الحذر مطلوب

الحذر مطلوب

جميل السلحوت

[email protected]

وقف اطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية في غزة واسرائيل أمر مطلوب ومقبول، لأنه يحقن دماء زكية ما كان يجب أن تراق، لكن اتفاق الهدنة المعلن يثير تساؤلات كثيرة ومريبة، صحيح أن العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة فشل فشلا ذريعا في تحقيق أهدافه، وكشف عن فشل كبير في السياسة الاسرائيلية القائمة على استباق الأحداث وضرب أي قوة محتملة يمكن أن تهدد اسرائيل، واذا كان تحالف نتنياهو –ليبرمان وباراك يريد كسب أصوات اليمين واليمين المتطرف في الانتخابات القادمة، فان نتائج الحرب قد قلبت السحر على الساحر من خلال توازن الرعب الذي فرضته صواريخ المقاومة بوصولها الى تل أبيب ومستوطنات كفر عصيون، وغيرها من البلدات الاسرائيلية، وقد أثبتت نتائج هذه الحرب فشل الاستخبارات الاسرائيلية في تقدير ومعرفة قوة المقاومة في منطقة محاصرة برا وجوا وبحرا ولا تزيد مساحتها عن مائتي ميل مربع.

ولعل كثافة النيران الاسرائيلية وقوتها التدميرية الهائلة التي استهدفت المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، ومنازل ومساجد ومكاتب صحفية ومؤسسات مدنية تندرج جميعها تحت جرائم الحرب، قد جاءت نتائجها معكوسة على اسرائيل، فقد أوقعتها في ورطة أمام الرأي العام العالمي، كما أن هذه الحرب قد أثبتت أن ثورات الربيع العربي قد أتت أكلها على الأقل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهذا ما دفع النظام العربي الرسمي الى هذا الاهتمام المصحوب بالخوف من غضبة الجماهير، فهرع رئيس وزراء مصر وعدد من وزراء الخارجية العرب مع أمين عام الجامعة العربية ووزير خارجية تركيا لزيارة قطاع غزة متضامنين مع مواطنيه، وقد استشعرت الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل خطورة الأوضاع الحالية فقبلت بوقف اطلاق النار.

لكن اللافت للانتباه هو الدور الكبير الذي أعطي لمصر للوصول الى هذا الاتفاق، وتحميلها وحدها مسؤولية ضمان الاتفاق الذي تم التوصل اليه، وهذا يعني حصر مصر في خانة الضامن المحايد، مع أن مصر وما تمثله في الوجدان العربي والاسلامي ليست بعيدة عن القضية الفلسطينية، بل هي طرف فيها، لكن جرى حصرها في اتفاقات كامب ديفيد، والتأكيد على حياديتها غير المنطقية.

واذا كان الاتفاق ينص على فتح المعابر فعن أيّ معابر يتم الحديث؟ وهل سيتم فتح المعابر مع اسرائيل، أم فقط معبر رفح مع مصر؟ وان كان ذلك كذلك فان هذا سيرسخ تبرئة اسرائيل من مسؤولياتها كدولة محتلة، وتحميل ذلك لمصر، بما في ذلك المسؤوليات الأمنية، واذا ما تم ذلك وهذا ما لايريده الفلسطينيون فان ذلك سيرسخ الانقسام، وسيلحق قطاع غزة بمصر، وبالتالي سيجهض امكانية قيام الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967.

ومن حق المرء أن يتساءل عن أسباب إبعاد منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية عن الاتفاق الذي حصر التفاهمات حول قطاع غزة فقط؟ في حين ان اسرائيل تواصل سياساتها الاستيطانية والتهويدية في الضفة الغربية وجوهرتها القدس، وتجاهل السلطة الفلسطينية يعني اضعاف موقفها في طلب عضوية الأمم المتحدة كدولة غير كاملة العضوية.

لكن المتفاوضين حول الاتفاق قد أهملوا كليا جوهر الصراع وهو الاحتلال الجاثم على الأرض الفلسطينية منذ حزيران 1967، خصوصا وأن حكومة نتنياهو قد أنهت حل الدولتين من خلال التكثيف الاستيطاني في الضفة الغربية، وصرفت الأنظار عنه الى الملف النووي الايراني، والملف السوري، وانساقت أمريكا خلفها كما هي العادة، ووضعت الملف الفلسطيني على الرف، وجاء فشل العدوان بصمود الشعب والمقاومة في غزة، ليعيد الملف الفلسطيني الى الصدارة من جديد، فلماذا لم يُنتبه لذلك؟

ويجدر التذكير أن نتنياهو نجح في اختباره للرئيس الأمريكي أوباما، فقد جدد الأخير ولاءه اللامتناهي والأعمى لاسرائيل، وعداءه الفاضح للفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام، فهل سيتعلم القادة العرب شيئا من موقف أوباما أم أنهم سيبقون يراهنون على الموقف الأمريكي؟