السوريون أَوْلَى ببعضِهم من الآخرين

محمد عبد الرازق

لقد باتَتْ أوضاع السوريين النازحين ( داخليًّا، و خارجيًّا ) مكشوفة لكلّ ذي عينين، و لم يَعُد ثمَّة عذرٌ لمعتذر؛ و لاسيّما بعد أن داهم المنطقة هذا المنخض الجوي البارد، الذي لم تشهده المنطقة منذ عقدين.

لقد بات هؤلاء المنكوبون ثلاثة ليالٍ في العراء بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة؛ فهذه الخيام لا تعني لهم سكنًا حتى و إن كابر مَن كابرَ، و جعلَ من نفسه مُشفقًا يتصدّق بها عليهم.

إنَّ المشاهد التي نقلتها وسائلُ الإعلام للخيام المنهدمة فوق رؤوسهم، أو الغارقة بقيعان الأمطار، أو المُتهدِّلة بسبب قطع الثلج، و للأطفال الذين تعرّت أقدامهم و هم يخوضون في المستنقعات، و للشيوخ و العجائز و هم يبكون من جور الزمان عليهم، و للرضع الذين عضهم البردُ بأسنانه؛ ففارقوا الحياة من أَلم عضته.

إنّ هذه المشاهد ستبقى وصمة عارٍ تلاحق كلَّ مَنْ أَساءَ لقضيتهم ، و كلَّ من قبضَ يدَه عنهم؛ سواءٌ من أبناء القضية السورية، أو من أبناء العمومة، أو الدين، أو الإنسانية.

إنهم ليسوا بأقلّ إنسانية من منكوبي إعصار كاترينا، أو ساندي؛ اللذين سارع أصحاب النخوة و الشهامة العربية إلى جبر خواطر الإخوة الأمريكان في الأخير منهما بما يزيد على النصف مليار دولار، علمًا أنه قد باغتهم  ساندي و هم آمنون مطمئنون في بيوتهم. هذا فضلاً على أن خلفهم دولة، و مؤسسات خيرية عوّضتهم عن كل ما لحق بهم من خسائر.

و بعيدًا عن هول الفاجعة نقول: إنَّ مُصاب هؤلاء السوريين هو مُصاب السوريين أنفسهم، قبل أن يكون مَصاب غيرهم؛ و عليه هُمْ أَوْلَى ببعضهم من غيرهم، و عليهم ألاَّ يبيعوا أَلَمَهم لغيرهم، و ألاَّ يندبوا حظَّهم أمام مَنْ لا يرى فيما حلَّ بهم إلاَّ بعضًا ممَّا جَنَوْه على أنفسهم بفعل أيديهم.

لقد كان ما كان من أمر هذه الأيام العجاف، و تلقّى هؤلاء النازحون مُرَّ شدتها بصدور مليئة بالألم، و الشكوى؛ و حتى لا تفاجئنا أيام أخرى مثلها، و حتى لا يدهمنا مطبٌ جويٌّ باردٌ آخر ـــ و أيام الشتاء مازالت في بداياتها ــ علينا أن نتعظ ممّا كان، و نُعِدّ للأمر عُدْتَه، و نتهيّأ لقادم الأيام من خلال الاِلتفات للأمور الآتية:

1ـ على السوريين، و لاسيّما في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة أن يجعلوا من قضية هؤلاء النازحين قضية وطنية، هم أولى بها من الآخرين مهما كانت تكلفتها.

2ـ عليهم ألاَّ يريقوا ماء وجوههم في سبيل استنهاض هِمَم المجتمع ( العربي، و الإسلامي، و الدّولي ) من أجل القيام بواجبه تجاههم؛ فما أتى إليهم منها بطيب نفس فحيهلا به، و ما كان بغير ذلك أغنانا الله عنه.

3ـ عليهم أن يسبروا صفوفهم للبحث عن أصحاب الخبرة، و الكفاءات من المهندسين، و رجال الإعمار لابتكار الحلول الناجعة لتلافي مثل هذه الفواجع.

4ـ عليهم إذا أعيتهم الحلول؛ سواء بسبب تكلفتها المادية، أو ضيق الوقت أن يلتفتوا إلى ما هو متيسرٌ منها، و قائمٌ. و أقربها إلى متناول اليد مباني الدولة، و المدارس، و المساجد، في المناطق المحررة، و على الخصوص ما كان منها قريبًا من الحدود التركية؛ حتى تكون قريبة من مصادر الإغاثة الخارجية، و يكون الوصول إليها ممن يأتي من خارج القطر متيسرًا. و هي مهما بدت فيها من عورات أفضل من هذه الخيام المنتشرة في كروم الزيتون، أو في العراء.

و لعلّ هناك من يرى في مقترح المدارس تفويتًا على الطلبة الذين يرتادونها؛ و لذلك لا بأس أن يجعل دوام الطلبة على فترتين ( صباحًا، و ظهيرة ) في بعض منها، و يجعل البعض الآخر مأوًا لهذه العوائل النازحة داخليًّا.

و كما هو واضح نحن في ظرف استثنائي، و علينا أن نوجد من الحلول ما نُضطر إليه؛ و إن كان على حساب ما هو طبيعي من الأمور في الحالات العادية.