هدنة عيد

(الجنازة حافلة والميت ...)

زهير سالم*

[email protected]

لا بد لنا ابتداء أن نشهد للمبعوث الأممي بالبراعة السياسية والدبلوماسية . فبعد خمسين يوما من فعل ( لاشيء ) ومن غيبة ألحقها البعض بغيبة مأمول الفرج ، عاد السيد المحترم بقفزة بهلوانية ، لا تتناسب مع وقار العمر ؛ بعرض ( هدنة عيد ) لمدة أربعة أيام . يعرض هدنة أربعة أيام فقط فيخطف بها الأضواء بعد أن انطفأت ، ويملأ الدنيا ويشغل الناس !!

بتنا بالأمس الخميس ثاني الأيام العشر من ذي الحجة الحرام على مائتين وثلاثين شهيدا على أرض الشام . مائتان وثلاثون شهيدا بينهم عشرات النساء والأطفال . تذكرنا مجزرة مسجد معرة النعمان الذي تحول إلى ملجأ مدني بمجزرة ملجأ العامرية في بغداد . ملجأ العامرية اخترقته القذائف الأمريكية هناك ومسجد معرة النعمان تخترقه القذائف الروسية هنا .

وبدلا من أن يشتغل الرأي العام والرأي الخاص ( المبعوث الأممي ومن بعثه ) بتعقب مفاصل المجزرة والسعي لمواجهة القتلة في الساحة الأمامية لفعلهم ؛ يتراجع السيد المبعوث الأممي خطوة إلى الوراء عن مطلب موكله السيد بان كيمون الذي أعلن قبل أيام فقط بطلبه واضحا صريحا : وقف إطلاق دائم ومن طرف واحد يطالب به بشار الأسد وحده .  بقدرة قادر وإرادة ملتوية يقزّم الدبلوماسي البارع طلب موكله إلى هدنة عيد لمدة أربعة أيام فقط . فتعلق هذه المرة الصنارة وتبدأ عملية مقصودة لذاتها من الشد والجذب ..

وبينما يمضي مشروع القتل الأسدي إلى غايته ؛ يتكاثر المعلقون حول القصعة الملغومة أو المسمومة . نقبل ، لا نقبل ، نقبل بشرط ، بل بشروط ، لا نقبل ولكن .. بل لماذا تأخرتم بالقيول ؟! لا..لا.. كيف أعلنتم القبول ألا تدرون ما يعني هذا ؟!!! وكان هذا الذي يجري هو المطلوب .

 المطلوب أن تدور أبصار المتابعين للمشهد السوري والمتضررين به والمستفيدين منه وراء ( كرة حامية ) تحركها خيوط المبعوث الأممي . الذي أراد أن يثبت لمن ينتظره أنه _غودو _ الذي سوف يعود ..

ربما بعض الرصانة في الموقف الذي نحن فيه تنفع . لقد قالت المعارضة السورية منذ أول يوم للمبعوث الأممي ولسلفه أيضا : إن مهمتك مستحيلة . وإن جهدك عبثي . وإنك إذ تصر على اختيارك تفعل ذلك على حساب دماء أطفالنا . طلب الإيضاح فأوضح الجميع له الحقائق . وحددوا المطالب . فهل كان من الحكمة ومن الرصانة أن تقطع قوى المعارضة جميعا مع كل هذا لتكون كمن _ كيفما مالت الريح يميل _؟!  ألم يكن من الأجدى للمعارضة السورية ألا تنغمس في لعبة المبعوث الأممي والتي هي في النهاية لعبة النظام فتجيب المبعوث كلما دعاها إلى بُنيّة من بُنيات الطريق _ وإنك لتعلم ما نريد _ ..

حين نتابع الضوضاء التي أثارتها مبادرة السيد المبعوث الأممي حول هدنة الأيام الأربعة . بل زعم البعض أن عيد الأضحى عند الإيرانيين يوم واحد _ وعيد النيروز ثلاثة عشر يوما _ نتذكر قول العامة في وطننا وما أروعهم وأذكاهم وأزكاهم : ( الجنازة حافلة والميت ..) كلكم ستكملون المثل ، و سيوافق بعضكم معي على أن الهدف من  إشعال الخلافات الصغيرة على الساحة الوطنية هو أن يتدفأ على نارها هؤلاء العابثون ..

هل تستحق هدنة أربعة أيام كل هذا المخاض ثم قد يكون الوليد خديجا  ؟!

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية