ما معنى أنك لا تعيش طفولتك كالآخرين؟
فراس حج محمد /فلسطين
اليوم الخامس للعدوان الآثم على غزة:
ما زالت جراحنا تنزّ دما يا شهرزاد العرب، أيتها القابعة خلف التلال البعيدة، والساكنة حيث مرافئ الأحلام ومناديل العطر تصافح وجنتيك النضرتين.
هنا في غزة الأحرار لا شيء!! لا طفولة لا ألعاب، لا عبث طفوليا في بيوتهم وملاعبهم الصغيرة، لا نوم هادئا، ولا حكايات للنوم، لا سلام ولا هدوء ولا اشتياق للفرح المخبئ في الأغاني والأناشيد.
يا كل شهرزاد أعماها الترف والنعيم والطرب في بلاد العرب، بلاد النفط والسهرات الماجنة، يا صبوة متكاثرة كيف سيكون حالك لو عشت ليلة واحدة على هدير الطائرات وسهرت على أنات الموجوعين والمبتورين أياديَ وأرجلا، المهشمين رؤوسا وعظاما!!
هل ستتحملين منظر الألم يا شهرزاد الترف والنعيم، هل ستنكرين طفولتك المترعرعة في الحدائق الخضراء واللاهية في مدن الملاهي الزاهرة؟ هل ستنكرين طفولتك المتشبعة باللهو وأنت تمازحين أو تعابثين الحيوانات المدجنة في حدائق الحيوان؟
إن أطفالنا يا شهرزاد لا يعرفون سوى الغول الأكول لحومهم والشاوي عروقهم، إنهم لا يعرفون التمثيل والدمى والحدائق الزاهرة العامرة، أنهم يلعبون مع الدبابات والطائرات والقاذفات لعبة اعتادوا عليها، إنهم يا شهرزاد لا يعرفون من العمر إلا أنين المواجع والركض للاختباء حيث لا ملجأ من النار إلا أجسادهم، فتمزح معهم القذاف والأسلحة مزحة خفيفة الدم، لا تتركهم ليبكوا قليلاً قليلا، إنها لاعب حاذف، تزفهم إلى السماء أيقونات خالدة، أرأيت ما ألطف مزحتها ومرحها مع أطفالنا؟
إن أطفالنا يا شهرزاد لا يعرفون إلا الظلام الذي غدا بحرهم يسبحون فيه، لا يعرفون عوالم السحر العربية في عواصمنا الزاهية بكل عجيب، لا يعرفون النوم على صوت موسيقى هادئة، لقد اعتادوا أن يكونوا نبتا صحراويا يقاومون الجفاف، فكانوا أبطالا ورجالا في مقاومتهم لوحش الزمان الذي انقضّ عليهم غير آبه لطراوة عظمهم!
أطفالنا يا شهرزاد لا يعرفون الطفولة، أنكروا طاءها وفاءها ولامها، وأنكروا سنواتها وسمات مرحها وجمالها، ولدوا شبابا يافعين بما حملوا وتحملوا من عبء المقاومة والنضال والمشاكسة، هل يجرؤ أصحاب الرتب من جيوشكم التي هدها الوهم والوهن وتلميع الأحذية والذقون يا شهرزاد أن يقف جنرالاتها متحدين مجنزرة للمحتل ويقذفوها بحجر كما فعل ويفعل أطفالنا!
أظن أن الفرق واضح، أطفالنا وأشباه الرجال عندكم لا يتساويان ولا يستويان!! أأدركت الآن نعمة عيش الرجولة المبكرة، ونقمة التلظي في الطفولة النابتة في أعمار الكهولة الشائهة؟!!