الثعالب الأجنبية تتدارس أوضاع الدجاج العراقي!

الثعالب الأجنبية تتدارس

أوضاع الدجاج العراقي!

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

( لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)

الدستور في العراق كما هو معروف دستور علماني يعتبر القرآن الكريم أحد مصادر التشريع وليس المصدر الوحيد أو الرئيس لنصوصه. وقد نص على إحترام المرجعية وهذا أمر لاضير منه البته. فرجال الدين بصرف لنظر عن مللهم ونحلهم محط تقدير وإحترام الشعب عموما سواء نص الدستور على ذلك أم لم ينص. بالرغم من كون  الدستور كان أحادي الجانب في نظرته تلك! حيث نص على احترام المرجعية الشيعية فقط! متجاهلا بقية الأديان والمذاهب، وهذا تمييز ظالم ومجحف لأن المرجعيات الدينية يفترض ان تحظى كلها  بالإحترام والتقدير، ولا يجوز احتكار الإحترام لمرجعية واحدة فقط على حساب البقية. فكل الأديان والمذاهب في العراق لهم اتباع، وليس الشيعة فقط! فعلام هذا التسقيط لمرجعية الآخرين؟

وإذا كانت مرجعيات بقية الأديان والفرق والمذاهب الأخرى هي عراقية بحته فإن المرجعية الشيعية ليست عراقية! فهل يُعقل أن تحترم المرجعيات الأجنبية كالفارسية والافغانية والباكستانية! ولا تحترم المرجعيات العراقية؟ كما إن كل المرجعيات غير الشيعية تحترم نفسها ولا تقحمها في السياسة ودهاليزها بإستثناء المرجعية الشيعية. فقد نصبت نفسها وصية على الشعب العراقي وهي لا تمثل سوى الشارع الشيعي فقط، وحتى هذا الشارع فيه منعطفات أخرى لأنصار الخامنئي والصدر والصرخي والحائري وغيرهم. أن يكون السيستاني وصي على اتباعه برضاهم فهم احرار في إعتبار أنفسهم قاصرين ويحتاجون إلى وصايته. وهو حر أيضا في نصب نفسه وصيا عليهم حتى يبلغوا سن الرشد وكمال العقل. لكن ان ينصب نفسه وصيا على كل العراقيين! فهذا ما لايمكن قبوله بأي شكل من الأشكال.

عندما رفض السيستاني الجنسية العراقية معتزا بجنسيته الفارسية، ورجع رهط المتملقين الذين وهبوه الجنسية مخذولين يتلمضون طعم المرارة والخيبة جراء فشلهم في إقناعه بقبول الجنسية العراقية. لم ننتقد السيستاني على موقفه الثابت إعتزازا بهويته الفارسية، بالعكس فقد أثبت بذلك انه مواطنا اجنبيا يحل ضيفا على العراق. وهذا الموقف من الناحية الدستورية لا يمنحه حقوق المواطنة، ولا يتطلب منه ايضا واجبات المواطنة. الدستور واضح في نصوصه إتجاه الأجانب المقيمين في العراق.

وفي جميع الدورات الإنتخابية الرئاسية في إيران لم يمارس السيستاني حقه الدستوري في المشاركة في تلك الإنتخابات! وهذا تقصير من سماحته بحق وطنه الأم. سيما انه ليس عنده مشاكل مع الخامنئي وحكومة نجادي ليخشى السفر لبلاده والمشاركة في الإنتخابات. مع الأخد بنظر الإعتبار إن من يحكم ايران هم ملالي على شاكلته.

لكن في جميع الدورات الإنتخابية في العراق منذ الغزو الغاشم ولحد الآن، كان السيستاني العنصر الفاعل في العمليات الانتخابية وإحتضان العملية السياسية وصياغة الدستور والتصويت عليه، والاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة، والحث على انتخاب الفاسدين، وتشكيل حكومة الفساد، كلها وغيرها تمت بإشرافه الشخصي. وهذه بحد ذاتها مخالفات دستورية وإنتهاك صارخ لحقوق المواطنة. فهو كأجنبي لا يحق له أن يتدخل في أي شأن يخص العراقيين شيعة كانوا أو غير شيعه. هكذا يتحدث القانون!

