الصفوية والصوفية 12
الصفوية والصوفية
خصائص وأهداف مشتركة/12
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
قال ابن عباس" لا يأتي على الناس زمان الإ أحدثوا فيه بدعة، و أماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع و تموت السنن".( أخرجه الطبراني في الكبير10/ 319).
الفريضة السادسة الجهاد
الجهاد كلمة ذات مفعول سحري للمسلمين لأنها تمثل المصير المقرر لهم في الآخرة، مصيررائع يتمناه كل مسلم ويتوق إليه بشدة. لذلك كانت رغبة المسلمين الأوائل تتركز على الجهاد والشهادة في سبيل الله ورسوله، ليس من أجل حور العين والغلمان وأنهار الخمر والعسل واللبن كما يصورها المغرضون والحاقدون. لأن هذه المزايا موجودة على الأرض ويمكن الحصول عليها بسهولة. لكن البعض سيما الصفويين يحاولون تسفيه هذه الفريضة التي تعد السادسة. لأن تأريخهم مبني على الخيانة والغدر والتعاون مع بقية الأديان ضد العرب المسلمين. إن من يحرر نفسه من فريضة الجهاد، لا يُستبعد منه تسفيهها وتشويه صورة المجاهدين. والذكر الحكيم يزخر بآيات حول أهمية الجهاد منها((وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما)) سورة النساء/ 95 وكذلك توجد الكثير الأحاديث النبوية الشريفة يمكن الرجوع إليها بسهولة.
حصر الصفويون فريضة الجهاد بظهور القائم. وهي فكرة مأخوذة عن اليهودية فلا جهاد عندهم إلا بخروج المسيح المنتظر. مع ان اليهود لم يلتزموا بهذه العقيدة، فقد قاتلوا وجاهدوا في سبيل كيانهم المسخ. لكن الصفويين ملتزمين بهذه الفكرة! فلا جهاد الا بظهور القائم بل أدخل في خانة التحريم! عن أبي عبد الله قال: "القتال مع غير الإمام المفترض، طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير"( وسائل الشيعة: 11/32). و"عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله(ع): جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور؟ فقال: الويل! يتعجلون قتلة في الدنيا، وقتلة في الآخرة، والله ما الشهيد إلا شيعتنا ولو ماتوا على فرشهم" (التهذيب للطوسي 2/42). وقد وصل بهم الإستهتار بهذه الفريضة بأن يشيعوا بين أتباعهم من الجهله والسذج" إذا مات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدًا، ومن أدرك قائمنا فقتل معه،كان له أجر شهيدين".( البحر52/123). وهذا يعني ضرب جهاد الصحابة وبقية المسلمين عرض الحائط فالمهمود من الشيعة على سريره في بيته له نفس الثواب. وهذا الشيخ الخرف البحراني يًفرد بابا بعنوان" أن شيعة آل محمد شهداء، وإن ماتوا على فرشهم". (المعالم الزلفى/ 101). وجاء في الوافي" الجهاد مع غير الإمام حرام، مثل حرمة الميتة والخنزير، ولا شهادة إلا للشيعة". ويلاحظ إن موقف الصفويين من الجهاد كالطين الإصطناعي يشكلونه حسبما يريدون. فهم يمجدون مثلا جهاد الخميني ضد الشاه رغم إنه لم ينتظر القائم وقم بثورته؟ وقد دعا الخميني محمد باقر الصدر للجهاد ضد البعث وهو يعرف إن ذلك لا يجوز شرعا. ولا نفهم لماذا يرفعون راية المهدي ويدوسون راية جده الإمام علي(رض) القائل " أنا صمصام الجهاد". (شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي22 / 351).
