لا يتعلمون من التاريخ
جميل السلحوت
الذكرى الخامسة والعشرون لانتفاضة الشعب الفلسطيني الأولى تثبت من جديد، أن المحتلين لا يتعلمون من التاريخ، مثلهم مثل كل القوى الاستعمارية التي سبقتهم وانتهت الى مزابل التاريخ، فقادة اسرائيل معنيون بالتوسع الاستيطاني، وغير مستعدين لأي حلول عادلة للقضية الفلسطينية، وهم يعتمدون بالدرجة الأولى على الدعم الأمريكي اللامحدود لهم في كافة المجالات، وبالتالي فانهم ينظرون الى الحلول من نافذة طائرات الفانتوم والأباتشي، وفوهات مدافع دبابة المركفاة، وقاعدتهم التي لم يحيدوا عنها هي أنه ما لا يمكن حله بالقوة يمكن حله بقوة أكبر، فهم لم يتعلموا من حربهم على لبنان عام 2007 ولا من حربهم على قطاع غزة أواخر العام 2008، فكرروها في نوفمبر الماضي....ورغم أن لديهم مراكز أبحاث وخبراء في الشؤون العربية والاسلامية إلا أنهم لا يزالوا عاجزين عن فهم ثقافة الشعوب العربية فيما يتعلق بالصراعات والحروب، ولا يريدون أن يفهموا حكمة التاريخ بأن التطرف لا يولّد إلا تطرفا في الجهة المقابلة، ولا ينتبهون الى أن من يسلب حرية الآخرين يكون هو نفسه فاقدا لحريته، لذا فانهم أسرى لعقلية الاحتلال والبطش والقوة، ويثقفون شعبهم على ذلك، زارعين الخوف الدائم في عقول أبنائه تحت نظرية فضفاضة هي"الأمن" علما أنهم تهديد دائم لدولة فلسطين-التي اعترف بها العالم- ولشعبها، ولبقية دول وشعوب المنطقة ولشعبهم أيضا، لأنهم لا يريدون أن يقتنعوا أن الأمن لا يتحقق بالاحتلال والتوسع وانما بالسلام العادل.
ومع أن مجرد ذكر الانتفاضة الشعبية الفلسطينية السلمية يثير قلقهم ومخاوفهم، إلا أنهم لم يستوعبوا دروسها، وبدلا من انهاء الاحتلال فانهم طوروا أدواتهم القتالية لمحاربتها في حالة اندلاعها ثانية، ولأنهم غير مستعدين للسلام فانهم فوتوا فرصة تاريخية بعدم وصولهم الى اتفاقات سلام مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كان يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية على مختلف مشاربهم الفكرية، وها هم يشنون حملاتهم الحاقدة والعدوانية على الرئيس محمود عباس الذي انتخبه الشعب الفلسطيني بناء على برنامجه السلمي، ورأوا في مواقفه وسياساته السلمية التي أدت الى اعتراف العالم بدولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة خطرا على مخططاتهم الاستيطانية.
ورهان قادة اسرائيل على قوتهم العسكرية يدفعهم الى الاحتيال على الذات مستغلين الانقسام الفلسطيني، ويستبعدون امكانية اندلاع انتفاضة شعبية عارمة مع كل مخاوفهم منها، لأنها ستزلزل الأرض تحت أقدامهم، وستزيد عزلتهم الدولية، وهم لا يريدون استيعاب أن الشعب الفلسطيني ومن خلفه الشعوب العربية وكل قوى التحرر في العالم لا يمكن أن يسكتوا على الاحتلال الى ما لا نهاية. وأن الشعوب اذا ما انطلقت ارادتها فانها لن تتوقف قبل تحقيق أهدافها.
إن الدبلوماسية الفلسطينية والعربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى لتجنيد الرأي العام العالمي، من أجل الضغط على اسرائيل، كي تنهي احتلالها للأراضي العربية المحتلة، لتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.
وتجنيب شعوب المنطقة ودولها صراعات هي في غنى عنها، واذا ما اندلعت انتفاضة فلسطينية ثالثة، فان تأثيرها لن يقتصر على الأرض الفلسطينية بل سيتعداها الى دول الجوار أيضا، وستمس بمصالح دول كثيرة وفي مقدمتها تلك الداعمة لاسرائيل المحتلة.