الثورة السورية بين الوهم والحقيقة

د. حامد الخليفة

د. حامد الخليفة

بسم الله الرحمن الرحيم ...

في البداية لا بد من الوقوف بين يدي الثوار وقفة تبجيل واعتزاز فكل ثائر على دولة الشبيحة وأنصارها هو محل ثقة وفخار في وجدان كل سوري نبيل وعربي أصيل ومسلم كريم، وبالمقابل لا بد من التأكيد على أنّ من ليس له يد في هذه الثورة فإنما هو فاقد للنخوة وحب الوطن وعز العقيدة، فمن يقف مع الثورا إنّما يقف مع الحقيقة والإنسانية ومع جماعة العدل التي لا تجتمع إلا على حق، ومن يعادي الثورة فإنما يعادي الشعب المظلوم ويقف مع القاتل المفرط في الأرض والثروة والعقيدة، وشتان ما بين الموقفين!

أما الوهم فإنه يأتي من بعض المحسوبين على الثورة وربما بعض الثوار ويتمثل في سوء ظنهم بأنفسهم ومعتقدهم وتفريطهم بهويتهم! يتبين هذا حينما يلوذ هؤلاء وراء الأدعياء والمنبوذين ومن لا دين له ولا أمانة، ثم يفسحون لهم المجال للحديث عن الثورة وأهداف الثورة ومعاناة أبنائها، فحين ينصت السامع لهؤلاء يجدهم أبعد الناس عما يجري على الأرض وأقلهم استشعارا لهموم الثوار ومحبيهم! في حين يجدهم أشد الناس التصاقا بالأجنبي الذي كان ولا زال هو الراعي لبشار ولحكومته وهو المتستر عليه في عامة المحافل الدولية، فهذا الوهم الذي يسبح به هؤلاء واضح يلمسه كل من يقترب إلى الناطقين باسم الثورة ولا سيما الذين في خارج البلاد فهم يرفعون شعارات مخالفة لما يطالب به الثورا على الأرض السورية! والمريب في الأمر لماذا لا يرفع الكثير من المتحدثين باسم الثورة شعارات الثوار ومطالبهم ذاتها؟! والكل يعلم أن من يتحدث في الخارج باسم الثورة إنما هو وكيل، والوكيل لا يحق له التغيير والتبديل إلا بإذن من الأصيل! فمن لا يطالب بمطالب الثوار ذاتها إنما يبحث عن قضية أخرى! لا تتصل بمعاناة الناس في الداخل، وكلما ظهر هؤلاء في الإعلام أكثر عرفهم المخلصون لأمتهم أكثر، وأيقنوا أنهم يعيشون وهما يتمثل في اعتقادهم بأن الأجنبي هو الصانع المانع وهو الخافض الرافع، في حين أن الثائر المخلص هو من يصنع ذلك وربما يتلبس الأجنبي بعض مطالبه فيظهر بمظهر المناصر له ليصل إلى أهدافه الخاصة به! فالتعلق بالأجنبي هو انحراف في مناهج الثوار، والتلون بغير لون أهلها هو خداع للنفس وللأمة وتثبيط للعزائم ونشر للشك والريبة بين العاملين من أجل التغيير والإصلاح.

فمن المخاطر التي تعيق مسار الثورة السورية هو مثل هذه المظاهر التي تطفو على السطح فلا يجد المشاهد لها فرقا بين الكثير من راياتها وبين شبيحة بشار، فمن الوهم المخيف أن الثوار لا يجدون أنفسهم في كثير من الشعارات التي ترفعها المؤسسات المحسوبة عليهم في الخارج! والأدهى من ذلك يجد نماذج مشابهة لنماذج الشبيحة بسفاهتها وانعدام عفتها! وبما يناقض شعارات الثورة ومنهج الثورا ومواقفهم على الأرض السورية، فهذه الأوهام لا زالت في تراكم حتى صارت عائقا أمام النجاح، فترضية أناس لا صلة لهم بالثورة ولا بسوريا وهمٌ واقع فيه الكثير من العاملين ومن بينهم بعض المخلصين المؤتمنين ممن يعيش وهم التعلق بالأجنبي وضعف الثقة بالله تعالى ثم بالثوار العاملين على الأرض.