وللحقيقة والتأريخ فإن بعض المراجع لم يتعاملوا بجدية مع فكرة تأجيل الجهاد لغاية ظهور المهدي. مثال على ذلك في عام 1911 بعد احتلال الروس والبريطانيين لاجزاء من ايران واحتلال ايطاليا لطرابلس الغرب وبنغازي. كما أصدر آية الله العظمى كاظم اليزدي فتوى دعت جميع المسلمين الى الجهاد والتضحية بالنفس لطرد القوى الاستعمارية الغاشمة. وعزم على قيادة المجاهدين المتطوعين الذين سلحتهم العشائر بنفسه، لكن وفاة سماحته(رحمه الله) عشية الجهاد الغت العملية بمجملها.(سياحة شرق لقوجاني/علي الوردي لمحات اجتماعية/3). كذلك بعد نزول القوات البريطانية في البصرة بتأريخ 6/11/1914 انطلقت دعوات الجهاد في جميع مساجد العراق، وأرسل مبعوثون من العتبات المقدسة إلى العشائر لحثهم على الجهاد. وبلغ عدد المجاهدين حينذاك اكثر من(18000) وضعوا تحت القيادة التركية وكان على رأس المجاهدين سماحة شيخ الشريعة الاصفهاني والشيخ مهدي الخالصي ومحمد سعيد الحبوبي ومصطفى الكاشاني ومهدي الحيدري والسيد محسن الحكيم. (ماضي النجف وحاضرها لجعفر محبوبة). حتى أن نجل المرجع الاكبر مرزا محمد تقي الشيرازي أبان الإحتلال البريطاني للعراق وزع منشورا تضمن" الواجب على عموم المسلمين إداء فريضة الدفاع عن حوزة الدين المبين وصيانة المشاهد المشرفة من تلوث الكافرين ومحافظة نواميسكم الأطهار عن تعديات الكفرة". (عبد الرزاق الحسني/ العراق في دوري الإحتلال والإنتداب).
لكن الصفويين كان لهم مواقف مغايرة تجاه الجهاد في العراق! وآخرها موقف السيستاني من الغزو الامريكي للعراق، فهذا العميل لم يكتف بتجميد فريضة الجهاد، بل أفتى بالتعاون مع قوات الغزو! وكان الدرع الحصين لحماية صدور المعتدين. ولم يكن موقفه غريب! فرسالته العلمية التي سرقها من سلفه الخوئي ونسبها لنفسه، حذف منها ما يخص الجهاد(بضعة أسطر) حيث استعظمها وألغاها! ومن العجيب أن يحظى اللواط والزنا ونكاح الدبر والنفاس بإهتمام المرجع الأعلى فيتحدث عنه بالتفصيل الممل، دون ان يحظى الجهاد بإهتمامه. أية رسالة علمية دينية تلك التي لا تتطرق لفضيلة الجهاد مطلقا؟ ويمكن الرجوع إلى مذكرات بريمر ورامسفيلد حول إشتراك آية الله العظمى في المؤامرة العظمى مع الأمريكان والصهاينة والفرس في إحتلال العراق.
إن كنت مسلما بغض النظر عن مذهبك فأنك لا تحتاج إلى دعوة شيخ ولا فتوى مرجع لتجاهد ضد الأعداء عندما يحتلون وطنك ويدنسونه. القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفه تُكفل لك هذا الحق وتسدر فم كل شيخ ومرجع مهما كان موقعه لا يقر بجهادك. ومنعه أو السكوت عنه هو إفتراء على الله ونبيه المصطفى. لنرجع إلى القرأن والسنة فهما الفصل في هذا الأمر. من جهة أخرى هل يجوز الفتوى بالجهاد ضد الغزاة وهم خارج دارك وإبطالها وهم داخل دارك يغتصبون ويقتلون ويسرقون ويعيثون فسادا في كل مرافقه؟
