حُلُّوا عَنَّا
ربيع عرابي
لعل أسوأ ما يمكن للمرء أن يراه في حياته هو مشهد صاحب ملهى ليلي في الثمانين من عمره ... يتمايل على موائد خمره المغشوش حثالة من السكارى أينعهم شبابا جاوز الستين ... وقد جاء لهم براقصة عجوز أثرية من إحدى زوايا حانوته المظلم ... تتمايل وتتراقص أمامهم بصعوبة بالغة بعد أن غطت التجاعيد والبثور وجهها وجسمها الذابل ... وهي تحاول هز خصرها على أنغام أسطوانة مشروخة أكل الدهر عليها وشرب.
هذا هو اليوم حال ما يسمى بالمجتمع الدولي ومنظماته الأممية وشرعيته المنكوسة التي أخرجها جميعها الشعب السوري من الخدمة ببطولاته وتضحياته وشهدائه وصبره وعزيمته ... هذه هي صورتها الحقيقية حين ترسل "أسودها الإسرائيلي" ... "وسيطا" ... في "الأزمة السورية" ليستعرض مواهبه الشائخة ومفاتنه الذابلة أمام عصابة من القتلة المأجورين ممن أدمنوا سفك دماء الأبرياء وذبح النساء والأطفال .
لمعلوماتكم أيها المخرفون المخربون الدوليون فالحالة السورية لها اسم وحيد ووصف وحيد لا ثاني له في أي لغة من لغات البشر أما فيما عداها من لغات البهائم والوحوش الضارية فلا ندري إن كانت تلك اللغات تحوي أوصافا مختلفة ... كما لا ندري مدى معرفتكم وعلاقتكم بهذه اللغات.
الحالة السورية هي ثورة شعب بكل أطيافه ومكوناته العرقية والدينية تتصدرها أكبر هذه المكونات وهي الأغلبية العربية السنية شريكة في ذلك مع باقي مكونات الشعب ... أحب ذلك منكم من أحب وكره من كره ... هي ثورة شعبية وليست أزمة سياسية ... فأزمة سوريا الوحيدة وداؤها الوحيد هو هذه العصابة المجرمة القاتلة التي إنما هي جزء من عصاباتكم الدولية المارقة وهي تمارس إجرامها بحق الشعب السوري بقيادتكم وزعامتكم وشراكتكم.
يقول المثل الشعبي القديم "يموت الزمار وأصابعه تلعب" فما دمتم قد عدتم إلى ممارسة مهنتكم القديمة بالرقص السياسي رغم قرف الشعوب الثائرة من أجسادكم وعقولكم الشائخة ... بما أنكم عدتم إلى ممارسة الرقص السياسي فوق أشلاء الضحايا وأمام دموع اليتامى والثكالى وبين دماء الشهداء ... فلماذا لا تخلعوا ثيابكم وأقنعتكم المزيفة وترتدوا ثياب العهر السياسي لتظهر عوراتكم وسوءاتكم القبيحة أما المعجبين من المجرمين.
هؤلاء القتلة والسفاحون الذين ولغوا في دماء السوريين هم أتباعكم تربوا في مدارسكم الفكرية وعلى أيدي حاخاماتكم ... هم أعضاء في جمعياتكم ومؤسساتكم الدولية السرية والعلنية ... هم شركاؤكم التجاريون أو على الأصح في النصب والإحتيال والسرقة ... سرقتم سوية قوت الناس وأرزاقهم وأحلامهم عبر مؤسساتكم وشركاتكم المشتركة ... أنتم أسستم أحزابهم الورقية ورعيتم قذاراتهم السياسية ... أنتم أوصلتموهم إلى السلطة بمخبريكم وذهبكم وأسلحتكم ... أنتم عقدتم معهم الصفقات المريبة في حزيران ورمضان واشتريتم منهم الجولان وغير الجولان ... ومولتم وبررتم جرائمهم في سوريا ولبنان وفلسطين وغيرها ... أنتم من بايعتم بشار ونصبتموه على عرش الشام ملكا جمهوريا فجعلتمونا أضحوكة بين الأمم والشعوب ... أنتم من أهديتموه وشاح فرسان مالطا أحفاد الحشاشين وفرسان الهيكل وشركاء بلاك ووتر في الجريمة المنظمة ... أنتم من أعطيتموه مكانا في منظمات شياطينكم السرية منها والعلنية.
