آفاق المبادرة الروسية للحل السياسي في سوريا
آفاق المبادرة الروسية للحل السياسي في سوريا
المحامي مصطفى أوسو
تحاول روسيا، التي دعمت بكل قواها وإمكانياتها، نظام الديكتاتور بشار الأسد، وبررت حربه الشرسة وجرائمه البشعة بحق الشعب السوري، إن تلعب دوراً جديداً في هذه الأزمة المستفحلة، من خلال قيامها بتحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة، لدى مختلف الأطراف المعنية، تمهيداً لإطلاق مبادرة تفضي إلى تسوية سياسية لها. هي تهدف على ما يبدو، ضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية تريد أن تبقي في يدها بعض أوراق القوة، للتفاوض عليها مستقبلاً، بعد أن فقدت الكثير من مقومات ذلك، نتيجة الأزمة الأوكرانية التي أدت لعزلتها الدولية، ووقف نموها وتدهورها الاقتصادي، ومن ناحية ثانية، تريد أن تقدم خدمة أخرى للنظام، تؤدي إلى إنقاذه من مأزقه، وتحافظ على مصالحها المختلفة في سوريا.
ويتعزز هذا الرأي أكثر، إنه وفي جميع اللقاءات التي أجراها ممثلو وزارة الخارجية الروسية، مع قوى المعارضة السورية، لم يشيروا إلى إن هذه التحركات لها علاقة بالأسس والمبادئ الواردة في البيان الصادر عن مؤتمر جنيف 1 المنعقد في حزيران 2012 وخاصة فيما يتعلق بهيئة الحكم الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة لإدارة البلاد، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 2118 )، بهذا الخصوص.
إن التحركات الروسية الأخيرة، ومحاولة إطلاق مبادرة سياسية لحل الأزمة السورية، لم تكن ممكنة لولا بعض الوقائع والمعطيات الجديدة التي فرضتها تطورات الأزمة، سواء ما يتعلق بانقسام المعارضة السورية وتشتتها وحالة الضعف الكبير التي تمر بها، سواء منها السياسية أو العسكرية، ما يجعل من عملية اختراقها أو على الأقل اختراق جزء منها، أمراً سهلاً، أو ما يتعلق منها أيضاً بعدم الرغبة والإرادة الجدية لدى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول أصدقاء الشعب السوري في الإطاحة بنظام الطاغية الأسد الموغل في القمع والإجرام، وإنهاء المعاناة المريرة للشعب السوري ومساعدته في تقرير مصيره وبناء النظام السياسي الذي يريده لبلده، وخاصة بعد تمدد تنظيم داعش الإرهاربي في سوريا وتشكيل التحالف دولي لمحاربته.
نادت المعارضة السياسية السورية بأطرها وتشكيلاتها المختلفة منذ انطلاق الثورة السورية، بضرورة المعالجة السياسية لحالة القمع والاستبداد الممارس من النظام، وإطلاق الحريات الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وعملت من أجل تطبيق ذلك وتنفيذه، من خلال المشاركة في العديد من النشاطات والفعاليات المؤدية إلى تحقيق هذا الهدف، ومنها المشاركة في مؤتمر جنيف 2 للسلام في بداية عام 2014 وقد كان ذلك نابعاً من إرادة حقيقية، في حقن دماء الشعب السوري ووقف تدمير ما تبقى من البنية التحتية للبلاد، من خلال تقديم خطة تسوية من شأنها تمكين الشعب السوري من بناء مجتمع ديمقراطي تعددي يتحقق فيه العدالة والمساواة، ويتمتع فيه جميع أبنائه بحقوقهم القومية والوطنية الديمقراطية، لكن النظام، هو من ظل يراهن على قمع الثورة، بالعنف والقوة واتباع الحل الأمني.
المعارضة السورية، لا تقف في وجه أي طرح أو فكرة أو مبادرة، يمكن أن تؤدي إلى مخرجات سياسية حقيقية للنفق المظلم للأزمة السورية، بما يلبي طموحات الشعب السوري، ويحقق تطلعاته وآماله المشروعة، ويترجم الأهداف التي ثار من أجلها، وهذا يشترط بالضرورة وجود بيئة تفاوضية مناسبة ومرجعية متفق عليها من قبل الطرفين المتفاوضين، فهل تتوفر ذلك في المبادرة الروسية المطروحة؟
المبادرة الروسية لا تزال مجرد أفكار وطروحات، وقد تكون نابعة أصلاًمن أزمة داخلية تعاني منها روسيا، وتريد إدارتها من خلال الملف السوري، كما إنها لا تتحدث عن مرجعيات متفق عليها، مع العلم إن المرجعية السياسية المقبولة لأية مفاوضات سياسية تجريها المعارضة مع النظام، لا تزال هي التي على أساسها انعقد مؤتمر جنيف 2 مع ضرورة بدء المفاوضات من النقطة التي وصلت إليها، وبضمانات دولية، ولا تلوح في الأفق حتى الآن بوادر أرضية مناسبة للتفاوض، حيث لا يزال النظام مصراً على اقتلاع البشر والحجر من كل الأراضي السورية، مستخدماً كل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وحتى الأسلحة المحرمة دولياً، مراهناً على انتصاره العسكري على المعارضة، وانشغال العالم بالحرب على تنظيم داعش الإرهابي وما يشكله من خطر على البشرية.
إذاً، يجب أن يكون للمعارضة السورية، موقف واضح، بعدم التجاوب مع أية مبادرة، إلا ضمن ثوابت الثورة السورية وأهدافها، وإن القول: إننا لن نخسر شيئاً بقبول التفاوض، غير مبرر على الإطلاق، لأن دماء الشعب السوري وتضحياته الكبيرة، غير قابلة أبداً للمغامرة بها في لعبة غير محسوبة النتائج، خاصة وإن روسيا ما زالت تدعم النظام وإجرامه وقمعه بحق لشعب السوري.