هولاند جاء للتودد وطلب يد الجزائر

خليفة فهيم الجزائري

خليفة فهيم الجزائري/الجزائر

 [email protected]

من السذاجة الاعتقاد أن للجزائر مصالح حتمية لدى فرنسا تجعل من الجزائر تجري وتلهث وراء فرنسا وتبذل كل ما لديها، من اجل كسب بعض من الود والتقارب لقضاء مصالحها العالقة باختلافها لدى الطرف الأخر ،لكن الحقيقة غير ذلك لأننا نقرأ العكس لدى الطرف الأخر ونقصد به فرنسا التي ربما أصبحت بل وكانت وستظل بحاجة ماسة وملحة إلى الجزائر خاصة في الوقت الراهن ، فالجزائر لم تعد تلك الجزائر بعد احتفالها" بخمسينية" الاستقلال ، وطي خمسين عاما أو نصف قرن على زوال الاحتلال له الكثير من المعاني والدلالات في قاموس السياسة والساسة على حد سواء  ،فالجزائر كما نعلم أصبحت قوة لها وزنها وأثقل على كذا من صعيد ، حيث ومن الجانب السياسي استطاعت الجزائر أن تتجاوز الكثير من المسائل السياسية الساخنة والحرجة جدا ، خاصة ما تعلق بمواجهة الغليان الشعبي والحراك السياسي على غرار ما جرى ويجري في الكثير من البلدان العربية ، ومنها دول الجوار التي أصيبت بحمى الربيع العربي ، الجزائر كذلك أصبحت قوة أخرى مهمة فقد أصبحت صاحبة إستراتيجية أمنية وعسكرية في هذا المجال وصاحبة مكانة وخبرة اكتسبتها من الحرب العسيرة التي خاضتها ضد التطرف ، وبهذا الخصوص أصبحت الجزائر مرجع شورى واختصاص لدى كبرى دول العالم ، ذلك ما جعل أمريكا وحلفائها لا يخطون أي خطوة في محيط الجزائر وربما ابعد إلا ويطلبون مشورتها واعتقد ان الزيارة الأخيرة لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للجزائر كانت بهذا النحو  وأكدت السيدة في كذا من تصريح أنها استفادت واقتنعت بالرؤى الجزائرية ، وكان ملف أزمة دولة مالي دليل على ذلك إذ تقول كل المعطيات وما تسرب من معلومات انه بيد الجزائر وحدها وكاملا وفرنسا تدرك وتعرف ذلك جيدا ، و الجزائر اليوم قوة اقتصادية تجاوزت مراحل النشأة وهي صاحبة فائض مالي أسال لعاب الكثير من الدول المصنعة والمستثمرة في العديد من القطاعات ، وقد أطاح هذا الفائض حتى بصندوق النقد الدولي الذي تقدم إلى الجزائر بطلب قرض بعد الإفلاس ،كل هذه العوامل تجعل من الجزائر محطة استقطاب واهتمام كبرى الدول في مجال التعاون السياسي والاقتصادي والأمني ، فالجزائر لم تعد جسر عبور أو منبع مياه متدفقة تسقي مجانا كل من مر بها ، ولا حتى هي واحة تسر الزائر الناظر إليها ،لقد استفادت الجزائر كثيرا كما أسلفنا الذكر من التجربة الأمنية أو الحرب على الإرهاب ، وكان لتلك الحرب مؤثرات جانبية سلبية في نفس المواطن الجزائري عادت بالإيجاب على رجال السلطة ، حيث سجل تعاطف كبير وثقة تامة بين الشعب والسلطة بعد أن زكى الشعب السلطة القائمة ومباركته لها بالمطلق، كيف لا وهي التي استطاعت في نظره إنهاء حمامات الدم التي غرقت فيها البلاد ، مباشرة بعد ذلك ومع التغيير المحكم الذي حصل في هرم السلطة تخلت الجزائر مباشرة والفضل يعود إلى ساسة السلطة عن التبعية الأوروبية واتجهت نحو أسيا التي انفتحت عليها ، كما نجحت الجزائر وفي المجال الاقتصادي دائما بالتحكم في السوق والتجارة الخارجية ،لقد اكتسبت الجزائر كل هذا بعد أن تخلت لعقد فقط من الزمن عن التبعية الأوروبية أو بالأحرى الهيمنة الفرنسية على الجزائر بكل أشكالها، لذلك نقول من السذاجة أن تفكر الجزائر العودة إلى ذلك الماضي المنحط الذي ربطها بفرنسا ، فلا ننسى أن فرنسا قد تخلت عن الجزائر في أحلك الظروف والجزائر تأخذ ذلك بعين الاعتبار في عقيدتها السياسية ، وفرنسا ساومت الجزائر وهي تعيش أسوأ الأزمات بملفات ثقيلة كتلك المتعلقة بحقوق الإنسان حيث اتهمتها صراحة بارتكاب "المذابح" و"من يقتل من في الجزائر" كما حاولت فرنسا إقحام نفسها في الأزمة ، وفرنسا اليوم نادمة اشد الندم وتعرف أن الجزائر سجلت وحفظت لها ذلك في سجل سيئاتها، ولم يعد لفرنسا الآن أي فضل على الجزائر أو ديون سابقة تطالبها بها فعلى ماذا ستساوم فرنسا غير ما بدر منها أثناء الحقبة الاستعمارية وهو ملف الاعتذار وما عليه من غبار ، ملف تحاول فرنسا عن طريق بعض الأطراف داخل الجزائر أو الطابور الخامس الذي تحركه وبدوره يحاول تحريك السلطة في الجزائر وتحريك مشاعر الشارع للمطالبة بالاعتذار ليصبح ملف الاعتذار طبق جد دسم بين أيديها لعل وعسى .

