هل تغير شيء؟ ... نقاط على الحروف 1
هل تغير شيء؟ ... نقاط على الحروف
(1)
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إلى أين تسير البلد؟ وإلى أي وجهة وجوهنا نوليها؟
هل وضعنا الخطى على الطريق؟ وهل هو المسار الصحيح، عقدنا عليه فعلا العزم، وصححنا له القصد، وأحسنا له العمل؟ أم بالبوصلة خلل، وفي الخطى زلل؟
يقول الحريصون الذين كانت لهم أياد على الثورة بيضاء منذ أيامها الأولى، وكلّفتهم أعز ما يملكون؛ أرواحهم وأولادهم وأموالهم: إنهم خرجوا على نظام القذافي لأجل أهداف واضحة كالشمس، لا اختلاف عليها، ولا التباس فيها.
خرجوا على الظلم والقهر، والسجون والموت والذعر!
خرجوا على الانحلال والتفسخ، وفساد الأخلاق والتلطخ، وعلى ذهاب الدين وعمل المفسدين!
خرجوا على رشاوى الوظيفة والإدارة، وعمولات الرئاسة والوزارة، واختلاق المشاريع الوهمية، لسرقة المال العام بأرقام خيالية!
خرجوا على الإعلام المضلل، ونشر الأفكار الهدامة التالفة، وإذاعة كُفريات النظرية العالمية الثالثة، التي تحرم الحلال، وتحلل الحرام، يعلنه ويردده بنفسه رأسُ النظام!
خرجوا على عصابات ظالمة، متحكمة متجبرة، لها مراكز قوة فوق القانون مستكبرة، يدها طليقة، وشهواتها عربيدة!
خرجوا على مناهج تعليم حُذفت من مفرداتها السُنَّة والثقافة الإسلامية، ووُضعت مكانها المجتمع الجماهيري والثقافة السياسية!
خرجوا على الفساد المالي والإداري، ونهب المال العام من القاصي والداني!
خرجوا على أجهزة أمن واستخبارات، الأمن عندها ليس إلا تتبع خصوم النظام، وإيداعهم غياهب سجون الظلام!
خرجوا على خدمات صحية مفقودة، ومواصلات عامة معدومة!
خرجوا عما كان يسمى الاتصال الخارجي، والمكاتب الشعبية! هكذا سموها (إن هي إلا أسماء سميتموها)، على خلاف تسميات الدنيا قاطبة! مكاتب لايترأسها ـ في غالب الأحوال ـ إلا من كان بيّن النفاق في المقال، عليم اللسان، قادرا على تزوير الكلام والبيان، حاملا لكتابه والنظرية، ولا يتردد في الخدمات اللا أخلاقية!
هذا بعض الذي خرج من أجله أهل ليبيا؛ ثوارها الأشاوس، وجنودها البواسل، وأبطالها الكواسر.
فهل تغير شيء؟ الجواب، يقول الحريصون: لا، بل القلق يتزايد علينا مع الأيام!
الفساد المالي يتفاقم على كل المستويات، في الداخل وفي الخارج!
في الداخل، مراكز قوة تشكلت وأثرت ثراء فاشحا سريعا باستغلال المناصب، واستعمال النفوذ، وتملك السلاح، منها من كان طول عمره خادما مطيعا لنظام القذافي بأريحية، إلى آخر لحظة، أو حتى متطوعا مع كتائبه، يقاتل الثوار، أو لا هذا ولا ذاك ولكن لم يكن له شأن عندما كان الموت يخطَف الرجال في ميادين القاتل، والآن، صاروا من القادة في صفوف الثورة، ويوجهون سياسة الدولة، الأمر أمرهم، والنهي نهيهم، ومن خرج من الثوار عن طوعهم، عليه أن يأتزر الفاقة، ويرتدي الحرمان!
وفي الخارج، السفارات والبعثات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية،لم يتغير عليها شيء، أكثرها لا يزال يدار بعقلية المكاتب الشعبية، والتحويلات المالية للعلاج ولغير العلاج بالخارج، تتعرض لاحتيالات ومساومات، ورشاوى كبيرة، ونهب وإهدار للمال العام، على نطاق واسع، لم يكن من قبل، والدولة لا أظن أنه يخفى عليها هذا وأمثاله، ولم نر إلى حد الآن أحدا يحاسب!
فما أشبه اليوم بالأمس! كِدنا أن نعيد الدرس!
كان رئيس المؤسسة إذا فشل وأفلست الإدارة، قالوا له: أنت أليق بالسفارة! فبدل اللوم على الفشل والتقصير، يُرفع له الشأن ويُعطى التقدير!!
فالمكافآت في بلادنا في العهد المنحوس، وكذلك يبدو هي اليوم تمشي بالمعكوس!
أعلنت إحدى النساء إلحادها في الصفحات هذه الأيام على رؤوس الأشهاد، فكافأها وزير الثقافة بالإيفاد! ورأى أنها خير من يُبَيِّض وجه ليبيا في معرض الكتاب!
والسؤال هل تم الاختيار وَفاءً بحقوق المرأة؟ أم وفاء لدم شهداء الثورة، الذين رأى الوزير أن أعينهم لا تقر إلا بالاستفادة من هذه الخبرة؟!
الفساد الأخلاقي؛ التفسخ والانحلال والخمور، والمخدرات والتبرج والسفور، والاختلاط الفاسد المدمر للأخلاق، وضبط حالات الانحراف والفجور، في الجامعات وفي غير الجامعات، وهو يكبر ويتوسع، بل يتشرعن ويتقنن في ظل الإعلام المحرِّش، والتوجيه المحرِّض، وتقليص الفرص فيه للمخلصين، والتضييق على الدعاة والمصلحين، حتى صار الإعلان بالردة بَواحا، والدعوة إلى التشيع والرفض صُراحا، باسم حرية المعتقد والفكر، وحرية الكلمة والرأي!!
الإعلام للأسف لا يمانع من نشر مثل هذا الالحاد، بل يدافع عنه باسم حرية الرأي والاعتقاد!
إذا كان هذا يدخل في الحرية التي خرج من أجلها الليبيون، فلماذا أنكرتم على القذافي نظرياته العالمية وكتابه وأكاذيبه الجماهرية، أليست هي أيضا بهذا المعنى حرية؟ أم إن كذب القذافي فساد وطغيان، وكذب غيره حرية وحقوق إنسان؟! وإذا كان الكذب كله فسادا ـ ولا شك أنه كذلك ـ فكيف كان الكذب فسادا وطغيانا، والردة والدعوة إلى الإلحاد حرية معتقد وحقوق إنسان؟!
كيف يستقبح العقلاء الكذب، ولا يستقبحون الكفر؟ انتبه أيها المسلم، الكفر أعظم!
والسؤال مرة ثانية، هل تغير شيء من الذي منه نقاسي؟ وهل أدركتم الآن، لماذا الاعتراض عن العزل السياسي؟!