ورغم الإحتجاجات التي صاحبت الإنتخابات الإيرانية وخروج الآلاف في تظاهرات حاشدة نددت بعمليات التزوير التي صاحبتها والتلاعب بنتائجها واقصاء شخصيات معروفة بإعتدالها. ورغم المصادمات بين الأجهزة القمعية لنظام الملالي مع المتظاهرين العزل، وما نتج عنها من قتلى وجرحى وزج عشرات الألوف في السجون وتعذيبهم والإعتداء الجنسي على عدد منهم من قبل الحرس الثوري، لم نسمع من السيستاني أي تصريح مؤيدا أو معارضا! فلماذا مع شؤون بلاده ومواطنيه كالدجاجة لا يسمع له صوت! ومع شؤون العراقيين وهم ليسوا بمواطنيه يكون كالديك لا يمل من الصياح؟

في مذكرات بريمر ورامسفيلد، ذكرا بأن لهما إتصالات مع السيستاني سبقت عام الغزو 2003 ، وتم التنسيق معه حول العديد من الخطط، ومنها العسكرية التي تمثلت بدعم قوات الإحتلال وإصدار فتوى بعدم رفع السلاح ضدهم. ومن المعروف ان هذا النوع من التخابر بين ضيف اجنبي يعيش في البلد مع اجهزة مخابرات معادية يعتبر نشاطا تجسسيا. وعقوبة الخيانة العظمى معروفة في الدستور.

والحقيقة ان النشاط التجسسي لا يقتصر على سماحته بل على عدد كبير من المراجع الدينية والسياسية والبرلمانية التي تعمل وفق أجندات أجنبية وتتعامل مع دول مجاورة سواء كانت عربية أو أجنبية، فمقتدى الصدر وقيس الخزعلي ونوري المالكي وإبراهيم الجعفري وعمار الحكيم وحاكم الزاملي وجلال الدين الصغير وحازم الاعرجي وسعدون الدليمي وباقري صولاغ وعبد الغفور السامرائي وإياد علاوي وصالح المطلك وجلال الطالباني وعبد الجبار الشبوط والمئات غيرهم، جميعهم يمارسون نشاطات تجسسية من خلال التخابر مع دول اجنبية وتنفيذ أجنداتها وتقديم معلومات سرية عن البلد.

إنه لأمر غريب حقا في العراق الجديد، فهو الدولة الوحيدة في العالم التي لا تطبق فيها عقوبة على جريمة الخيانة العظمى! رغم انه منذ عام الغزو 2003 أصبح ساحة مفتوحة لأجهزة مخابرات كل دول العالم المتقدمة منها والمتخلفة. ورغم شبكات التجسس الميليشياوية والحكومية والأجنبية العاملة على أرضه، ورغم تنفيذ كبار المسؤولين لأجندات دول مجاورة. لم نسمع لحد الآن عن فضح شبكة تجسس واحدة أو إلقاء قبض على جاسوس واحد! أو صدور حكم قضائي على جاسوس! فهل العراق فعلا خالي من الجواسيس؟ أم أن الجواسيس هم الذين يحكمونه؟ الطريف ان المالكي في تصريح له يوم20/1/201 دعا العراقيين إلى" الحيطة والحذر من الأجندات السياسية والتدخلات الإقليمية". حقا طبيب يداوي الناس وهو عليل!

بعد توالي الخيبات تلو الخيبات من مواقف المرجعية وتبين للأعمى والبصير، وللعاقل وغير العاقل شراء ذمم المراجع من قبل دول الإستكبار العالمي، وما ورد في مذكرات الساسة الأجانب عن تجنيد المرجعية لخدمة قوات الغزو في حربها الصليبية ضد العراق، علاوة على الفساد الأخلاقي لوكلاء المرجع الأعلى وعبثهم بشرف النساء في جنوب العراق. ومسلسل الفضائح الحكومية من فساد مالي واخلاقي. وحيث أن الحكومة هي نطفة نتجت عن تلاقح  ادارة الإحتلال مع المرجعية، ولأنها ولدت من رحم المرجعية لا غيرها. لذا تتحمل المرجعية بشكل مباشر كل عار وشنار الحكومة. فنحن لا ننسى الشعارات التي رفعتها المرجعية لتنزية العملاء والفاسدين من أتباعها ووصلت الى حرمة النساء على أزواجهن في حال عدم إنتخاب قوائم آل البيت. ولا ننسى تعطيل الدراسة في الحوزة، وإرسال طلابها كمعتمدين للسيستاني يحملون رسالة شفوية من سماحته للعشائر لإنتخاب قوائم آل البيت!