حذا المتصوفة حذو الصفويين فعزفوا عن الجهاد ضد أعداء الإسلام حيث إخترعوا لأنفسهم الضالة حديثا ونسبوه للنبي(ص) " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". والجهاد الأكبر هو الجهاد ضد نوازع النفس البشرية. والحقيقة هي عكس ذلك. فالجهاد ضد النفس يسبق الجهاد الأصغر وهو الذي يحفز إليه! ثم كيف نعتبر الجهاد في سبيل الله ورسالته جهادا أصغر والجهاد مع النفس جهادا أكبر؟ وكيف نبرر إستمرار الجهاد الأصغر بعد وفاة النبي(ص) والمتمثل بالفتوحات الإسلامية ومن بعدها الحروب الصليبية؟ يذكر ابو الحسن الشاذلي إن الجهاد يكون بمقارعة أربعة أوكار شيطانية اولهما: وكر للشهوة يحرض على ارتكاب المعاصي والكبائر. ثانيهما: وكر للشهوة يحارب الطاعات التي فرضتها الشريعة الإلهية. ثالثهما: وكر للشهوة تعزز الميل الى الراحة والكسل. والأخير: وكر للشهوة يجعل الإنسان عاجزا عن إداء الواجبات الشرعية. وهي نفس رؤية الغزالي حيث يسميها القوى الشهوانية، والغضبية، والشيطانية، والربانية. ويفسر لنا الشيخ الحسن القزاز الجهاد الأكبر بأن لا تأكل إلا عند الفاقة. ولا تنام إلا عند الغلبة، وان لا تتكلم إلا عند الضرورة. (الغنية لعبد القادر الكيلاني2/182) ويمكن أن تعتبر هذه كأساليب للمعيشة أو أدب المعاشرة ولكن ما علاقتها بفريضة الجهاد؟ هي أمور ذاتية تخص الفرد نفسه ولا علاقة لها بالدفاع عن الوطن والعقيدة. ويذكر ابن تيمية ان الإفراط في حسن الظن بالصوفية جعل الناس يؤمنون بمعتقدهم وينكرون الجهاد والدفاع عن بيضة الإسلام فوقعوا فريسة سهلة في يد التتار والمغول. وهذا ما سنوضحه لاحقا.
المصيبة الكبري هي إن المتصوفة يزعمون بأن لديهم القدرة على دحر جيوش الظالمين والمعتدين لكنهم لا يستخدمونها! فقد ذكر الإمام الغزالي أنه بعد دخول الزنج إلى بغداد قتلوا الأنفس، ونهبوا الأموال. فإجتمع إلى سهل إخوانه وناشدوه: لو سألت الله تعالى دفعهم(أي الزنج). فقال: إن لله عبادا في هذه البلدة لو دعوا على الظالمين، لم يصبح على وجه الأرض ظالم إلا ومات في ليلة واحدة. ولكنهم لا يفعلون! وعندما إستفسروا عن السبب؟ أجاب: لأنهم لا يحبون ان لا يحب!(إحياء علوم الدين4/305)! حسنا إذا كان الله لا يحب قتل الظالمين فلماذا لعنهم؟ ولماذا أحل الجهاد ضدهم؟ ولماذا لم يجعل لهم شفيع كما جاء في سورة غافر/18" ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع". وكيف نفسر الحديث النبوي الشريف" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".( سنن ابي داود 2/436 ).
دخل الصليبيون القدس عام 492هـ بعد اتفاقهم مع العبيديين على أن تكون حصتهم جنوب بلاد الشام ويأخذ الصليبيون شمالها. لكن الصليبيين كعادتهم نكثوا بعهدهم مع العبيديين. لذلك غير العبيديون حلفائهم الصليبيين وإستبدلوهم بالسلاجقة، فكانوا يهجمون على الصليبيين من جهة الجنوب، ويهجم السلاجقة من جهة الشمال. وأوج تعاونهم تمثل في معركة عام 498هـ و499هـ وحصار يافا عام 518هـ. ومن المعروف إن الإمام الغزالي وابن عربي والشاذلي وابن الفارض وعدد غير قليل من المتصوفة عاصروا مآسي الحروب الصليبية وسقوط بيت المقدس ولكنهم لم يحركوا ساكنا! لا قولا ولا فعلا! كإن الأمر لايعنيهم! وهم يشهدوا أقوى غارة وعدوان على العالم الإسلامي.