من السذاجة الاعتقاد ان فرنسا قد تعترف بجرائمها التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري في الوقت الراهن ولا بعد عقود أخرى، وهي الآن تعيش أسوأ الأحوال خاصة الاقتصادية منها والأمنية وحاجتها إلى الجزائر ، حاجة الجزائر لفرنسا ابان العهد الاشتراكي والانسداد السياسي والاقتصادي الذي مرت به الجزائر ، واليوم وبكل بساطة فرنسا لم يعد بين أيديها ما تساوم عليه أو تجلس به إلى طاولة أي مفاوضات قد تقودها مع الجزائر إذا استدعت الضرورة غير الملف "اللعين"و"السمين" ملف الاعتذار ، لذلك ستضل فرنسا متمسكة به وتبني عليه أمال كبيرة ولن تتنازل عليه بتلك السهولة التي قد يتصورها البعض وساسة الجزائر يعرفون ذلك جيدا ،فالمتعارف عليه أن مثل هذه الملفات العالقة هي مفاتيح مهمة لدى الساسة تفتح العديد من الأبواب المغلقة وان طالها الصدأ ،لا بل تحاول فرنسا نسج خيال لملفات أخرى على غرار حادثة اغتيال رهبان "تيبحيرين" الذي تتهم فيه الجيش الجزائري بتنفيذ عملية الاغتيال والحقيقة غير ذلك ، ومن السذاجة الفرنسية الأخرى هي عدم اعترافها بجرائمها ، فلو اعترفت فرنسا وأنا صراحة لا أتمنى ذلك ، لان ذلك يعني أنها ستحتلنا مرة أخرى وستفتح لها كل الأبواب وستلقى تعاطف حكومي وشعبي كبير ولن يرفض لها طلب ، وهذه سمة 

لا اعتقد أن زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الجزائر كان تهم الجزائر بأي شيء، بقدر ما كانت تهم ومهمة بالنسبة إلى الجانب الفرنسي خاصة على الصعيد الأمني والاقتصادي ، ونحن نعلم أن الرئيس الفرنسي كان السباق إلى زيارة الجزائر ، أي الرغبة الفرنسية كانت جد ملحة إلى هذه الزيارة ، ونستطيع أن نقول أن الزيارة كانت بمثابة التقدم إلى طلب اليد أو ما يعرف بـ "الخطوبة" ، فكان من البديهي أن يستقبل الرئيس الفرنسي بكل تلك الحفاوة وفي ذلك دلالات أخرى جد مفهومة لدينا  ، لا بل سمة من سمات أهل عروس.