في وحدتكم ضعفنا
جواد بولس
لا عودة، هذه المرة، عن قرار بنيامين نتنياهو بحل الكنيست وإجراء انتخابات عامة في مطلع العام المقبل. لقد اتّخذ قراره كصاحب البيت ومن بيديه يحل ويربط.
مع إعلان نتنياهو عن قراره سارعت بعض الهيئات الحزبية في أكثر من حركة وحزب لعقد اجتماعات طارئة، عنها صدرت بيانات لخّصت بعجالات، لم تأتِ بجديد، وبشّرتنا، نحن الجمهور، عن جاهزية قلاعنا لخوض المعركة القادمة وأكّدت على ضرورة وحدة جميع الأحزاب والحركات العربية. نداءات تُليت كتمتمة دعاء وبعَرَضيّة نكتة. اكتشاف مذهل بعد سنوات من التيه والوجع.
لن يخفى على مقروص أن هذه النداءات هي أقصر من حبال الكذب، وهي نداءات غير صادقة وليست أكثر من محاولات لتسجيل مواقف قد تستميل بعض الناخبين أصحاب الأحلام الرومانسية الذين "يطوشون" كالبيض الصالح في الماء المالح.
لا رصيد لهذه النداءات فأولًا، لا نوايا حقيقية لعقد قران هذه الوحدة، لأن الحياة علّمت والعقل استفاد أن من ينوي البناء لا بد له من تجهيز أساسات متينة وهذه لم تُعد ولن تُعد. وثانيًا من يدعو إلى وحدة عليه أن يوقف حملات التفريق والتقريع والتطبيل والتزمير فهل توقف "التجمع" عن اعتقاده ان الطيبي غير جدير بالتفاتة ولن يكون شريكًا لا بفرح ولا بترح؟ وهل توقف "التجمع" عن اتهامه لـ"الجبهة الديمقراطية" و"الحزب الشيوعي" بالخيانة الوطنية وبالانبطاح على عتبات المؤسسة الإسرائيلية؟ وهل توقف الإسلاميون عن تجريم كفر الشيوعيين وأكثر؟ وهل انقلب الجبهويون وكفّوا عن إيمانهم بفداحة وعبث ما يدعو إليه "التجمع" وما تنادي به حركات إسلامية وقومية لا تخفي مواقفَها من الكنيست والدولة بشكل عام؟ وهل أصبح الطيبي حزبًا/حركةً كاملة القوام والجسد؟
لن تتوحّدوا والشكر والحمد لله أنّكم لن تتوحّدوا. فنحن لسنا بحاجة إلى لجنة متابعة ثانية. لسنا بحاجة إلى وحدة تُعيق العمل الجاد، وتحبط التقدم السليم، وتغرقنا في محيط من المواقف الهلامية الهزيلة، التي تبقى كشفرات صدئة على هامش الجرح والنزف. وحدةٌ مُعيقة أضرُّ من فرقةٍ تحصدُ ولو لمامًا.
كيف ستتوحّدون؟ ألم نتعلم في أول درس في السياسة أن الحزب السياسي هو عبارة عن طائفة من البشر/المواطنين الذين اتّفقوا على رزمة من المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ومن أجل تطبيقها يسعى هؤلاء للوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه.
فهل انعدمت الفوارق السياسية بينكم؟ وهل أمست هذه الفوارق هامشية وما يوحّد بينكم صار المتن؟ لا أعتقد. على كل حزب أو حركة أن تفصح للناخبين عن مواقفها إزاء إسرائيل ومؤسساتها وطبيعة علاقتنا كأقلية قومية معها. كيف سنصوغ علاقتنا معها لضمان مستقبل مشرق ومشرَّف؟ والأهم من ذلك ما هي الوسائل لتحقيق ما يؤمن به ذلك الحزب وتلك الحركة؟.
برأيي أن سؤلًا حول أفق تحقيق "الدولة القومية العربية" في إسرائيل، من خلال النضال البرلماني في "الكنيست الصهيوني"، يبقى السؤال المفتاح لمواقف حزب "التجمع" في العديد من القضايا والمسائل الجوهرية. معالجة هذه المسألة، بعيدًا عن التجريح والمزايدة والتخوين، من شأنها أن تمنع كثيرًا من الزلٌات وأن تجلو كثيرًا من الضباب.
كذلك يبقى سؤال موقف الحركة الإسلامية من إسرائيل كدولة، ومن كل دولة قومية (بما في ذلك فلسطين) سؤالًا مفصليًا، هذا ناهيك عن ما تعنيه "الديمقراطية" لهذه الحركات، ومواقفها مما يعتبره آخرون حقوقًا أساسية للجميع وللمرأة، وحتى لمن لا يريد أن يتّبع دينًا، لا قدَّر الله!
لقد صاغت الجماهير العربية طبيعة علاقتها مع إسرائيل كدولة قامت على أنقاض شعب وتراب سليب، في منتصف القرن الماضي. عناصر تلك الصياغات ما زالت هي العناصر المتنفذة في مفاصل حياتنا وتشابك علاقاتنا مع مؤسسات الدولة. إنني أعتقد أن على الجبهة، وهي المؤهلة لدور الريادة، أن تقوم بدراسة جدية لمجمل برنامجها السياسي فهنالك حاجة لإعادة صياغة من شأنها أن تتلاءم وما طرأ من تغييرات في الفضاء العالمي وفي المنطقة والدولة ومجتمعنا المحلي (سقوط الاتحاد السوفياتي، العولمة، العلاقات الاقتصادية الجديدة، ربيع العرب أو خريفهم!، النظام السياسي في إسرائيل ونزوعه بالتعريف العلمي إلى الفاشية، منظمة التحرير الفلسطينية ومكانتها، حل الدولتين، الموقف إزاء الحركات الإسلامية، تراجع نسبة التصويت وغيرها من العوامل).
لقد وصلنا إلى حالة من التشوُّه السياسي ونحن ندفع ثمن هذا التلكؤ والكسل. لجوءنا إلى شعارات توفيقية حجب عنّا تحقيق عوائد لصالح مجتمعنا. استظلالنا بدفيئات اصطناعية أهلك زرعنا وشوَّه حبَّنا. ربما كانت تلك أهون الخيارات وأسلمها إلى حين، ولكن اليوم، وعلى خلفية ما طرأ من متغيرات، نحن بحاجة إلى عودة المايسترو، وعلى هذا أن يكون عاقلًا حاذقًا متعلمًا مجربًا واثقًا حازمًا حاسمًا، وعليه أن يمسك العصا.
لا تتوحَّدوا يا سادة بل تميَّزوا، ليختار من حار وليتراجع من استنكف عن يأس وعن ملل. لا تتوحَّدوا، ولكن لا تخوّنوا ولا تكفِّروا بعضكم بعضًا، فإن أجدركم عند شعبكم أفيَدُكم للناس، أجدركم من يقف وراء الدفّة ويقود.