هواجس في اليوم السابع للحرب على غزة!!
هل يمكن أن نحبّ في ظل الحرب؟
فراس حج محمد /فلسطين
"نحن الضحية التي جُرِّبَتْ فيها كل أنواع القتل، حتى أحدث الأسلحة، لكننا الضحية الأعجوبة التي لا تموت، ولا تستطيع أن تموت"، كلمات سطرها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كلمات يا شهرزاد تنمّ عن وعيّ إنسانيّ بحبّ الحياة "إذا ما استطعنا إليها سبيلا"، إننا نخلق ظروف تلك الحياة، فتنبت بين صخور الألم حياةٌ مشتهاة، نصنع فيها الحبّ ونعيشه، رغما عن القسوة المفروضة واللاهبة التي قد أنشبت أظفارها فينا.
هل نحن شعب الجبارين يا عزيزتي؟ شعبٌ يقاوم حتى بأبسط وأنبل ما يملكه الإنسان، يقاوم بالمحافظة على إنسانيّته، فيعيش مشاعره ويعبر عنها، إننا دائما نحبّ الورود وعبقها، حتى وإن كان الموت حاضرا يغازلنا بأسلحته، ويرسم لنا مسارات العدم، ندخلها ونحن على أمل أن نعود لا نعترف إلا بما نريد أن تعترف به.
ما معنى أن نكون ضحية يا شهرزاد؟ وهل يجب علينا أن نستسلم؟ هل ستكون الأحزان آخر مطافنا وتجوالنا في ظل هذا الغياب القسريّ للزنابق المتموجة على شطآن الروح؟ وهل يكون الحبّ هو إشعال لحرب ضد حرب الفناء التي استعدّت واستعادت أسلحتها؟ وهل سيجد الكاتب كلمات ليعبر عن ذلك الكامن في النفس المسمّى في بلاد العاشقين حباً؟ أسئلة موجعة، ولكنها لازمة لقهرِ ما تخايل لنا من أمزجة الموت كل ثانية.
سأختار سبيلي يا شهرزاد الحياة والجمال، وسأعلن عن مكنونات الروح، لأقول:
أحبك في حرب الطغاة وليلهم، أحبك وأنت تشتعلين وجدا لتنيري تلك الحلكة الواهية المتصدعة بنور عينيك الواثقتين بنور البصيرة الممتدة بحبل لا ينقطع بين قلبي وقلبك، فلا تكوني المتعبة، ولا تدخلي الدوائر المغلقة من ألم غير متناهٍ، فليس الحب بجريمة يا شهرزاد، وإن كان الليل قد أضاءته قنابل الجحيم الوافدة لتطحن عظام الخَلْقِ، وتهرسها بليونة النار الكريمة، فلا تفكري بأنك سببا في تعاسة الأحباب والعاشقين، فليس في الحب شقاء أو تعاسة، إنه نور القلوب وحياتها، وهو الذي يشعرها بإنسانيّتها.
تذكري يا شهرزاد أسلافنا كيف كانوا؟ كانوا يموتون عشقا حتى وهم في معمعة القتال، لعلك تذكرين عنترة العبسيّ ذلك العربيّ الأصيل والفارس النبيل الذي تذكّر عبلة والرماح نواهل منه وبيض الهند تقطر بالدماء، وتلتهم رؤوس الصناديد، لقد كان الحبّ دافعا للانتصار، وليس للهزيمة والخور والضعف، فنحن نحبّ الحياة، ونستطيع الوصول إليها في كل سبيل، لقد استمدّ عنترة قوته من طيف عبلة الذي كان يترأى له في أرض المعركة، لقد تذكّر ثغرها الباسم، فهمّ بتقبيل السيوف لأنها استعارت بريقها الجماليّ من ثغر عبلة المجبول عطرا ونسائم فرح.
من قال يا شهرزاد: إن الحبّ يضيع في ظل الحرب؟ لماذا لا يشتعل في ظل لهيب المعارك؟ ألم يصطحب الفرسان نساءهم معهم إلى أرض المعركة؟ ألم يستمدوا القوة من وجودهنّ؟ ألم يكنّ دافعات لأن يقبل الأبطال محاربين مدافعين؟ ألم تُحَذِّرْ هندُ بنت عتبةَ قومها أنهن سيفارقْنَ الرجال إن هم لم يحققوا لهنّ نصرا؟
لقد أشعلت النساء قلوب الرجال وأثارت فيهم الحميّة، ألم يكنِ الدافع هو الحبّ يا شهرزاد؟ هل كان بمقدور الرجال أن يُسْلِموا محبوباتهم وزوجاتهم للأعداء؟ إنه عار وأي عار!! وأي معنى للحياة بعدها؟ ومن ذلك المجنون الذي يرضى أن تنتقل محبوبته لرجل آخر سواه؟ إن الموت أهونُ عليه من أن يرى غيره يتمتع بمحبوبته شقيقة روحه وعقله وصانعة كيانه ورؤاه! إنه سيشعل كل حرب وسيخوض أعتى المعارك من أجل ألا يحدث هذا، تذكري معي يا شهرزاد هذا الشطر من الشعر "فلا صلُحتْ دعدٌ لذي خلة بعدي"، فإذا عرفت كل ذلك صارت الحرب وسيلة للحبّ يا شهرزاد!!
لقد جربنا كل أنواع الأسلحة يا شهرزاد، ولكننا نقوم شامخين متحدين لها، حتى ونحن لا نملك إلا أجسادنا لأننا لا نحب الموت ولا نسعى له، نحب الحياة، ونحبّ الحبّ، ونعشق الورود، مخلصين لمن أحببنا، لا نريد أن نتركهنّ فريسة لغيرنا، نناضل من أجل ذلك كل الأعداء وكل الأسلحة، فلا حيلة لنا إلا أن نحبّ ونواصل حياتنا في الإخلاص والوفاء، لتكون الحرب امتحانا للحبّ وصدق العشق، وجمال الانصهار والاندماج الروحي بمن نحبّ.
قد أصارع الموت ويأتيني يوما يا شهرزاد، فماذا أنت فاعلة؟ وماذا أنا صانع؟
سألفظ أنفاسي الأخيرة، وسينطق القلب باسمك مع الشهادتين، لأنك الروح الطاهرة المقدسة التي سكنت الوجدان، فلا تظني غير ذلك، وتذكري أن الحرب وأهوالها والموت وأكفانه لن يخرجا حبك المتجذر في القلب من سويداء القلب، عسى الرحمن أن يشملنا بعطفه وبرحمته وبحبّه الأزلي لنكون هناك حيث الفردوس الأعلى، فحبّنا لم يعش إلا في طهارة الروح يا سيدة الروح!! وتأكدي أن الموت لن يُنْهِيَ قصتنا، لأنني وإيّاكِ من هذا الشعب العظيم، الذي لا يحبّ أن يموت، ولا يستطيع أن يموت، ستكمل الروح طقوسها والذكريات غوايتها.
لا أقول لك كل حرب وأنت بألف حبّ، بل كل اشتعال في الحب وأنت بألف ألف حب!!