خطاب "مركزية إيران" في العالم الإسلامي
خطاب "مركزية إيران" في العالم الإسلامي
التأمل في خطاب مناصري إيران السياسي، بشكل عام، يرى محاولة منهم للالتفاف على الواقع، والقفز عليه، بهدف تبريره وخلق واقع جديد يتمركز حول إيران. فالخطاب في جوهره، عملية تجاوز لواقع الأوطان والدول العربية وخصوصيتها، والقفز فوق مشاكل كل وطن، وهي مشاكل سياسية، إلى تصور للعالم الإسلامي على أنه ينقسم إلى طرفين، إيران ومناصريها من طرف، والباقي في الطرف الآخر، في محاولة لجعل إيران مركز العالم الإسلامي كله.
وجوهر الخطاب، أن حل المشاكل كلها في العالم الإسلامي، يتم عبر الحوار مع إيران والتفاهم معها، وهذا هو المفتاح السحري لحل المشاكل جميعها. فمشكلات العالم الإسلامي، وفق هذا الخطاب، طائفية أو مذهبية، ولمحاصرتها لا بد من " درء الفتنة المذهبية ".
ويزيد أصحاب هذا الخطاب من التمحور حول ذواتهم بادعاء أنهم وحدهم من يقدم المبادرات في حين أن الآخرين لا يقدمون أي شيء، حتى أنهم لا يلتقطون تلك الإشارات الإيجابية منهم. وهذا ما توجهوا به مؤخراً للإخوان المسلمين، في محاولة لرمي الكرة إلى ملعبهم، وتحميلهم مسؤولية ما يحدث، أو إلقاء المسؤولية عن كاهل إيران.
والحقيقة، أن إيران تعتدي وتتدخل في الشؤون العربية، ثم إن أي توصيف لها بأنها عدو، يرد عليه بأن من يصفها بذلك عميل " للقوى الاستكبارية في العالم ".
والعدوان الإيراني أصبح أمراً مكشوفاً، ولا يمكن لأحد أن يدعي غير ذلك، وإلا يكون منفصلاً عن الواقع، والتحدث عن مناطق التدخل الإيراني كثير جداً، فمن البحرين إلى اليمن والعراق، ولبنان، وغيرها.
وكشف التدخل في سورية لقتل الشعب السوري، بشكل قطعي عن حقيقة المشروع الإيراني في المنطقة، وسقطت الكثير من الادعاءات الإيرانية بخصوص المبادئ والقيم التي تحملها سياساتها، خاصة اختباءها وراء ما تدعيه، هي والنظام الطائفي في سورية، من " دعم للقضية الفلسطينية ". وتحولت إيران في نظر الكثيرين إلى دولة معتدية، يصنفها الكثيرون على أنها عدو.
وهذا سبب هوس مناصريها بالتأكيد على أن هناك عدو واحد لنا وهو " إسرائيل " وما يصفونه في لغتهم بقوى " الاستكبار العالمي "، لكن العدو لا يعرف فقط من منطلق الهوية، بل من منطلق سياساته العدوانية.
والحقيقة، أنه كلما وجدت إيران نفسها في موقف صعب في العالم العربي، تسارع إلى استخدام خطاب " الفتنة المذهبية "، لتحويل الأمر من المجال السياسي، إلى المجال الديني الفقهي.
لكن، خطاب الفتنة خطاب يختزل الحقائق في كل بلد عربي على حدة، ويحاول أن يقفز على هذه الحقائق، ليشكل تصورات بعيدة عن الواقع، تخدم مركزية إيران في العالم الإسلامي. فوفق هذا الخطاب، ليست مشاكل العراق هي في استئثار السلطة من قبل أطراف معينة، ومشاكل سورية هي في نظام طائفي يقتل شعبه. بل المشكلة ببساطة هي مشكلة فقهية مذهبية، ولا بد من حلها، حتى تنتهي هذه المشاكل.
كما نجد في خطابهم، المتمركز حول إيران، أن العالم الإسلامي ينقسم إلى تنظيمات مؤيدة لإيران، وأخرى غير مؤيدة لإيران، فلا يأتون على ذكر أية دولة، إلا إيران، والباقي تنظيمات، طبعاً محاولين تجاهل السعودية، والالتفاف عليها، في محاولة منهم لعزلها، إذا ما نجحوا في تشكيل جسور حوار مع تنظيم مثل تنظيم الإخوان المسلمين. فإذا اتفقوا معه، أضعفوا موقف السعودية، وجعلوا أنفسهم الدولة المركزية في العالم الإسلامي.
لكن، لا يمكن لأي حوار أن يثمر دون إيجاد بيئة مناسبة وأسس حقيقية للبناء عليها، وأول أمر لا بد منه هو وقف التدخل الإيراني العدواني في الدول العربية. ومنطق تخوين كل من يتحدث عن عدوان إيران وتدخلاتها منطق لا يخدم أي حوار، بل يزيد من " الفتنة " التي تتحدث إيران عن ضرورة " درئها ".
ثم كيف يمكن الحوار مع طرف يريد فرض رؤيته على العالم العربي، فالإطاحة بأنظمة غير صديقة لإيران تم تحت ما سمي " بالصحوة الإسلامية "، أما الثورة على النظام السوري، فهو " مؤامرة "؟. ولا علاقة له " بالصحوة الإسلامية ".
وفي النهاية، وحتى تدرأ إيران الفتنة يجب عليها أن توقف تدخلها في الدول العربية، وتوقف تخريبها لها، وتتوقف عن الحديث بخطاب جوهره " التمركز على ذاتها ". فالبحث عن المشتركات لا يتم بالعمل مع إيران، بل العمل على حل المشاكل الوطنية، في كل وطن على حدة، وذلك على أساس المصلحة العليا لكل وطن، وليس البحث عن المشتركات مع إيران!.