في الوقت وقف فيه عدد من الفلاسفة والكتاب النصارى ضد هذه الحروب ووصوفها بالعدوان وغير المقدسة. للمزيد راجع( كتاب تأريخ الدولة العباسية الثانية/ محمود شاكر). ومن الطريف أن يتحدث المتصوفة عن الشيخ مسلم بن نعمة السروجي بأنه لما دخل الكفرة الفرنج والأرمن مدينة سروج وقتلوا ونهبوا وحرقوا وأسروا، كل هذا ولم يحرك الشيخ السروجي ساكنا. ولكن عندما إقتربوا من زاويته" خرج وأشار بيد الكريمة برجوعهم فرجعت الخيل قهرا لا يستطيعون ردٌها بوجه، وقتل منهم خلق عظيم وكذلك الخيل". إنها بطولات كاذبة من وحي مخيلتهم المريضة ولا أصل لها في تأريخ الحروب الصليبية. المدهش هو عندما يحتل الوطن لا يحرك الشيخ ساكنا. وعندما يقتربون من صومعته تبدأ قوته الخارقة في الدفاع عنها. لقد أختزل الشيخ الوطن كله بصومعته الحقيرة.
عندما شارفت القوات الفرنسية على دخول مدينة القيروان إستعد المجاهدون للدفاع عنها، ولكنهم سألوا الشيخ(سيدي احمد الهادي) إمام مسجد القيروان ليستشير ضريح شيخ المسجد(إستشارة ميت)، فدخل الضريح وخرج قائلا" ينصحكم الشيخ بالتسليم فسقوط البلاد بات محتما"! فدخلها الفرنسيون عام 1881 بسلام ، لا قتال ولا تضحيات. للمزيد راجع كتاب (المسألة الشرقي لصطفى كمال). وفي الجزائر عام1684ساعد (سيدي أحمد صاحب السجادة التيجانية) الفرنسيين بقيادة(الدوق دوماك) على إحتلال مدينة بسكرة، وقد تزوج من سيدة فرنسية(اوريلي بيكار) بالطريقة الكنسية على يد(الكردينال لافيجري) فكان أول جزائري مسلم يتزوج بأجنبية مسيحية وذلك عام1870! وقد روت بيكار قصة زواجهما في كتابها(أميرة الرمال) وكيف خلفها التيجاني مع أخيه على السجادة التيجانية! علما إنها حصلت على وسام رفيع من حكومة الإحتلال الفرنسي على مجهوداتها. فيا ترى ما هي مجهودتها التي إستحق عليها وسام من حكومتها؟ وجاء على لسان قائد عسكري فرنسي" تمكنت الحكومة الفرنسية من جمع المتصوفة الذين استمالتهم وأمنت لهم الحماية الكافية". وكذلك الأمر في موريتانيا وجنوب غرب أفريقيا. فقد ذكر بول اودينو" كانت التيجانية منذ عام1911 تقدم لنا العون الكبير وإستثمرنا نفوذها الشعبي القوي".(تأريخ المغرب العربي/ روم لاندو).
وفي السودان ساهم مقدم الطريقة التيجانية(سيدي مالك عثمان) عام1913 بإحتلال السودان. وتعاون أتباع الطريقة الختمية والسيد الميرغني مع القوات البريطانية في احتلال بلادهم فأجهضوا الثورة المهدية في مهدها. وكذلك أثناء احتلال بريطانيا للهند، عندما امتنع الشيخ أحمد رضا (مؤسس الطريقة البريلوية) عن مقارعة الغزاة الانكليز بدعوى" لا جهاد علينا مسلمي الهند، حسب ما ورد في القرآن"! (البريلوية لإحسان ألهي/43). فهل ورد في الشرع نصا يعفي المسلمين الهنود من الجهاد ؟
وعندما أحتل الفرنسيون المغرب وشمال أفريقيا تعاون معهم اتباع الطريقة التيجانية. ويذكر د. عمر فروخ بأنه " ليس من المستغرب أن يغدق المستعمرون الجاه والمال على الصوفية، فرٌبَ مفوض سامي لا يستقبل وجوه البلاد، لكنه يسعى لزيارة حلقة ذكر للمتصوفة. أليس التصوف على هذا الشكل يقتل عنصر المقاومة في الأمم؟".( التصوف في الإسلام). كما أقام هاشم العيطة (شيخ الطريقتين السعدية والبدرية في سوريا) حلقة ذكر للمعتمد البريطاني(الجنرال سبيرس) وأشاد في الختام بالملك جورج السادس ورئيس الوزراء ونستون تشرشل خلال الذكر.(للمزيد راجع يوميات الخليل/ خليل مردم بك). وكان الفرنسيون على تعصبهم البغيض في الجزائر يسمحون للشيوخ فقط إقامة حلقات الذكر، ويحضرون بعضها. مما حدا بالشيخ عبد الحميد بن باديس إلى محاربة الطرق الصوفية حينذاك.