ولعل أبرز مظاهر الوهم هذه هو تبديل مسار النصرة من العمل على نصرة الثوار وتقويتهم على الأرض وتوفير وسائل الدفاع عن النفس والعرض والمال والوطن، إلى التعلق بالمنظمات والمؤسسات العربية والدولية التي طالما سقت المسلمين من مر أحقادها وخذلانها لقضايا الأمة، وقد ظهر هذا جلياً حين صار منطق معارضة الخارج مخالف لمطالب الثوار في الداخل فبدلاً من مطالبة المؤسسات الدولية الفاعلة بتبني القضية السورية راح هؤلاء يلتصقون بالجامعة العربية، وهم يعلمون أنها مؤسسة هزيلة منهكة لم يذكر التاريخ لها موقفاً في نصرة قضايا الأمة المصيرية، فضلاً عمّا يشوب علاقات كثير من أعضائها بموالاة نظام الشبيحة وتحالفهم معه ضد الشعب السوري! فكانت النتيجة أنه كلما ألح الناطقون باسم الثوار في الخارج على هذه الجامعة ابتكرت لهم من وسائل المكر والخداع ما يطيل عمر النظام المستبد ويوفر له مهل ومدد ووقت متجدد للقتل والتدمير والأسر والإبادة، وبعد أن تكشفت هذه الوسائل وفضحت تماماً، ابتكر لهم النظام وبرضى الجامعة بدعة جديدة تتمثل في المراقبين على الأرض وكأن إجرام النظام ليس ظاهرا! فمن هذا الذي يجهل ما يجري في سوريا؟ حتى يبعث له المراقبين؟

فكان نتيجة هذا الخدعة مباشرة حيث سار الإعلام بتصريحات الدابي بأنّ الوضع مطمئن ولا يوجد ما يخيف على الأرض فتلقف ذلك الإعلام الروسي والرافضي وأذنابهم ليرقصوا به على أشلاء السوريين وعلى وهم ممثليهم الذين يرجون نصرة الجامعة! وها هي الثورة السورية تدفع ثمن هذا الوهم ومخادعة النفس شهوراً من الهوان والذل والسفك والهتك والاستباحة لكل ما هو كريم وعزيز ومقدس! فزاد القتل والخراب والأسر والخطف والنهب والسرقة على مرأى ومسمع مندوبي الجامعة، ولا غرابة فهذه نتيجة الوهم، وهل بعد الوهم إلا التيه والضياع والذل والهوان! وهل يُرتجى الماء من السراب؟ كيف لا وهذه الرقابة نابعة ممن كان سبباً في التكتم على جرائم بشار الذي منحه المهل والمدد مداهنة ومراوغة، وبعد كل هذا ماذا ستكون نتيجة التقرير؟ حتى لو كان ذلك نظيفا ولن يكون! فإنّ الأمر لن يزيد عن إعادة الملفات إلى الجامعة التي فشلت أولاً ثم خَدعت ثانياً ثم فرطت ثالثاً في تصريحاتها المريبة ومداولاتها الآثمة مع النظام القاتل فلم تطالبه بسحب الجيش من المدن! ولم تطالبه بإدخال الإعلام الحر! ولا بالإفراج عن الأسرى والمخطوفين في سجونه، فماذا يجني السوريون حين ترفع التقارير وهي تتجاهل دماء أبنائهم وما حل بهم من مصائب، ثم إلى أين ترفع التقارير؟ أليس إلى من كان سبباً في إدامة معاناتهم أولاً؟ فمن يرجوا من الجامعة العربية خيرا للشعب السوري فإنما يعيش في الوهم الذي عاشه لمدة عشرة أشهر! فكيف يرتجى من هؤلاء تعاونا؟ وهم من أمّن الغطاء لجرائم بشار وشبيحته الأشرار! وهاهم يمتنعون عن زيارة الأشلاء والدمار الذي حلّ في حمص وغيرها! فإن لم يكن إحسان الظن في من منح الوقت الكافي لبشار ليقتل السوريين وهماً؛ فأين يكون الوهم إذا؟ 

وبعد كل هذا فالحقيقة ساطعة تتمثل في أنّ من لا يدافع عن نفسه لن يدافع عنه أحد! وأنّ من لا هوية له فلن يكون له مكان بين الأمم! ومن لا عقيدة له فلن يصل إلى هدف! ومن يسلم قياده للأجنبي فلا يلومنّ إلا نفسه، فالعقيدة هي التي تصنع الهوية وتوحد الصف وتثمر النصر، فمن غيّب كل هذا عن الثورة السورية؟ أليس هو الوهم وهم التعلق بالجامعة الواهية! وبالقوى الأجنبية وأتباعها الخانعين ممن يفرط في عقيدته ويقبل بِذُل أمته! وكيف يُرتجى النصر ممن صنع بشار وحامى عن نظامه ومنع السوريين من الحصول على قرار عالمي يدين العابثين بدمائهم وأعراضهم ومقدساتهم؟! فهل نتعض ونتعلم ونعيد تنظيم الصفوف وترتيب الأولويات والتواصل والتناصر والاعتماد على الله تعالى ثم على أبناء ثورتنا الأشداء الأذكياء المخلصين لأمتهم ولعقيدتهم؟! فيا أبناء الثورة السورية يا من صنعتم العجائب في صبركم وثباتكم أتموا مسيرتكم بإعلان هويتكم والتمسك بعقيدتكم، لكي يقف معكم من يؤيدكم على بيّنة وتعلموا من يخدعكم وينصر عدوكم، (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ).