لو ضاعت مصر لتيتمت الدنيا...!!

حسام مقلد *

[email protected]

أيها المصريون الشرفاء... لقد أشادت بكم الدنيا وبثورتكم المباركة وقال العالم: (ما زالت مصر تلهمنا الرقي وتعلمنا التحضر...) فلمصلحة من يريد البعض هدم مصر على رؤوس أبنائها؟! لمصلحة من شن حملات إعلامية مكثفة منذ نجاح الثورة وحتى الآن لتشويه أحد أهم شركاء الثورة وأبرز عناصر نجاحها وهم الإسلاميون؟! لمصلحة من تمادي الإعلام المصري في تصيد الأخطاء، وترويج الإشاعات، وتضليل العقول، وشحن نفوس المصريين بالغضب، وضخ خطاب إعلامي تحريضي ممنهج على مدى أشهر طويلة جدا؟! ألا يعون خطورة هذا التهييج والإثارة المستمران طوال الوقت؟!

لمصلحة من هدم مؤسسات الدولة المنتخبة واحدة إثر أخرى؟! لمصلحة من الانسحاب من الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور وسعي البعض بقوة وشراسة لإسقاطها دون مبرر منطقي؟! لمصلحة من تسرع المحكمة الدستورية في إصدار أحكام عاجلة في قضايا هناك نظائر لها معطلة في أدراج هذه المحكمة منذ سنوات؟! ولمصلحة من تدخل بعض السادة القضاة في الصراعات السياسية عبر تصريحات إعلامية منتشرة بكثافة غير مسبوقة ولا يوجد مثيل لها في أي سلطة قضائية في العالم؟! ولماذا لا ينأى السادة القضاة الذين نُكِنُّ لهم كل الاحترام بأنفسهم عن هذا اللغط والجدل السياسي الدائر؟! ولمصلحة من تدخل بعض السادة القضاة بشكل سافر في أعمال السلطة التنفيذية كما نسمع ونرى في تصريحاتهم ومؤتمراتهم الحاشدة؟! لمصلحة من شل الرئيس الشرعي المنتخب وغل يده عن الحركة باسم استقلال القضاء؟! ثم أليس ما تفعله بعض المحاكم المصرية يعد تغولا من السلطة القضائية على السلطة التنفيذية؟!

لمصلحة من السعي بهذه القوة والشراسة لإسقاط رئيس منتخب؟! ألا نؤسس بذلك لدولة الفوضى؟! لمصلحة من تمزيق الوطن وإحراقه؟! لمصلحة من وضع مصر على شفا حرب أهلية مدمرة؟!! هل يستحق المصريون البسطاء من نخبهم السياسية أن يورطوهم في حرب مدمرة تأكل الأخضر واليابس؟! ألا نتعظ من تجارب الآخرين حولنا؟! لمصلحة من إراقة دماء المصريين وتحويلهم بدلا من شعب عريق اعترف الجميع بحقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية إلى ملايين من القتلى والمشردين واللاجئين؟!! صدقوني والله لو ضاعت مصر ـ لا قدر الله ـ لضاعت الدنيا وتيتمت...وهل للحياة طعم ومعنى دون مصر!!

أيها المصريون الكرام الشرفاء من كل الأطياف السياسية: مفهوم أن القوى السياسية المختلفة تحرص على مصالحها الانتخابية ومكاسبها السياسية وهذا حقها... ومفهوم أن مؤيدي النظام السابق يريدون الثأر لأنفسهم، وهذا طبيعي لكنهم في النهاية جزء من أبناء هذا الوطن، ولا يقبل أحد هضم حقوقهم الدستورية والقانونية فهي مصانة... ولكن ما ليس مفهوما أن تنزلق بعض المؤسسات الوطنية (كمؤسسة القضاء) في خلاف سياسي يجب عليها ألا تكون طرفا فيه!!... ومن غير المفهوم كذلك أن تستعدي بعض الرموز الوطنية المصرية اليهود والغرب والأمريكان على أبناء مصر أو يطالبونهم بالتدخل في شؤوننا الداخلية!!... ومن غير المفهوم ولا المعقول ولا المقبول كذلك أنه ولمجرد خلاف سياسي بين طرفين مصريين وطنيين أن يتحالف بعض قوى الثورة وشركاء الميدان مع الفلول وقادة الثورة المضادة الذين يصرحون بعدائهم لثورة يناير!!... فليس من المنطقي ولا المعقول أن يتحالف بعض الثوار مع الفلول والفاسدين ضد إخوانهم وشركائهم في الثورة لمجرد القضاء على الإخوان المسلمين!!! كما أنه من غير المعقول ولا المقبول أن يتوجه نفر (ولو كان قليلا جدا) من الإسلاميين بخطاب صادم للرأي العام يبث القلق في نفوسنا جميعا، وليس من مصلحة الوطن أن يركز الإعلام بشكل متعمد على بعض الأفكار الشاذة المتطرفة (كالذي يدعو لهدم الأهرامات...) فهذه الأفكار مرفوضة من جميع الإسلاميين قبل غيرهم.

أيها المصريون يا شعب مصر العظيم إن أسهل طريقة للقضاء على أي شعب هي نزع الثقة بين أبنائه، وشق صفوفهم وتمزيق وحدتهم، وزرع الشك في داخلهم؛ فبذلك ستظل الحروب مشتعلة بينهم، ولن يتفقوا على شيء أبدا، وسيدمرون وطنهم بأيديهم... ولا مخرج لمصر من حالة الفوضى والاستقطاب الحاد والصراعات الشرسة بين جميع القوى السياسية إلا بإعادة بناء الثقة فيما بيننا، وتحكيم صوت العقل وتغليب الحكمة، وتقديم مصلحة الوطن على مصالح الأشخاص والأحزاب والجماعات، وهذا لن يتأتى إلا بجلوس الجميع للحوار الهادئ البناء بدلا من حملات الاستفزاز والتخوين والتشويه والتشكيك التي يشنها كل طرف على الآخر، وإلا فنحن جميعا لسنا أهلا للديمقراطية...!!

والآن يا شعب مصر العظيم دعونا نتعلم الدرس جيدا... دعونا نعترف أننا جميعا قد أخطأنا... دعونا نعترف أننا جميعا قد ساهمنا في تقليص مساحات الثقة فيما بيننا حتى تآكلت وأوشكنا على الصدام... ولكن الحل اليوم هو تغليب مصلحة الوطن والتوقف عن التفكير فقط في المصالح الشخصية لكل حزب أو جماعة... دعونا نبني الثقة بيننا من جديد... دعونا نبادر جميعا بما يدل على حسن النية والإخلاص لهذا الوطن وحده، والخوف على هذا الشعب وحده، والعمل على حفظه وحفظ مصالحه... ولتذهب كل الأحزاب، ولتسقط كل الشعارات والتيارات، ولتسكت كل الأصوات ... ولكن تبقى مصرنا عظيمة قوية... ويبقى هذا الوطن شامخا عزيزا أبيا ... وتبقى أنت أيها الشعب العريق الطيب موفور الكرامة محقون الدماء.

               

 * كاتب إسلامي مصري