هل العرب في حاجة إلى أحزاب "عربيّة" في الكنيست؟!
هل العرب في حاجة إلى أحزاب "عربيّة"
في الكنيست؟!
عارف الصادق
في الماضي البعيد كان المباي، الحزب المهيمن في إسرائيل يومها، يصنع قوائم عربيّة ونوّابا عربا يتنافسون، في حماس وعداوات شخصيّة ضارية، ليكونوا مطيّة للحاكم في تثبيت سلطته في البلاد، وعونا له في الدعاية والتسويق في العالم، خارج إسرائيل. لم يكن للعرب في تلك الأيّام من أمل في الانتساب إلى المباي، "النظيف" من العرب، ولا إلى الهستدروت حتى، "نقابة العمّال العبريّين في إسرائيل". اشكروا ربّكم على انقراض القوائم العربيّة التابعة للحاكم في هذه الأيّام. هذا تغيير نوعي لا نكاد نتذكّره اليوم لأنّنا اعتدناه. لا ننسَ أيضا أنّ عضويّة العربي الكاملة، هذه الأيّام، في الهستدروت، أو في الأحزاب الصهيونيّة، مثل العمل وميرتس، أصبحت أمرا مألوفا، اعتدناه حتّى نسيناه أيضا، وفي الماضي كان من المستحيلات. بل يمكنا القول إن العضويّة الكاملة، سواء في نقابة الهستدروت أو في الأحزاب "اليهوديّة"، هو إنجاز كبير للعرب في إسرائيل. إنجاز ألفناه، كما أسلفنا، حتّى لم نعد نلتفت إليه .
واليوم، بعد رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست، فإن أمام العرب الفلسطينيين، من أنصار الأحزاب "العربيّة" في هذه البلاد، طريقين لا ثالث لهما: إمّا خوض الانتخابات في قائمة واحدة أو قائمتين على الأكثر، رغم الخلافات المتنوّعة المستحكمة بينهم، في سبيل الوصول إلى الكنيست، أو السقوط سقوطا مدوّيا. وإذا جاز لي التنبؤ، في هذا العصر البعيد عن النبوءة والنبيّين، فإنّ "الزعماء" العرب سيجدون في نهاية المطاف المعادلة المقبولة عليهم جميعا. لن يضيّعوا فرصة الوصول إلى الكنيست. إنّها الغاية في حساباتهم جميعا، حتّى إذا غلفوها بالمبادئ والإيديولوجيا. والغاية سوف تضطرّهم إلى ابتكار الوسيلة، أيّ وسيلة، في سبيل تحقيقها !
هكذا سيصل "الإخوة" العرب إلى الكنيست، في أغلب الظنّ، وفي عدد قد يفوق عددهم اليوم. لكن ماذا سيكون دورهم في الكنيست؟ هذا هو السؤال. نهاية الأرب طبعا أن يدخلوا في ائتلاف مع "اليسار" الإسرائيلي، أو يؤيّدوه "من الخارج"، كما فعلوا في عهد رابين. بكلمة أخرى، سيلعبون دور"الوكلاء" في تأييد المواطنين العرب للحكومة البديلة. والسؤال هو: إذا كانوا سيقومون بدور"الوكلاء" في تأييد العرب للحكومة، ويقبضوا أجورهم طبعا، فلماذا لا يؤيّد العرب أحزاب الحكومة العتيدة مباشرة، دونما وسيط أو وكيل؟
قبل أن تذهب الظنون بعيدا بالقارئ العربي ، فيلصق بي التهم القريبة والبعيدة، أودّ طمأنة القاصي والداني مسبقا أنّي شخصيّا قرّرت منذ عهد بعيد الامتناع عن التصويت هذه المرّة. لا أجد منطقا، ولا مصلحة، في التصويت للأحزاب العربيّة، ولم "تقحم" بعد نفسي على التصويت للأحزاب اليهوديّة. على الرصيف أنا، واقف أنتظر ما سيكون.
كلمة أخيرة أقولها من مقعد "المحايد" الواقف على الرصيف. إذا كان "الإخوة" العرب في الكنيست سيناضلون في سبيل تأييد حكومة بديلة، من "أحزاب اليسار" طبعا، فلماذا لا يؤيّد العرب أحزاب اليسار مباشرة؟ ما حاجة العرب إلى "وكلاء" في تأييد حكومة بديلة؟ لماذا لا ينهجون نهج اليهود في معظم البلدان الديمقراطيّة في العالم الغربي، في الولايات المتّحدة، وغير الولايات المتّحدة: يؤيّدون الحزب الأقرب إلى تحقيق مصالحهم، ويؤثّرون فيه من الداخل؟ ليس العرب في هذه البلاد أقلّ نسبة من اليهود في الولايات المتّحدة، فلماذا لا يتعلّمون منهم؟ ما حاجتهم إلى "وكلاء" يحملون تأييدهم إلى الآخر ويقبضون الثمن؟!
باختصار أقول في النهاية إنّ أمام العربي في الانتخابات القادمة طريقين، أو ثلاثا على الأكثر: إمّا انتخاب أحد الأحزاب "العربية"، ليكون لهؤلاء وزنهم في الكنيست القادمة، ويفاوضوا باسمه في تشكيل الحكومة، أو الامتناع عن الانتخاب، كما قرّر كاتب هذه السطور منذ زمن، قرفا من الموجود واستياء. أو تأييد احد الأحزاب الصهيونية كما ذكرنا سابقا، أملا في التغيير"من الداخل"!