شيء عن الأخاديد المذهبية

عقاب يحيى

قبل عام كانت هناك" ورشة تجريم الطائفية" وشاركت في لجنتها التحضيرية بأمل تقديم جهد ما يخترق " البلوكات" المذهبية خدمو للوحدة الوطنية..

قدمني مدير الندوة بالأستاذ الكبير والمناضل الشهير.. و .. الإسماعيلي .. وحين رنّت الكلمة في مسامعي ارتجفت عظامي واقشعر بدني..لأني أسمعها للمرة الأولى جهاراً، وفي ثورة الحرية والكرامة والدولة المدنية الديمقراطية..

ـ لا أتنكر أن عائلتي لأبي جميعها من العائلات الإسماعيلية المشهورة في البلدة، وعائلة أمي سنية في معظمها، وعائلة زوجتي سنية.. لكن الأهم أنني لم أكن يوماً إسماعيلياً بالمعنى المرسّم، ولم أختر هذا الطريق عمري، وبالتالي فأنا لا أمثل الإسماعيليين ولا السلامنة، وإنما الفكر والخط السياسي الذي آمنت به، وعملت فيه، وانتقلت منه إلى تطوير العمل الحزبي المحدد إلى التياري العريض.

ـ في الهمس، والعتمة، والتركيبات، وما يشبه المحاصصات.. كنت أعرف، واسمع التصنيفات، ودعوة البعض لمراعاتها.. كأن يكون ولا بدّ مثلاً وجود مسيحي وعلوي وكردي.. وربما درزي/ السلامنة أقلية صغيرة نادراً ما يذكرون في تلك المحاصصات/ في واجهات  الهيئات التي قامت، وعديد التشكيلات وغيرها.. وكأننا نعود القهقرى قروناً، وكأننا في ثورة كانتونات.. أو أن البعض يعتقد أن وجود هذا التنوع يعكس الوحدة الوطنية، ويلبي ضغوط ومطالب الدول الخارجية ..

ـ أكيد أن أي عمل سياسي . أي تشكيل، وهيئة يجب أن تكون صورة حقيقية لمكونات شعبنا، وأن تعكس ذلك لكن بشكل طبيعي وعلى اساس الاتجاه السياسي وليس الديني والمذهبي..

ـ لقد كانت واحدة من أزمات البعث الكبرى أنه خسر، عبر الصراعات والتطورات، الكثير من أبناء المدينة فيه، وبرز التركيب الريفي قوياً، فأبناء المذاهب الإسلامية غير السنية، فأبناء الطائفة العلوية.. وكان ذلك خللاً تأسيسياً لم يستطع تجاوزه، رغم الشعارات المرفوعة.. بل يمكن القول أن الطائفية التي أبحرت فيه وفي الجيش والسلطة، ثم أعلنت فجورها في عهد الطاغية الأكبر ووريثه.. تمثل أحد أبرز العاهات الخطيرة التي سمحت للكثثير من أبناء شعبنا بوسم البعث بالطائفية، وكثير من التهم المظهرية الصحيحة، حتى صار اسم البعث يقترن بالموبقات، وفجور السلطة، وكأنه الاسفنجة والممسحة لكل الفساد والانتهاكات، والوعاء للطائفية ..

ـ ولعل أيضاً من مشكلات أبناء" المكونات المذهبية" على العموم، والمحسوبين على الطائفة العلوية بوجه الخصوص ذلك التراكب المتشابك بين خياراتهم الفكرية ـ السياسية، وبين حسابهم على طائفة يمارس نظام الطغمة القتل والفحشاء كلها باسمها، ولو قسراً، ولو صمتاً، فنجد شيئاً من الارتباك، وحتى الازدواجية عند الأغلبية، إلا قلة تمردت على المألوف، وأعلنت تحديد تخومها، وقطيعتها مع الطائفي السائد، فنضمّت للوطن بعلانية .

ـ قصة البنية، والبيئة الثقافية العامة التي ينشأ فيها ابن" المكونات" المذهبية الإسلامية غير السنية، وإن كانت تحتاج لدراسات معمقة يستحيل على مقال صغير أن أن يحيط بها.. فإنها قضية معقدة تحتاج الوعي لفهمها، ومن قبل المعنيين فيها أولاُ، فالتوجهات التقدمية واليسارية والقومية تنمو في أرض خصبة لأنها تعويض، وتحقيق للذات، وخيار شبه قسري أمام الأفكار الأخرى التي كانت شبه احتكار على المدينة، والأغنياء، والاتجاه الإسلامي : الإخوان خاصة، وبالتالي نمو فكر التمرد، والتحليل الطبقي والطبقوي، وضمور العقل المديني والمدني ، ومحاولة قولبة الديمقراطية بقيود تتناسب وحصائل ذلك الوعي المنشأي والمكتسب .

ـ الثورة السورية بما أنها ثورة شعب، وثورة حرية لانتزاع الحياة الكريمة، ولضمان مشاركة كل الفئات فيها، بمكونات شعبنا المختلفة، وتحقيق المساواة في المواطنية المستندة إلى دستور وقوانين وفصل سلطات، وحرية الاعتقاد والتفكير والتعبير وغيرها.. لا يمكن أن تتقزم لإدخالها زواريب الطوائفية والفئوية، وإقحامها بسياسة المحصاصصات التفتيتية، وهذا أمر يختلف، بالتأكيد، عن منح جميع المؤمنين، في طل الأديان والمذاهب حرياتهم الكاملة في الاعتقاد ومزاولتها . وعلى أساس أن يقوم التنافس، والتمايز، وحتى التشكيلات السياسية والهيئات.. وفق انتماء الفرد الفكري والسياسي وليس غيره .