خطيبنا ... والبقرة
فائز سالم بن عمرو
يهرب الناس إلى الطرفة والنكتة للقفز على واقعهم المعاشي والحياتي الصعب والبائس ، فراحوا يتندّرون على السيارات الفخامة الفارهة التي لا يستطيع المواطن المطحون النظر إليها فضلا عن امتلاكها ، فأطلقوا لفظ " البقرة " على آخر موديل من سيارة الهيلكس ، كما سموا سيارة التويوتا الصالون " مونيكا " ، كما أطلقوا " الجمرة ، والشبح " على السيارات الفارهة تهكما وتعبيرا عن واقعهم المأساوي .
والعلاقة بين البقرة والخطيب غرامية وتلازمية ، فخطيبنا يعتلي المنبر مرتديا أفخر الثياب ، ومطليا بأغلى أنواع الطيب داعيا الناس في كل خطبة ومناسبة للتبرع بأموالهم وأنفسهم لنصرة قضايا ومآسي المسلمين المنتشرة على مدار خارطة الكرة الأرضية . خطيبنا صاحب البقرة لم تردعه ظروف الناس وأحوالهم المعيشية الصعبة التي تصيب المواطن المطحون بالإفلاس إذا اشترى كيلو من الفاكهة عن الاستيلاء على أصول وفروع ما في جيوب المصلين ، خطيبنا يتصيد مآسي المسلمين في العالم ، ويأمر المواطن المفلس من تبعات فواتير الإيجار والكهرباء والماء ومتطلبات الحياة بالتبرع لإخواننا المجاهدين في سوريا ، وإخواننا المظلومين في بورما ، وإخواننا المشردين في أبين وصعده ، ويحث المصلين على المسارعة في الإنفاق ، والفوز بالجنة وشراء عتقهم من النار بهذه الصدقات الخراجية .
خطيبنا صاحب البقرة يزبد ويصرخ ، وربما يبكي مآسي المسلمين ، ويستثمر كوارثهم ليركب بقرته وسيارته المكيفة ، ويذهب لفلته الفارهة مصطحبا بجيش من الحراسات والأنصار . خطيبنا صاحب البقرة يبصر الإفلاس والريالات في جيوبنا ، ويتناسى أمواله وعقاراته الضخمة . تجاهل خطيبنا الذي يسرد سيرة السلف الصالح ، ويطالبنا بالاقتداء الحرفي بهم . تلك السيرة العطرة الذي تذكر بان الإمام الشافعي رفض ان يخطب لعتق الرقاب والعبيد إلا بعد ثلاث سنوات من مناشدة طلابه وأحبابه ؛ لأنه عمل طوال ثلاث سنوات ليملك المال الذي يشترى به عبدا ليعتقه قبل ان يصعد المنبر ، ويأمر المصلين بالعتق ، ليكون القدوة والأسوة .
خطيبنا صاحب البقرة يردّد علينا في كل جمعة قصة الخليفة عمر بن الخطاب الذي نام بغير حراسة ؛ لأنه عدل فأمن فنام " ، ويأتي إلينا بجيش من الحراسات التي تمشط المسجد والمنبر ، وتتوزع حراسته الأمنية في أطراف المسجد وأوساطه ؛ حتى ان المصلين يعلقون بقولهم : " نخاف من يأتي لنا الخطيب بكلاب حراسة تمشط المسجد ، وتفتش المصلين " ! .
هذه الأموال المغصوبة المنتزعة من أفواه الفقراء وأطفالهم لا يعرف المصلون وجهتها ، وهل تذهب لمستحقيها ، أم تتراكم في أكياس العاملين عليها ، أم تطير لجماعات وجهات مشبوهة ، فقد تواترت الأخبار والأحداث عن تورط كثير من التجار وأهل الأموال حينما تصدقوا بأموالهم للفقراء ليستدعوا من قبل أجهزة الأمن بتهمة دعم وتمويل جهات مطلوبة أمنيا .
خطيبنا صاحب البقرة موسوعي الخطبة ، فيخطب في الزهد ، ويفتي في السياسية ، وينظّر في الطب ، ويذكر الإعلاميين ما ينبغي قوله وفعله ، ويستشهد بأقوال السياسيين والقادة ؛ متسائلا عن ثروة الحكام العرب رافعا شعار : " من أين لك هذا ؟! " ، وإذا طبّقنا هذه الخطابات والعبارات ، نسأل خطيبنا : من أين لك هذا ؟! ، وقد قدمت إلينا مرحّلا لا تملك إلا بيتا من العريش ، وسيارة متهالكة تكسب بها عيشك ! ، خطيبنا يسرد الآيات والأحاديث ليقيم الحجة على المستمعين لخطبته معتقدا بأن أفعاله وتصرفاته منزهة لا تشوبها نواقص البشر وأخطاءهم ، فحديث رسول الله الصحيح " لعن الله من أمّ قوم وهم له كارهون " لن يصيب الشيخ وجماعته شيئا من الوعيد ، رغم اعتراض كثير من المصلين على خطبه السياسية والنارية .
ينتظر الناس من خطيبنا صاحب البقرة ان يسارع لمغفرة الله ، ويفوز برحمة الله ، ويعتق رقبته من النار بالتصدّق بسيارته البقرة الفارهة للفقراء والمحرومين ، أسوة بالفقراء الذين ينتزعون لقمة العيش من أفواه أطفالهم ، ويؤثرون إخوانهم المعدمين والمستضعفين ! .
* كاتب وباحث من حضرموت