إن عدم المشاركة في الجهاد والتعاون مع أعداء السلام لا يمكن تبريره أو قبوله تحت أي مسوغ. إنه عار أبدي في الجبين. ونستذكر تأريخيا رسالة العتاب التي كتبها( ابن المبارك) للفضيل بن عياض الذي تذرع بإنشغاله بالعبادة في تبرير عدم مشاركته بحماية الإسلام من غزو أعدائه. كما إن المتصوفه انفسهم يقولون" إن التصوف أن تضحي بنفسك، لا أن تتكلم كلام الصوفية". لكنهم يجاهدون في صومعاتهم وليس في ميادين الوغى. يذكر حسين جوزو بهذا الصدد" في الوقت الذي كانوا يذكرون-المتصوفة- فيه الكشف والكرامات الواقعة على أيدي بعض مشايخهم، ومنها إحياء الموتى! كان العالم الإسلامي يتعرَّض لصنوف المحن و الشدائد". (الإسلام والعصر لحسين جوزو). وشتان بين الحاليين ُيحيون الموتى من جهة ويتركون الأحياء يموتون على أيدي الغزاة من جهة أخرى. ونتساءل بدورنا إذا كان الغزو الصليبي والمغولي والإستعماري- القديم والحديث- والصهيوني وما ارتكبوه من مجازر وحشية وإبادة بشرية ضد العرب والمسلمين لم يشحن بطارية الجهاد عند المتصوفة ويولد كرامات للوقوف ضد المعتدين. إذن لا خير فيهم ولا صحة لكراماتهم.
ان تأثير شيوخ الصوفية وعلماء الصفوية على أتباعهم ومريديهم كان أمضي سلاح إستخدمته قوى الإستعمار القديم والحديث، لذا كان تحركهم أولا على المراجع والشيوخ قبل أو خلال الإحتلال لخطب ودهم أو على أقل تقدير لضمان حيادهم. إن كسب المراجع والشيوخ للغزاة يعني ضمان الآلاف وربما الملايين من الأتباع. لذلك عمل المراجع على ترسيخ فكرة العصمة والطاعة عند أتباعهم والتسليم المطلق بآرائهم والإستحواذ على عقولهم وتطويع إرادتهم حسب أهوائهم ليستثمروا في مصالحهم. واعتبروا الإنحراف عن خط طاعتهم يعني الإنحراف عن خط الإيمان. ثم تمادوا في غيٌهم فأعتبروه الشرك بالله. ويذكر الأستاذ التليلي العجيلي" أصبح المريد رهين أوامر الشيخ الذي لا يرفض له قولا ، ولا يعترض له على أمر، فاستغل المشايخ نفوذهم في التحكم والتصرف في أتباعهم، ليس وفق هواهم فحسب، بل وفق ما تمليه عليهم القوى الاستعمارية".(الطرق الصوفية والاستعمار الفرنسي/34).
