ثورة الشام وأخطر التحديات
ثورة الشام وأخطر التحديات
منذر عبد الله
تواجه ثورة الشام تحديات عديدة, منها البيّن الظاهر ومنها المستور الخفي.
أخطار تريد ضرب الثورة والقضاء عليها مباشرة وهي مكشوفة ظاهرة,
وأخطار أشد فتكا تؤيد الثورة ظاهراً ولكنها تعمل على حرفها عن مسارها وأخذها الى غير غايتها.
النظام ومن معه يمثلون الخطر القريب الظاهر الذي يهدف الى ضرب الثورة عسكريا وأمنيا وكانت هذه إستراتيجيته منذ البداية.
وهذا التحدي وإن كان صعبا ومؤلما ومكلفا جدا الا أنه مكشوف معروف محدد المعالم ومعرف الغاية والشعب عرفه منذ زمن وعرف بطشه وإجرامه وعدائه للأمة
ما جعل العلاقة معه علاقة شك وريبة بل علاقة عداء وصراع.
صحيح أن نظام الأسد بدأ يبدي بعض الاستعداد للمساومة بشكل مباشر أو عبر وسطاء السوء في روسيا وإيران وكوفي أنان
إلا أنه إنما يقوم بذلك نتيجة فشله المتكرر في القضاء على الثورة عبر البطش ولأنه يتعرض لضغوط من الخارج تدفعه الى القبول بالتسوية
التي تمكن نفوذ أسياده من الاستمرار ولكن بوجوه جديدة وما هذا بأقل خطورة على الثورة بل هو المكر والخداع الذي يهدف الى ضرب الثورة في دهاليز السياسة.
الخطر العسكري الذي يهدد الثورة والذي ستكون مدينة حلب إحدى أهم ساحات المواجهة معه في الأيام القادمة يتمثل فيما يتمتع به النظام المجرم من تفوق في سلاح الجو والدبابات
وفيما يتلقاه من دعم متواصل من قبل دول مجرمةقريبة وبعيدة.
أيها الإخوة: يا أهل الشام وثوارها الأبرار, صحيح أننا على الحق, وأن ثورتنا ثورة منصورة بإذن الله, وصحيح أن نظام الأسد
نظام كفر وفساد وهو آيلٌ الى السقط لا محالة باذن الله, ولكن لا يجوز أن نستهين بقوة خصمنا وإجرامه,فأنتم تعرفون بطشه وإجرامه
وأنه نظام حقير مفلس من أية قيم, وتعرفون أنه لا يقاتل لوحده في هذه المعركة, فورائه رأس الكفر أميركا ومن معها من دول قريبة(إيران والعراق ولبنان) وبعيدة والمواجهة باتت مكشوفة في أطرافهاوفي طبيعتها وفي أهميتها فيما يتعلق بمصير الأمة وقدرتها على التحرر من نفوذ الكفر وهيمنته,
وها هي الأمة اليوم تعلق آمالها عليكم وعلى ثورتكم المباركة بعد أن أحبطت ثوراتها وحرفت بأيادٍ معظمها يسمى (إسلامي) والاسلاممنها براء. لا تندفعوا في مواجهتكم لهذا المجرم, وأحسبوا كل خطوة تخطونها, فالشجاعة لوحدها لا تحقق النصر,
ولا صحة الموقف ولا مجرد الصدق لوحدهما يحققان النصر, هذه كلها مطلوبة وضرورية لتحقيق الفوز ولكنها لاتكفي لوحدها,
فلا بد من الخطة العسكرية ولا بد من حسن التصرف, ولا بد من التزام الشرع والتوكل على الله وحده, ولا بد من التفكير العسكري المناسب لطبيعة المعركة والعدو الذي نواجهه والقدرات التي نملكها.
الحذر من تشتيت قوتكم, فالحركة السريعة مطلوبة عبر مجموعات خفيفة تقوم بعمليات نوعية وخاطفة خلف وداخل مناطق سيطرة العدو,
ولكن هذا لا يعني التمدد السريع الذي لا يتناسب مع قدراتنا لأن ذلك سيمكن المجرم من ضربالثوار بطريقة سهلة وسيستغل أية مكاسب يحققها في إطار التعبئة المعنوية لقواه المنهارة.
لا بد من خطة عسكرية تتضمن أساليب فعالة للتعامل مع طائراته ودباباته للتغلب على هذا التفوق النوعي والتعويض عنه.
