بين غزة وسورية

د. عامر أبو سلامة

الرباط وثيق، والتلاحم عميق، بين غزة وحلب ودمشق وحمص وحماة وإدلب ودير الزور وسائر المدن السورية، ومنذ فجر التاريخ، ويمتد إلى يومنا هذا.

ذبحت غزة، وكانت كل المدن السورية تشعر بالمصاب، وتتلمس الألم، وأحياناً يكون العكس، وفي بعض الأحيان، يكون الألم بوقت واحد، شعور واحد، وصرخة واحدة، تتحقق من خلالها قدراً، جسدية البلدين، تحققاً بجسدية الأمة، كما في أيامنا هذه.

أخلاق العدو واحدة، قتل وسفك للدماء، وانتهاك لحقوق الإنسان، والمشهد بجملته يحكي قصة هذا الأمر الذي لا يتخلف، وإن اختلفت اللغة، وتباين المكان، وظهرت بعض فوارق البيولوجيا.

طفلة غزة تذكرنا، بآلاف أطفال سورية الذين قضوا تحت الأنقاض، وأخرجوا من بين ركام المأساة، وما حملت من ويل البراميل الملقاة على منازل الآمنين، وتفعل فعلتها كقنابل فوسفورية بيضاء أو صفراء أو حمراء، المهم أن لون الدم يصبغها بصبغته، ويدهنها بلونه.

بالأمس غزة ذبحت من الوريد إلى الوريد، تذكرنا بحماة، عام اثنين وثمانين، ببعض ملامح الجريمة في جزارها الواحد، ومعلمها الذي يخرج من كوة واحدة، وفعلاً قد تواصوا به.

غزة اليوم والأمس، ذكرى مريرة، مع سورية الأمس واليوم، فهما بين سارق الجولان وبائعها، ومشرد السوريين وقاتلهم، ذكرى تحتم أداء العمل في الزمن القادم، حيث الأمل المعقود بالغد المنشود، يراه العدو بعيداً، ويراه- بإذن الله- العاملون للمشروع قريباً.

وهو كذلك، فبشائر النصر تلوح في الآفاق، وعلائم زوال الظلم، تطل برأسها من نافذة الصبر، واقفة على قاعدة صلبة، تنادي بأعلى صوتها، نحن هنا قادمون، سائرون على الدرب، واصلون إلى نهايته، حيث نبحث، عن عدل وحرية وحقوق للإنسان، فالبقاء للصالح، والطالح إلى زوال.

قادمون رغم، خذلان العالم وتآمره، قادمون رغم ضيق ذات اليد، قادمون رغم الدماء التي في كل زاوية، قادمون رغم آلاف الشهداء، وملايين المهاجرين، وآلاف الجرحى، وآلاف المعتقلين.

قادمون، رغم هدم البيوت، وتدمير المنازل، وحرق المزارع، وتعطيل الحياة.

قادمون....عائدون....لربنا حامدون ( إن معي ربي سيهدين).