جاء قرار المرجعية بغلق بابها تجاه السياسين- بعد أن فاضت مجاري الحكومة بالجيف وإنجرفت سيول منها الى حوزة النجف- كمحاولة يائسة للتنصل من المسؤلية الأخلاقية والشرعية. فالمرجعية هي التي اشعلت نار الفساد الحكومي، لذا فهي أولى من غيرها بأن تطفئها، ولا تتهرب وتنكفأ في الكهوف، كأن الأمر لم يعد يعنيها.

إنه موقف ضعيف ومتخاذل لا يليق بمن يدعي إحترام شرائع السماء والأرض أن يتخذه. ومع هذا فقد كانت المرجعية كاذبة حتى في دعواها تلك! وما أكثر كذبها! تستذكرون قول المرجع بأنه يقف على مسافة واحدة من كل القوائم الإنتخابية وانكشفت كذبته على يد مرجع آخر من بيت الحوزة نفسها وليس من جيرانها، وهو محمد اسحق الفياض في لقاء متلفز موجود على شبكة الأنترنيت! كذلك تعهد السيستاني بأنه لن تمر الإتفاقية الامنية بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق إلا على جثته! ولكنها مرت بهدوء وثقة من تحت أجفانه، ولم ينبس بكلمة لا هو ولا وكلائه!

وآخرها أعلان المرجع بغلق بابه امام  المسئولين الحكوميين بسب فسادهم وعدم إهتمامهم بمصالح الشعب، فإذا به يفتح شباكه خلسة لدخولهم بسرية. فقد إلتقى المرجع بوفد المالكي الذي ضمُ حسين الشهرستاني وعبد الحليم الزهيري خلال إستشارتهم له حول نية نوري المالكي بحل البرلمان للأنفراد بالملعب وحده. وقد حذرت المرجعية الوفد من مغبة هذا الإجراء الخطير ووصفته بالخط الأحمر. وكذلك لقاء إبراهيم الجعفري بالمرجعية لمعرفة رأيها حول تمديد ولاية المالكي لثالثة! حيث رفضت المرجعية تمديد الرئاسات الثلاث لأكثر من ولايتين.

لذا فمن يدعي بأن المرجعية قد نأت عن تدخلها في الشئون السياسية للبلد فإنه مخدوع. ومن يظن بأن المرجعية اغلقت بابها امام زيارات المسؤولين فإنه مستغفل تماما.هؤلاء السياسيون الفاسدون قد فقستهم المرجعية واحتضنتهم حتى بلغوا الرشد، فليس من المعقول ان تتخلى عنهم. وإن إدعت ذلك فضع نصب عينيك عقيدة التقية! فهي تظهر غير ما تبطن وهذا نصف دينها.

على العكس من ذلك فقد اعتذر فضيلة الشيخ مفتي العراق( د. عبد الملك السعدي) عن إستقبال أي من البرلمانيين والمسؤولين الحكوميين الذين أزدادت- سبحان مغير الأحوال- طلباتهم لمقابلة فضيلته في مكتبه الخاص. طالبا منهم التوجه الى ساحات الإعتصام لمناقشة طلبات المعتصمين. فالقرار ليس بيده! بل بيد العراقيين المعتصمين. وليس من حق أي شخص(بما فيهم فضيلته) أن يفاوض نيابة عنهم! انظر الفرق بين مواقف المرجعية الشيعية والمرجعية السنية! ليتبين لك من يطبق شرع الله، ويحترم إرادة العراقيين، وينأى عن نفسه بأن يكون وصيا عليهم.

صحيح إن مواقف المرجعية الجديدة تمثل انعطافا حادا عن مواقفها السابقة وتتناغم مع متطلبات الشارع العراقي حول رفض حلٌ البرلمان، وحصر ولاية الرئاسات الثلاث بولايتين، والإعتراف بإقصاء اهل السنة ومظلوميتهم! ولكن توقيت تلك المواقف جاء بعد إنتفاضة الأنبار وليس قبلها! فأين كانت المرجعية وسيوف جلاديها من اتباع آل البيت مسلطة على رقاب السنة منذ عشر سنوات تقريبا؟ ومن الذي بارك الدستور الملغم بألغام الطائفية والعنصرية وحث على التصويت عليه؟ ومن الذي زكى الجواسيس والفاسدين والمزورين والمأبونين والمجرمين ليتسلموا دفة الحكم؟

أن يهرول السياسيون والبرلمانيون الى مرجعية النجف لكي تبارك قراراتهم، أو لأخذ مشورتها أو الإستئناس برأيها! قد فهمنا سر بواعثه وتهافت دوافعه. وهو أمر يتنافى مع الدستور والنهج الديمقراطي الذي تدعيه الحكومة الطائفية!

