المتشككون في إجرام النظام السوري
المتشككون في إجرام النظام السوري
بدر الدين حسن قربي /سوريا
ستبقى مجزرة جامعة حلب التي كانت الثلاثاء الأسود يوم 15 كانون الثاني/يناير 2013 عملاً إجرامياً انعدمت فيه كل معاني الأخلاق والقيم الإنسانية، ومن يعرف تاريخ النظام الإجرامي من يوم تأسيسه على يد الأسد الأب، لايستغرب أن تكون مجزرة الجامعة حلقة في سلسلة أعمال إجرامية كثيرة وممنهجة في تاريخه. وعليه، فقد حاول النظام أن يرمي بفعلته على معارضته المسلحة، كعادته في الفبركة والكذب، وقد صدّق الرواية بعضٌ من أصحاب النوايا الحسنة وآخرون غيرهم من مؤيدين وموالين ومنحبكجية حداً بلغ بهم حد المجادلة بها والعياذ بالله.
ولتحرير المسألة نستدعي هنا عموم مشهد الدم على امتداد الأرض السورية في يوم المجزرة الأسود تحديداً لفهم حقيقة ماكان ومايقال إن صدقاً وإن كذباً لنصل منها إلى الحقيقة التي يحاول النظام كعادته، المراوغة فيها والتغطية عليها كعادته دائماً. لقد كانت حصيلة ذلك اليوم 263 قتيلاً، منهم 15 طفلاً وسبع نساء، ومنهم أيضاً 112 قتيلاً في حلب، ثلاثة وثمانون منهم في الجامعة و تسعة وعشرون في أماكن أخرى. كما تمّ إحصاء 340 منطقة في مختلف أنحاء البلاد تمّ قصفها من قبل قوات النظام، حيث شهدت حوالي 138 منطقة قصفاً بمدافع الهاون و62 منطقة قصفاً براجمات الصواريخ و120 منطقة قصفاً بالمدفعية الثقيلة، كما شن سلاح الجو غارات جوية على 24 منطقة منها خمسة مناطق قصفت بالقنابل العنقودية.
نأخذ الحدثين الأهمين من المشهد، أولهما جريمة قصف جامعة حلب الساعة الواحدة ظهراً، الذي تسبب بدمار هائل ومريع ومقتل 83 شخصاً مباشرة والذي تمّ تدواله إعلامياً بشكل كبير. وثانيهما وهو الأهم لطبيعته وتوحشه والذي صاحبه صمت إعلامي لايتناسب وفظاعته، فقد كان قبيل ساعةٍ من الأول، أي الثانية عشر ظهر يوم الثلاثاء. حيث تمّ اقتحام قرية الحصوية الواقعة شمال مدينة حمص والقريبة منها جداً والتي لايتجاوز عدد سكانها الألفين، وذلك من قبل قوات الأمن والشبيحة بزعم التفتيش، وقد بلغ عدد الضحايا أكثر من مئة وستة قتلى بينهم 16 طفلاً و 12 امرأة. تنّوع قتلهم مابين ضرب بالرصاص وذبح بالسكاكين وحرق بالنار، وقد شمل ذلك أيضاً إبادة عوائل بأكملها واغتصاب أكثر من أربعين من النساء. وفي استكمال فظاعات المشهد ووحشيته، فقد ذكر شهود العيان أنه تم إحراق العديد من المنازل والحظائر وبعض الأراضي الزراعية، وسرقة الكثير من محتويات المنازل وأخذ مالدى أصحابها ونسائها من النقود والمصوغات الذهبية.
إن رؤية المشهد العام لجرائم النظام السوري يوم الثلاثاء تحديداً، بما كان من مئات القتلى، ومئات المناطق التي تمّ قصفها بالهاونات وراجمات الصورايخ والمدفعية بما فيها الغارات الجوية بالطيران واستخدامها القنابل العنقودية، ثم رؤية المشهد الخاص معه في ذات اليوم، لما كان في مجزرة الحصوية من توحش القتل والذبح والاغتصاب والحرق والتدمير، فلسوف تأخذ هاتان الرؤيتان معاً، كل من يمتلك ذرة من الضمير والخلق، وبعض القيم والإنسانية إلى أن مجزرة الجامعة تبدو في سياق مايفعله النطام أمراً عادياً، فاعله معلوم من خلال أعماله اليومية في الإجرام على امتداد الواحد وعشرين شهراً الأخيرة على الأقل، بل هي واحدة مكمّلة لأربع وعشرين غارة نفذها في ذاك اليوم على مناطق أخرى من سوريا.
مجزرة جامعة حلب وصمة عار تضاف إلى سجل نظام متوحش دموي، وأبلغ منها وفي نفس اليوم مجزرة الحصوية، وقبلها مجازر المخابز ومحطات الوقود والمساجد والكنائس والمدن وأسواقها التاريخية والبلدات والأرياف والآلاف من القتلى، تأتي كلها بمثابة عشرات آلاف الشهود والشواهد على إجرامية نظام متوحش، ولكن الغريب والأغرب والعجيب والأعجيب بعد كل هذه الشهادت والشهود والشواهد أن تجد سورياً يشكك ويتشكك في إجرامه ممّن نعيذه بالله أن يكون من المشبّحين.