حتى إذا ما وقع الفاس في الراس وقام في وجهكم ووجه طغيانكم وجبروتكم المظلومون والمقهورون والمعذبون في كل بقعة وكل شبر من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن وبدأت النار التي أشعلتموها أنتم بحماقتكم وغروركم تحرق أصابعكم في سوريا حين صب المجرم الأحمق الزيت على النار بدلا من الماء ... أدركتم حينها أن الأمر خطير جد خطير ... وأن نار البوعزيزي في سوريا ليست كمثلها في تونس ... وأنها ستحولكم إلى ذكريات في مزابل التاريخ.
أتذكرون ...
حينما كان الشهداء بالمئات والمهجرون قلة ...
قال لكم الشعب السوري حينها ... لمؤسساتكم الإقليمية والدولية ...
كفوا يد هذا الظالم وارفعوا السيف الذي أعطيتموه عن رقاب الناس ...
أتذكرون ...
حين أصبح الشهداء بالألوف وبدأ المهجرون يملؤون مخيمات الذل في الدول المجاورة ...
قال لكم الشعب السوري حينها ... لمؤسساتكم الإقليمية والدولية ...
أين حظركم الجوي لتمنعوا هذا القاتل من نقل العتاد وهدم المدن والبلدات ...
أتذكرون ...
حين أصبح الشهداء بعشرات الألوف والمهجرون بالملايين ...
قال لكم الشعب السوري حينها ... لمؤسساتكم الإقليمية والدولية ...
أين جيوشكم ودعمكم بالسلاح والمال والمؤن ... أين أصدقاء سورية أين دول الجوار أين روابط العروبة والإسلام والمسيحية والإنسانية ... أين منظماتكم الدولية وفصلكم السابع وأممكم المنتكسة ...
أتذكرون ...
واليوم بعد أن تعطل عداد الشهداء فربهم أعلم بهم وبأعدادهم الحقيقية وأصبح ثلاثة أرباع الشعب السوري في زمرة المهجرين والمغربين والفارين والمفقودين تلاحقهم أجهزة مخابراتكم القميئة وتسرق أموال إغاثتهم منظماتكم الدنيئة ... بعد أن دمرت البيوت والممتلكات وقتل الأطفال وانتهكت الأعراض وأغلقتم جميع حدودكم وأوصدتم جميع أبوابكم لنصرة هذا الشعب المجاهد ... وبعد أن أعطيتم الضوء الأخضر لهذا المأفون وعصابته المجرمة لإستخدام الأسلحة الكيماوية والصواريخ البالستية والقنابل العنقودية ...
قال لكم الشعب السوري عندها ... لجميع مؤسساتكم ومنظماتكم المحلية والإقليمية والدولية ... الإنسانية منها والسياسية والترفيهية ... قال لكم الشعب جميعا وبدون استثناء : حُلُّوا عَنَّا ... ارحلوا و حُلُّوا عَنَّا ... قبحكم الله من أصدقاء وقبحها من شرعية دولية ومن منظمات ترعى وتقنن قتل الشعوب وهدر دمائها وتحمي المجرمين والقتلة وتبحث لهم عن مخارج مشرفة آمنة.
وقال الشعب السوري كلمته الأخيرة ... كلمته الفصل ... فقطع بكلمته هذه قول جميع الخطباء والمنافقين والمزاودين والمضللين والمتربحين و تجار الدماء.
قال الشعب السوري كلمته الأخيرة وكانت الفصل في القول :
مالنا غيرك يا الله ... مالنا غيرك يا الله ... مالنا غيرك ياالله
قالها بلسانه ... بقسمات وجهه ... بعيونه الدامعة ... بصدره الطاهر ... بقلبه الخاشع ... بأصبعه الشاهدة ... بدمائه النازفة ... بأولاده المذبوحين ... بأمه المشردة ... ببيته المهدم ... بأخيه الأسير ... ببطنه الجائعة ...
مالنا غيرك يا الله ... رددها معه ... ورد الشام ... وفل الشام ... وعصافير الشام ... وينابيع الشام ... وشجر الجوز ... وكروم العنب ... وأشجار الزيتون والفستق ... وسنابل القمح ... وجموع الماشية ... وبردى ... والعاصي ... والفرات ... ورمال تدمر ... وثلوج الجبال ... وملائكة الرحمن في السماء ... قالوها بالعربية والكردية وربما الأمازيغية وبكل لغات الدنيا وكل بيان الكون.
