شعبنا ، حيث تصبح ماهية الوفد المفاوض ثانوية أمام مضمون وهدف التفاوض المحسوب لخدمة مسيرة الثورة .. فحين تتخذ الثورة قرار الحوار / التفاوض المحسوب هذا ، هل يمكن تفضيل الحوار مع أناس ليسوا ملطخي الأيادي وليسوا أصحاب قرار وتأثير ، أمام أصحاب القرار المدركين لحتمية الاستسلام أو التسليم ..
ما أقصد قوله هنا ، يتعلق بضرورة خروج الخطيب وقيادة الائتلاف من تكرار ذات الخطأ في سلوك الزوغان والتشاطر القصير المدى والواضح في التعاطي القائم ( إذا ما قـُرّر الاستمرار به ) مع مسألة - في منتهى الحساسية - كمسألة الحوار / التفاوض ، الذي قد يحرجنا أكثر مما يحرج النظام وتحالفه الماكر المجرب والمالك لأوراقه ، وقد نضيع في متاهاته قبل أن نحاصر مجرمي النظام وحلفاءه .. حيث يمكن الإشارة هنا كيف تريد القيادة الايرانية طرح المسألة السورية على طاولة ( الحوار ) مع مجموعة 5+1
ـ و لابد من الإقرار بأنّ بادرة الأخ معاذ الخطيب ، وبغض النظر عن شكلها ولحظتها وسياقها وهامش المغامرة الغالب على المناورة فيها ، أصبح لها جمهور ودعاة ، ولها بالضرورة فاعلون من داخل الائتلاف ومن خارجه ، وقوى دفع لها حتى نهايتها في انسداد ما أو انكشاف في محطة ما ، في الوقت الذي نعي فيه جميعاً أولوية الحاجة إلى وحدة الصف مع تصويب المسار..
ـ فبدل أن يصار مباشرة إلى تدارس بادرة الخطيب ، في أوسع نطاق داخل أطر الثورة المختلفة ، ومن جميع الجوانب :
مقدمات ٍ وشكلاً ومضموناً وأبعاداً واحتمالات ٍ وخطوات تعامل ، سارت الأمور وتستمر في سيرها دون لوازمها ودون الأصول الطبيعية لأية عملية تعديل مسارٍ أو خطابٍ أوشعار أو مراجعة الثوابت .. كما لو أنّ مريديها يسعون لخلق حالة أمر واقع استباقي ، يلعب عل حبالها إعلام الأسد وحلفاؤه .. ويحدث الانزلاق الخاطئ إلى تركيز ومحورة الحديث حول شخص الأخ معاذ الخطيب .. كما يلجأ المنظرون لها إلى مقولة أنّ الثورات تحاور وتتابع النضال كما حدث مع الثورة الجزائرية والثورة الفيتنامية .. وهي مقولة تستحق الوقوف عندها ..
فهذه المقولة الصحيحة يمكن لها أن تكون لسان حال " حقّ يراد به حقّ " وفق قناعة البعض ، و " حقّ يسلّم به طيبون أو جاهلون " وأيضاً " حقّ يراد به باطل " .
صحيح أنّ نظام " العهد الأسدي " يمثل احتلالاً داخلياً شبيه بالاحتلال الخارجي ، لكنّ الخلافات الجوهرية بين الاحتلالين ، تجعل من الاحتلال الداخلي أشد وأدهى ، وتتعلق بكون العدو الخارجي يقاتل من أجل الحفاظ على مكاسب بين يديه ، وله وطنه الأم يعود إليه ، كما يخضع رغم كل همجيته إلى حد أدنى من الأسس والأخذ بعين الاعتبار إرادة شعبه ودور المؤسسات المنتخبة والحرص على حصر الخسائر ، كل هذا على أرضية من الحسابات التي تنتهي بغلبة العقلانية ، بيد أنّ نظام / عهد أسد على استعداد وتأهيل لتدمير كل شيء من أجل استمرار وجوده ، المبني على كل شيء أو لا شيء ..
وطبيعي إذاً ، أن يكون الانتقال من الرفض الصارخ المتبادل لخيار الحوار بين الثورة وبين عصابة الحكم الأسدي إلى طرح خيار الحوار ، أشبه بمزيج من اللعب والجد ، حيث هناك واجهة جدٍّ ضيقة وخلفية تلاعب ٍعميقة ، وحيث اللحظة المختارة والشروط الموضوعية ووحدة الرؤية والإدارة والتجربة لدى نظام أسد وتحالفه قياساً بواقع مكونات الثورة وإدارتها ، تلعب راهناً وفي المدى المنظور لصالح عصابة الحكم وعبثها ، خاصة مع تخاذل وتواطؤ وعجز أطراف المجتمع الدولي الذي لم يتأخر لحظة واحدة للركوب على ظهر بادرة الأخ معاذ الخطيب وتبرير انتظارية ملتبسة وتأجيلات إضافية لواجبات مستحقة وضاغطة ، في وقت كان على هذا المجتمع أن يقف وجهاً لوجه أمام مبادرة الأسد التي ضربت عرض الحائط به وبمؤسساته ومبادراته ناهينا عن وجود الجامعة العربية ..
ـ واليوم ، وعلى ضوء ما تمّ تسجيله ورصده من جملة التفاعلات وردود الفعل والمواقف من قبل مختلف الأطراف المعنية أو الفاعلة .. وما يشمّ منه بالضرورة ، من وجود ترتيبات وسير ممنهج للتصريحات المتبادلة والتشابك ، وبما يرمي للخلف قطعية العفوية والخواطر الخاصة ويضعنا أمام منعطف حقيقي سيفرز آثاره أيـّاً كانت بوصلة التطورات .. فإنّ الواجب الوطني الآمر يلزمنا بأقصى درجات الجدية والشفافية والدراسة الموسعة لكل تفاصيل وتضاريس وبواطن هذا المنعطف ، ونحن على أبواب اجتماع للائتلاف وتفاعلات داخل مختلف مؤسسات الثورة وقواعدها ، حيث :
" إذا زاغ الدخول ، علينا التدقيق بالجلوس أو فلنحسن الخروج " ، ومن الواضح أنّ الدخول قد زاغ ..
ـ نبقى نؤكّد أنّ أولوية الأولويات هي ترتيب البيت الداخلي .. وأنّ المدخل الممكن والعاجل هو تشكيل " لجنة حكماء " بالمواصفات الطبيعية المعروفة ، حيث بالإضافة إلى ضرورتها ، فهي تعبر عن " حكمة " المعنيين وإخلاصهم للثورة .. يكفي أن نشهد كيف أن تونس أمام وضع حرج أقل خطر بكثير من أوضاع بلادنا ، لجأت إلى مخرج " لجنة حكماء " لإبداء الرأي والنصح ..