لماذا لم تعترف الولايات المتحدة بالائتلاف السوري
عبادة قدورة
لقد ظّلت الولايات المتحدة تعلل سبب عدم الضغط لوقف نزيف الدم في سورية بعدم وحدة المعارضة ، وبالرغم من أن المجلس الوطني الذي كان يمثل أكثر من 70 % من المعارضة الداخلية والخارجية فقد عملوا على شّل حركته ، وليصار إلى تشكيل الائتلاف الذي يضم أكثر من 95% من المعارضه بضغط من الدول الخليجية لإرضاء الولايات المتحدة ، ثم ليتفاجأ الجميع ببرود عجيب من قبل الولايات المتحدة لتشكيله ولتعتبره "ممثلاً شرعياً للمعارضة السورية " وليس "الممثل الشرعي والوحيد" للمعارضة وأيضا ليس وحيدا للشعب السوري ، بل أكثر من ذلك عندما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما : "أرحب بكون المعارضة السورية أسست مجموعة يمكن أن تكون متجانسة أكثر من السابق ، سنتحدث إليهم" ، لكنه استدرك قائلاً : "نحن غير مستعدين للاعتراف بهم كحكومة في المنفى ، إلا أننا نعتقد أنها مجموعة تتمتع بصفة تمثيلية" .
سأترك الآن الإئتلاف الوطني السوري لأعود بالذاكرة إلى عام 2002 عندما قرأت تعليقا للدكتور بدر الويس رئيس الحزب الاشتراكي في العراق يبرر عدم حضورة مؤتمر المعارضة العراقية الذي أقيم في لندن 17/12/2002 قائلا : «ان الاهداف الاميركية تتعارض مع مصالح الشعب العراقي ، ومع مصالح الامة العربية ، نحن نعتقد ان الاجندة الاميركية تهدف لانفصال العراق عن الامة العربية واقامة علاقات مع اسرائيل ، ونحن نهدف لتأسيس عراق ديمقراطي يدعم قضايا الامة العربية ونضال الشعب الفلسطيني ، واميركا ضد هذه الاهداف ».
وبعد خروج أمريكا من العراق المهين تحت ضربات المقاومة العراقية ، كثيرا ما قرأت لكبار كتاب الصحافه العربيه والغربية تتهم السياسة الأميريكيه ( بالغباء...؟) في التعامل مع الملف العراقي أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق ، والتي تركته طائفيا ضعيفا ولقمه سائغة بفم إيران ( الإرهابية ..!)
سأترك الغباء الأمريكي في العراق ..! قليلا لأستشرف سبب قيام أوباما بأول جولة خارجية له بعد توليه ولايته الثانية إلى آسيا الباسيفيكية التي هي أكثر المناطق المفعمة بالحيوية في العالم كما يقول المسؤولون في إدارة أوباما ، يقول توم دونيلون مستشار الأمن في البيت الأبيض : الولايات المتحدة قوة باسيفيكية لا تنفصم مصالحها عن أمن آسيا الاقتصادي وأمن نظامها السياسي . وأضاف : نجاح أمريكا في القرن 21 مرتبط بنجاح آسيا " ، ويقول أيضا مستشار الأمن القومي الأمريكي الاسبق زبيغنيو بريجنسكي في مقالة نشرتها احدى المجلات البحثية الأمريكية في شهر يونيو ( 2012 ) « لقد خرجت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وهي تتجه شرقا نحو الصين وجنوب شرقي آسيا" .
لقد كان واضحا أن خروج الولايات المتحدة الأمريكية ( السياسي ) من منطقة الشرق الأوسط جاء على خلفية تنامي السخط الشعبي العربي والمسلم تجاه السياسة الأمريكية في فلسطين والعراق وأفغانستان ، وأيضا العبء المادي الباهظ لقاء هذه السياسات مع تنامي مشكلات الأزمة الماليه العالمية على الداخل الأمريكي وحلفائها في العالم .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة : كيف للولايات المتحدة التوازن بين أن يكون التزامها صلب كالصخر بأمن إسرائيل ؟ كما قالت كلينتون للصهاينة أثناء عدوانهم الأخير على غزة ، وبين سياسة الخروج التي بدت واضحة في الشرق الأوسط .
وأعود هنا للثورة السورية بعد أن أصبحت نتائج الربيع العربي جليه بصعود الإسلاميين المنتخبين شعبيا إلى سدّة الحكم والذين ينظرون إلى إصلاح أوطانهم المهترئه بعينهم اليمنى وعينهم اليسرى ترمق فلسطين المغتصبه شوقا إلى مسجدها الأقصى ، وهم بطبيعتهم وأيدلوجيتهم وتاريخهم غير قابلين للتبعيه والعمالة كسابقيهم ، لذلك فإن الولايات المتحدة وإسرائيل تعملان الآن على إيجاد أعداء آخرين للشعب العربي والمسلم لإلهائه عن عدوه الأساسي ألا وهو الكيان الصهيوني بعد أن أزالت الشعوب عملائهم من القادة .
وبناء عليه وجدت أمريكا أن سياسة الطائفية وتقسيم منطقة الشرق الأوسط على أساس طائفي ، وإقامة كيان شيعي ( إيران ) قوي يفصل جسد الأمه شرقا وغربا ، كفيلة بتزكية الصراعات الداخليه وإلهاء الشعوب المسلمة عن امتلاكها عوامل قوتها وتوحدها ، ومن هنا فإنني أكاد أجزم أن الولايات المتحدة تحاول في سوريا تكرار تجربتها في العراق دون تدخل عسكري مكلف ، وذلك بإطالة أمد الثورة وإنهاك الجميع ، ومن ثم فرض أجندة على الائتلاف الوطني السوري في أن يكون محاورا وحيدا باسم المعارضة التي تمثل الأكثرية مع النظام الذي يمثل الأقليات السورية ( حسب ما ستروج له ) ليصار بعدها إما إلى التقسيم الجغرافي الطائفي أو إلى التقسيم السياسي ( طائف سوري ) بمباركة الخبير الطائفي الأخضر الإبراهيمي ( أليس من الغريب أن يتوافق اسم المكان (الطائف) مع طبيعة التوجه السياسي ( الطائفية / الطوائف) ؟!!!
لكن السؤال الأهم يبقى معلقاً على ذمة التحقيق : فهل ستنجح الولايات المتحدة في مخططاتها أم .. ماذا ؟
هذا ما سأتناوله إن شاء الله في مقال قادم .