لقد واجهت مجموعات عديدة هذا التفوق وتمكنت من التغلب عليه وخاصة داخل المدن, ومن الأمثلة على ذلك افغانستان ولبنان وغزة.
لا بد للثوار من إعتماد تكتيكات تعتمد على المرونة وسرعة الحركة, وذلك بتشكيل مجموعات قتالية (قوات خاصة) قليلة العدد ولكنها جيدة التسليح تتمتع بخيرة عالية وقدرة على التحرك السريع من مكان لآخر لتتولى القيام بعمليات خاطفة ولكنها نوعية توجه من خلالها ضربات موجعة للنظام تطال مفاصله أو خطوط إمداده ما يجعله في حالة خوف دائم وإضطراب لا يعرف معه التركيز وما يفقده توازنه.
ولكي يكون عمل هكذا مجموعات فعال وذوا نتائج حاسمة كان لا بد من العمل على توفير كل المعلومات اللازمة عن تحركات النظام وخططه,
وهذا يستدعي وجود جهاز خاص لجمع المعلومات وتحصيلها خاصة من داخل مؤسساتالنظام العسكرية والأمنية, ما يمكن من تحقيق أفضل النتائج العسكرية.
أما الأخطار المخفية فهي تأتي غالبا ممن يؤيدون الثورة ظاهراً ويعملون على حرفها بدل مواجهتها, وهذه القوى منها داخلي ومنها خارجي وبعضها سياسي والآخر إعلامي.
فالمجلس الوطني والهيئات الأخرى (للمعارضات) الخارجية العلمانية تعتبر من أخطر التحديات السياسية للثورة, كونها تمثل الأداة البديلة لدى الغربيين لانقاذ نفوذهم في سوريا.
ولا يقل خطر الجامعة العربية السياسي على الثورة عن خطر مجلس الأمن, ولا تقل خطط قطر خبثا عن خطة كوفي عنان,
ولا يقل خيار مناف طلاس سوءاً عن خيار فاروق الشرع أو أي شخص آخر من النظام. كلها أخطار وتحديات تواجه الثورة وتعمل على ذبحها ولكن بخيط من حرير.
أما الدور الاعلامي فهو خفي وماكر جدا ويصعب على غالبية الناس إدراكه,
فحين تؤيد بعض المحطات الثورة وتواكبها أولاً بأول فان الأمر الأكيد هو قدرة تلك الفضائيات على إختراق الثورة بشكل واسع والتغلغل داخل بنيتها
وتنظيمها وكسب ثقة معظم الناس بها, جاهلين حقيقة موقفها ليس من عدو الثورة الظاهر بل من مصير الثورة ومآلها وما تطمح اليه.
فهذه الفضائيات تعتبر من أخطر الأدوات فتكا على الثورة خاصة أنها تسايرها وتواكبها وتناصرها كمقدمة تمكنها من كسب الثقة
والولاء المعنوي كي تتخذ ذلك مدخلا لحرف الثورة وسرقتها والباسها ثوب الكفر المتمثل بالدولة المدنيةوالديمقراطية وهذا ما فعلته في تونس وليبيا ومصر واليمن.
فهذه الفضائيات لا تعمل لله, ولا هي حرة, وموقفها الايجابي من الثورة لا يطهرها من التهمة ومن العلاقة بالاسرائيلي
الذي ما فتئت تطبع معه وتسوق للسلام معه, وهي ليست بعيدة عن حكومات فاسدة الى أبعد الحدود, لطالما كانت ومازالت عونا للمستعمرين وقواعد لطائراتهم وأسطاليهم.
هذه الفضائيات مع الثورة طالما أنها تراهن على سرقتها وحرفها بعيد عن الاسلام نحو الكفر من علمانية وديمقراطية.
الخلاصة أن الثورة في خطر... خطر مكشوف نواجهه بكل بسالة وسننتصر عليه باذن واحد أحد وخطر خفي لا يرى الا بالفكر العميق والايمان الصادق,
وهو الخطر السياسي والمبدأي, وهو الذي يهدف الى حرف الثورة ويعمل
لجعل الثورة تقبل بأنصاف الحلول, وهو يعتمد غالبا على دعم الثورة لكسب ثقة رجالها ثم ليرتهن إرادتهم ثم ليملي عليهم ما يريد من مشاريع تبقي البلاد تبعا للأجنبي وعملائه
ومن هنا فلا يقل خطر الدور التركي الخفي عن خطر الدور الايراني المكشوف فهم يكملون بعضهم البعض في محاولتهم ضرب الثورة أو إحتوائها.