هذا الذي نحذر منه، وفيه الإجابة الشافية عن سبب إنشغالنا بهذا الموضوع كما تساءل بعض القراء الأفاضل، قوة جماهيرية ديناميكية مهمة يمكن لمرجع واحد أو شيخ أن يُفعلها أو يعطلها. والتجربة في العراق أفضل برهان على هذه الحقيقة. لكن هذا لايعني بأن جميع الفصائل الصوفية والإمامية كانت بعيدة عن الجهاد، صحيح ان الغالبية تقف ضده لكن لكل قاعدة شواذ. مثلا في الوقت الذي خدمت الطريقة التيجانية الاستعمار الفرنسي في الجزائر، كان للطريقتين القادرية والروحانية دورا مشرفا في مقارعته. وفي تونس حدث العكس فقد خدمت الطريقتان الرحمانية والقادرية الاستعمار الفرنسي (حيث طالبت القادرية بتحالف فرنسي- إسلامي) وكان شيخ الطريقة محمد شعبان في إستقبال القوات الفرنسية الغازية. لكن بعض الزوايا من نفس الطريقتين حاربوا الإستعمار. وكذلك من مخازي الطريقتين( السلامية والشابية) إنهم سلموا رجال المقاومة الوطنية للقوات الفرنسية. أي نفس مهمة المخبر السري حاليا في العراق. ومن مخازي الطريقة التيجانية أن أوصى شيخها القبائل بالتزام الهدوء وعدم مقاومة الغزاة. أي نفس دعاوي أصنام النجف الأربعة وذيلهم مقتدى الصدر.
وتلاحظ ظاهرة إستعمارية مهمة تخص التعامل مع المراجع والشيوخ الذين يجندوهم لخدمتهم، وهي بعد أن تتوطد عرى الإستعمار في البلد يقوم تدريجيا بسحب البساط من تحتهم من خلال إنهاء نفوذهم المادي والمعنوي أو بتقليص امتيازاتهم كالسيطرة او التهديد بالسيطرة على مواردهم المالية او كشفها للمواطنين. وأحيانا التهديد بفضح تعاونهم مع الغزاة كعملاء مأجورين واسقاطهم شعبيا. وهذا مالاحظناه في العراق، فبعد الغزو الامريكي الغاشم كشف بول بريمر ورامسفيلد هوية أحد أكبر عملائهم في العراق وهو سماحة آية العمالة العظمى السيستاني.
نود أخيرا أن نوضح إن المتصوفة نسبوا لبعض الثوار والزعماء السياسيين إنتسابهم لمذهبهم وهي إكذوبة، يحاولون ترويجها على البعض، لربما كان البعض من الزعماء قد أبدى إعجابه بأحدى طرقهم أو حضر حقات ذكرهم أو إتصل بشيوخهم لكن هذا لا يعني إنه أصبح شيخا متصوفا. الصوفية عقيدة وفيها مراتب، لذلك فمن يدعي العكس نطالبه بأن يذكر لنا المرتبة الصوفية للزعيم والثائر التي وصلها في سلم التصوف! وهل يحمل نفس أفكار شيوخ التصوف كوحدة الوجود والحقيقة المحمدية والفناء في الذات الإلهية وغيرها مما تحدثنا عنه في المقالات السابقة؟
الصوفية كحركة شعوبية تحاول أن لا تظهر على السطح إية توجهات سياسية. لذلك لم نشهد لهم كتابات في السياسة أو تقرب من الحكام بل على العكس من ذلك وفقا لعقيدة التقية التي يؤمنون بها. لم نشهد في تأريخ الصوفية سوى حالات محدودة جدا حاربت فيها الإحتلال من أبرزها في الماضي القريب السنوسية التي أسسها محمد بن علي السنوسي(ولد في الجزائرتوفي في ليبيا1859) وقد كان لهم دورا مهما في مقاومة الاحتلال الفرنسي وبعض الطرق التي نوهنا عنها.
في الوقت الحاضر يعتبر رجال الطريقة النقشبندية فصيل جهادي مميز، ومن أبرز فصائل المقاومة الوطنية البطلة ضد الإحتلال الامريكي- الصهيوني – الفارسي للعراق. والحق إن أبطال هذه الطريقة فرسان للحق، رفعوا راية الجهاد خفاقة في سماء العراق وسجلوا ملاحما بطولية سُطرت بماء الذهب سيذكرها التأريخ دائما وأبدا، وتتذاكرها الأجيال بفخر وإعتزاز. كنا نأمل أن تحذو بقية الطرق الصوفية في العراق حذو الطريقة النقشبندية وتنافسها في الجهاد ضد الأعداء. لكن يبدو إن الميدان كان حصرا على النقشبندية وبقية الفصائل الجهادية من غير الصوفية.