لكن ان يصل الإسفاف بممثلي الأمم المتحدة والجامعة العربية للمشاركة في مارثون المرجعية فهذا مما لا نفهمه مطلقا! أن يلتقي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة او ممثل الجامعة العربي بشخصية حكومية أو برلمانية تعد صيغة مراسمية صحيحة ومتعارف عليها في العلاقات الدولية. وحتى اللقاء مع مرجع ديني عراقي له تأثير على الرأي العام العراقي يمكن تفهمه وقبوله. أما أن يلتقيا برجل دين أجنبي لا يحمل جنسية عراقية ويحلٌ ضيفا على العراق لإستشارته في أمر يخص الشعب العراقي عموما وليس طائفته فقط. فهذه قمة المهانة والتملق والرذالة.

وافتنا الأخبار مؤخرا بأن الأمم المتحدة تتتشاور مع السيستاني حول إجراء إنتخابات مبكرة العراق وذلك خلال زيارة الثعلب الأممي الماكر (مارتن كوبلر) للسيستاني في بيته! وزيادة في الإسفاف والإنحطاط توجه كوبلر لزيارة مرقد الإمام علي(رض) لعله يحظى بسيف ذي الفقار أسوة برامسفيلد الذي كرمه إبراهيم الجعفري بسيف الإمام! وإمعانا في إهانة النفس والمنصب الأممي الرفيع يتوجه الثعلب الأممي مشيا على الإقدام وربما على أربع لمقام سيده السيستاني. مع كل هذا النفاق والدجل والتملق أخفق كوبلر في مهمته! بسبب رفض المرجعية لإجراء إنتخابات مبكرة، لأنه برأيها سيفاقم المشكلة بدلا من حلها وفق نظريتها الاستراتيجية العميقه وتحليها السياسي، وترتأي بأن أفضل طريقة لمعالجة الأوضاع المتأزمة أن يكون الحل عبر الدستور الذي باركته.

فإذا كانت الأمم المتحدة والجامعة العربية ينحدران الى هاوية الإبتذال والإنحطاط والمهانة بزيارة المراجع الأجانب لأستشارتهم في أمور العراق! فهل نعتب على مارثون السياسيين العراقيين للنجف؟

وفي محاولة متأخرة عن موعدها سبع سنوات- أي منذ الحرب الأهلية عام 2006 التي قادها إبراهيم الجعفري ضد أهل السنة- ولكي يبعد عنه صفة الإنحياز للجانب الشيعي. قرر كوبلر زيارة سماحة الأستاذ الدكتور عبد الملك السعدي. الذي عاتبه بكلام موزون وصريح جدا بل في منتهى الهدوء والحكمة عن الموقف غير الحيادي للأمم المتحدة تجاه مظلومية أهل السنه في العراق قائلا" لدينا عتاب على الأمم المتحدة وعن سكوتها على ما يجري من ظلم على الشعب العراقي- لاحظ لم يخصص فضيلته أهل السنة فقط- ونحملها المسؤولية". وعندما طلب كوبلر نصيحة الشيخ للأمم المتحدة عما تفعله لإحتواء الأزمة؟ كان ردٌ سماحته مفحما" لم يبق شيء خافِ فيما يجري في العراق، لم يبقَ شيء مكتوم! فالحكومة العراقية الحالية موجهة من إيران، وتعمل على أساس تنفيذ رغبة إيران ومخططاتها في العراق". بالطبع لاذ كوبلر بالصمت لأنه فهم المغزى مما يؤمى سماحته له!

ولم ينسى الشيخ أن يودع كوبلر بوخزة موجعة في الصميم، على ما صرح به كوبلر سابقا بأن بعض مطالب المتظاهرين غير قانونية! حيث ردٌ فضيلته بأن" هذا الأمر هو شأن عراقي، وهو فقط الذي يقرر إن كانت قانونية أو لا"! وحاول كوبلر الخروج من المأزق مترنحا على حبال المكر، مصدوعا من معرفة الشيخ وافر الظل بدقائق الأمور. قائلا" لم أقل ذلك- بالطبع يكذب كوبلر لأنه قال ذلك- بل قلت غير واقعية". فعاجله الشيخ بالضربة القاضية" كان عليك أن تقول غير فورية ولا تقول غير واقعية"! وكما عاد كوبلرخائبا من المرجعية الشيعية، عاد أيضا يجر أذيال الهزيمة والفضيحة من المرجعية السنية. وهكذا تتوالى الخيبات الأممية.

ولنا وقفة أخرى بإذن الله تعالى.