إن التحدي الكبير ليس في مدى قوة إرادتنا ولا في مدى قدرتنا على التضحية ولا في قوة خصمنا, بل إن التحدي هو في وعينا وقدرتنا على التزام مبدأنا
وفي قدرتنا على تحديد أهدافنا السياسية مستمدة من عقيدتنا وحضارتنا بعيداً عننفوذ الأجنبي وعملائه, ففي تونس أمكن التغلب على بن علي,
ولكن رضي الناس ببقاء دولة بن علي التي أنتجت الكفر والجوع والتبعية, وفي مصر أسقط الناس رأس النظام ولكنهم رضوا أن يبقوا محكومين من قبل مجلس عسكري
عميل كان الحامي لمبارك وفساده بل والمشارك له في نهب البلد وإخضاعها لأميركا.
وكذا حصل في ليبيا, تغلب الثوار على القذافي وأسقطوه ولكنهم سلموا البلاد الى رجال عملاء أنتجتهم نفس الذهنية الغربية الحاقدة على الاسلام عبر صناديق انتخابات
لم تنضج ظروفها الموضوعية بعد حكم الكافر أكثر من أربعين سنةأفسد فيها كل شيء, ما جعل الثوار في ليبيا سخرية للناس وللتاريخ,
يسقطون رجالا يمثلون نظام كفر ونفوذ كفار ليستبدلوهم برجال آخرين يسيرون على نفس النهج ما يمدد عمر الكفر والتبعية وما يضيع التضحيات التي بذلت.
وهذا اليمن هو أسوأ حالا, لم يبخل الثوار بدمائهم, ولم يكن القتل يثنيهم بل على العكس كان يزيدهم إصرارا, وما عجز عنه القتل تكفل المكر والتسويات بتحقيقه,
ضربت الثورة عبر المبادرة الخليجية الماكرة, وتم إنقاذ نفوذ الانجليز فياليمن ولم يكلفهم ذلك سوى تغيير الرئيس حتى دون محاسبته على فساده وإجرامه
كل ذلك الفشل قد وقع بسبب عدم الوعي وعدم وجود رؤية إسلامية سياسية واضحة وبسبب المراهنة على قوى المعارضة العميلة التي أعدت على عين
أو قبلت أن تدخل لعبة المساومة مثل الاخوان في تونس والمغرب ومصر.
يا رجال الشام الأبرار يا أحفاد الصحابة الكرام, المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين, لقد خبرتم نظام الاسد وعرفتم بطشه ومكره,
وقد لدغ المسلمون من الجامعة العربية مرات ومرات ومن مجلس الأمن ما لا يذكر, فلا تجعلوا منأنفسكم سخرية للناس,
فلا تقبلوا بالتسويات مهما عظمت التضحيات ومهما كثرت المؤامرات وأثبتوا على طريق العزة ولا تلتفتوا الى الزواريب المعوجة المظلمة
وأعلموا أن الله معكم وهو ناصركم بقدر نصركم له وأكثر. فلا يجوز أننرضى بأية تسوية, بل عزم وحزم وقول فصل وموقف ثابت
لا نتراجع عنه أبدا حتى نحققه, إسقاط النظام ومن جذوره المتعفنة, فلا يبقى أحدٌ من رجاله لا رموزاً ولا أصغر من ذلك ولا أحقر,
بل تهدم دولته بكل مؤسساتها ويعاد بنائهاعلى أساس إسلامي صحيح يرضي الله سبحانه وتعالى يحقق كل طموحات الثورة وأهدافها.
فلا يبقى دستوره ولا قوانينه ولا قضائه ولا إعلامه ولا يبقى رجال أمنه الكبار ولا يبقى أي نفوذ لأي شخص كان من شبيحته أو شيوخه الضالين بل تغيير شامل كامل يكون أساسه الفكر والايمان.
أيها الإخوة: سيروا نحو تحرير حقيقي وتغيير كامل ومعركة فاصلة تحدد مصير المنطقة بل والعالم كله, سيروا نحوا عهد جديد تفتتحونه
بإقامة دولة الخلافة صرح الاسلام المجيد ودولته العتيدة والتي فيها حكم الله وعز المسلمين وصلاح الدارين وعدل لا يفرق بين مؤمن وكافر وبذلك تتحقق على أيديكم وفي بلادكم بشرى رسولكم صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة على منهاج النبوة.
(ونريد أن نمُنَ على الذين إستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين...)