فسرعان ماجاءه مدد خير من مددكم ونصر خير من نصركم وشرع خير من شرعتكم ... ومن الأحمق الجاهل الذي يستبدل ملائكة المنتقم الجبار وريح الجبار القهار بساستكم الذين أدمنوا النوم في أحضان الشياطين.
وما إن شعرتم بالخطر الوشيك من وقوع هذا المأفون وعصابته في أيدي المجاهدين الثائرين وسقوط أقنعتكم الزائفة المشوهة وانكشاف عوراتكم القميئة حتى أرسلتم هذا الأسود الإسرائيلي لعله يتمكن من مد القتلة بطوق نجاة.
والشعب السوري يؤكد لكم غير خائف ولا متردد ولا وجل
بأنه لا وساطة من أي نوع كان وتحت أي اسم كان بأي لغة بشرية أو غيرها بين القاتل وأولياء دم الشهداء ... بين المجرم وضحايا التعذيب والإغتصاب والإعتقال ... بين السارق والمهجرين والمنكوبين .
وأن أموال الدنيا كلها ... وتعويضات الدنيا كلها لا تساوي عند الشعب السوري قطرة دم واحدة لطفلة من شهداء الحولة أو داريا أو حلفايا أو درعا أو دير الزور ... وأن كل وعودكم واستثماراتكم وشركاتكم لا تكفكف دمعة يتيم واحد أو صرخة عرض مكلوم.
ونقول لكم أنه لو اعتقلتم أنتم بشار وأعدمتموه أمام أعين الناس وشاشات التلفاز كما فعلتم مع صدام في العراق ... فلن يقبل الشعب السوري بذلك.
لا ندري ما جنسياتكم ولغاتكم وفصيلتكم ... لكننا عرب ومسلمون ... ولن نقبل إلا باستسلام هذه العصابة غير المشروط ... الإستسلام التام الكامل دون قيد أو شرط ... ليقام عليها حكم الأمة العدل الذي هو حكم الله العزيز الجبار القهار.
ونعلمكم أنه لم يبق للشعب السوري ما يخسره بعد أن عاث هؤلاء القتلة فسادا و إفسادا في الأرض فأهلكوا الحرث والنسل ودمروا البلاد والعباد ... ولم يعد لدى الشعب السوري مايعبده من أصنامكم وترفكم بعد أن بذل كل ما يملك و أخلص قلبه وروحه لله ... فلم يبق أمامكم وأمامه إلا حلان اثنان لا ثالث لهما : إما أن تخضع هذه العصابة كلها من رأسها إلى أصغر تابع لها ومن ورائها المجتمع الدولي ومؤسساته ومنظماته وشركاته لإرادة الشعب السوري ... أو أن يباد الشعب السوري عن بكرة أبيه شهيدا في سبيل كرامته وحريته.
حُلُّوا عَنَّا ...
خذوا أخضركم هذا ... و حُلُّوا عَنَّا ...
خذوا جامعتكم العبرية ومؤامرتكم الإسلامية ... و حُلُّوا عَنَّا ...
خذوا مجلس غدركم الدولي وجمعية أممكم المنتكسة ... و حُلُّوا عَنَّا ...
خذوا أصدقاء قتلة الشعب السوري ... و حُلُّوا عَنَّا ...
خذوا مجالسكم وائتلافاتكم المشبوهة ... و حُلُّوا عَنَّا ...
خذوا عصاباتكم وأراجوزاتكم وعملاءكم ... و حُلُّوا عَنَّا ...
ليس لديكم أي أمل بالنجاح فاللعبة قد انتهت والصحف قد طويت ومدتكم قد ولت فلم يبق لكم إلا الإقرار بالهزيمة في الدنيا والخسران المبين في الآخرة ... فثوار سوريا وأحرار مصر وأبطال ليبيا وأبرار تونس وأشبال اليمن ومرابطوا فلسطين وملائكة الكون جميعهم جنود رب العالمين ... وأنتم وأخضركم هذا وبان كيمونكم وعنانكم وجميع شياطينكم من الجن والإنس جنود إبليس اللعين ... والعاقبة للمتقين
" كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٢١﴾" المجادلة
" إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴿٥١﴾" غافر