تراجع الحل السياسي وملامح الحسم العسكري في سوريا
تراجع الحل السياسي
وملامح الحسم العسكري في سوريا
ياسر الزعاترة
خلال الأسبوعين الماضيين غابت جهود الحل السياسي في سوريا، فلا الأخضر الإبراهيمي بات يشغلنا بجولاته وزياراته ومياوماته التي لا تتوقف، ولا لافروف عاد يصدّع رؤوسنا باقتراحاته.
وحدها إيران التي ما زالت تتذكر الحل السياسي على طريقتها، إذ جمعت وفق ما قالت 200 شخصية من رموز المعارضة والسلطة (الحكومة بحسب تعبيرها لكيلا تقول النظام) في قاعة واحدة في إيران (كان من بينهم شريف شحادة ما غيره!!)، واستمعوا لخطب جميلة تحث على الحوار والحل الديمقراطي، وهي مسرحية لم تكن مهمتها سوى إثارة بعض الغبار حول الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي تشكل في الدوحة.
قبل هذه المرحلة كانت معالم الحل السياسي قد لاحت في الأفق لبعض الوقت، لكن تشدد حلفاء النظام (الأخير لا حول له ولا قوة، فهو يتحرك بأمر طهران وموسكو) ما لبث أن دفن الحل، أو غيبه في أقل تقدير، مع أن روحية مواقف المعارضة السورية لم تكن تستبعده، لكن لسان حالها يقول إنها لم تتلق أي عرض يستحق النقاش لكي تبدي رأيها فيه، اللهم سوى عروض تعني الاستسلام وإلقاء السلاح وبعد ذلك الشروع في الحوار، الأمر الذي لو قبلته (ولن تفعل)، فلن يقبله أحد من الثوار على الأرض بكل ألوانهم، وليس بلون واحد منهم كما يمكن أن يدعي البعض.
هذا التشدد من طرف حلفاء النظام، وفي مقدمتهم إيران لا يعكس قناعة بإمكانية صموده، بقدر ما يعكس كما يبدو قناعة بأن آفاق الحل الذي يحفظ ماء الوجه تبدو مسدودة، لاسيما بعد أن تحولت إيران إلى العدو الألد للشعب السوري.
وحين يخاطب علي لاريجاني ضباطا كبارا في الجيش السوري بأن بلاده لن تترك سوريا حتى لو اضطرت للتدخل العسكري المباشر، فإن ذلك يعكس شعورا عاما بانهيار معنويات الجيش، والتي قد تؤدي إلى انهيار كامل في لحظة يصعب التنبؤ بها.
على الصعيد العسكري، لا يحتاج المراقب للكثير من التبحر في العلوم العسكرية وفقه الحروب، ومن ضمنها حروب العصابات لكي يدرك أن الوضع على الأرض يشير إلى تقدم حثيث للثوار مقابل وضع صعب لجيش النظام الذي يكتفي بالدفاع عن مواقعه دون التقدم نحو أي مواقع تسيطر عليه قوات المعارضة، بدليل الهدوء الواضح في جبهة الشمال التي يسيطر الثوار على أكثرها، وباتوا يحكمون أجزاءً كبيرة منها بشكل كامل، فيما يتقدم بعضهم نحو دمشق من ريفها ويكادون يتوغلون في العمق وصولا إلى إغلاق جزئي لمطار العاصمة.
وحتى قصف الطيران لم يعد بتلك الكثافة نظرا لنقص الكادر كما يقول مراقبون للوضع الميداني، وربما لعدم توافر الثقة في أكثر الطيارين باستثناء القلة القليلة منهم. وحين يتحدث محافظ طرطوس عن فتح مطار المحافظة قريبا، فربما عكس ذلك إمكانية التفكير بالدويلة العلوية التي تعد الخطة بالنسبة لإيران والنظام.
المعارك إذن تطرق أبواب دمشق، ويسمعها بشار الأسد من قصره الذي يُشك في أنه يقيم فيه. أما من الناحية السياسية في معسكر الثوار، فإن التئام الائتلاف الوطني وتوالي الاعترافات العربية والدولية به (فضلا عن تركيا) قد أكد أنه جاهز كي يكون البديل عن النظام. وهو رغم تشكيك بعض قطاعات الكتائب العسكرية فيه يبدو قادرا على تمثيل الكتلة الأكبر من المعارضة بعيدا عن صراخ هيثم مناع ومن هم على شاكلته.
صحيح أن فكرة الائتلاف قد بدأت أمريكية، ما ألقى بظلال من الشك حولها، غير أن تشكيله قد عكس توافقا جيدا بين المعارضة لم ترض عنه واشنطن، لاسيما رأسه ممثلا في الشيخ معاذ الخطيب الذي يبدو جيدا في خطابه وقبوله لدى الناس.
في ضوء ذلك كله، وما لم ينهض مسار سياسي جديد يؤدي إلى رحيل النظام مقابل الإبقاء على الجيش، بما يحول دون دخول البلاد في حالة فوضى يصعب التنبؤ بها بعد سقوط النظام، فإن المسار العسكري هو الذي سيحسم المعركة.
هنا سيقول البعض إنكم تتحدثون عن الحسم منذ شهور طويلة دون جدوى، وهو قول غير صحيح ابتداءً لأن أحدا لم يحدد موعدا لسقوط النظام في معركة تحسم بالنقاط وليس بالضربة القاضية، أما الأهم فهو أن مسار المعارك يبقى دالا على النتيجة النهائية، سواءً جاءت بعد أيام أم أسابيع أم شهور، لكن ما يبدو مرجحا هذه المرة هو أن الحسم لن يتجاوز شهورا قليلة إذا لم يسبقه حل سياسي يقبله الثوار.