واشنطن... كالزوج الأحمق
د. هاني العقاد
لا توجد فرصة مناسبة لإثبات العدل الدولي والانحياز لصنع السلام و انهاء الاحتلال ورعاية الامن والاستقرار في المنطقة العربية وقول كلمة الضمير العالمي في الصراع الذي طال امده وتعددت اشكاله وطرقه واساليبه وتكررت معه اشكال ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني الاعزل طوال سنواته اكثر من هذه الفرصة اكثر من اليوم ,ولا توجد فرصة مواتية لواشنطن لتصوب التاريخ اكثر من هذه الفرصة التي اتاحتها القيادة الفلسطينية بسعيها الدبلوماسي ونضالها السياسي لتعترف بالدولة الفلسطينية وبالتالي تنجح في الاختبار الكبير الذي تمتحن فيه اليوم امام العالم الحر وتثبت انها ليستب الوجه الاحمق الذي ينحاز لزوجته الفاسدة ويحقق لها الحماية مع كافة الظروف والمواقف, وتصبح دولة لا تسير وراء اسرائيل ولا تؤيد استمرار الاحتلال الاحمق الذي تمارسه لأكثر من 60 عاما ,وتوقف بالقوة استمرار اسرائيل الضرب بعرض الحائط لكل القوانين الدولية والانسانية و احترام القانون الدولي ويقبل حكامها بإنهاء الاحتلال المجرم الذي يرتكب الجرائم من قتل وتشريد واعتقال وهدم بيوت و تهويد وسرقة للأرض الفلسطينية .
كانت العلاقة بين واشنطن واسرائيل خلال الفترة الماضية علاقة متوترة قليلا وخاصة بعد التهجم الكبير من رئيس الحكومة نتنياهو و وزير دفاعه يعلون على كيري والتطاول الرئيس الأمريكي بوصفه بالتخاذل وعلى رأس الدبلوماسية الامريكية جون كيري بـوصفه "بالمسيحي المهوس " والذي حذا باوباما ان يرفض اجتماع يعلون وزير الحرب الاسرائيلي اثناء زيارته الاخيرة لواشنطن مع نائب الرئيس الأمريكي جون بادين، ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، ووزير الخارجية جون كيري, لكن مهما وصلت العلاقة من تردي وتناقض و اختلافات بين الحليفتين فان واشنطن لن تتخلي عن تبني الموقف الاسرائيلي بدقائق تفاصيله حتى لو خسرت كل تحالفاتها مع الدول العربية و بقي وجهها مسودا اكثر و اكثر.
اليوم تقدمت القيادة الفلسطينية بالمشروع الفلسطيني العربي لمجلس الامن الدولي لاستصدار قرار ينهي الاحتلال الجاثم منذ اكثر من 60 عام على صدر الارض العربية ويقر بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 بما فيها القدس عاصمة للدولة الفلسطينية , وبالتالي تحديد جدول زمني لينتهي هذا الاحتلال المجرم علي الفلسطينيين ويعترف بحقهم المطلق بحق تقرير المصير ,وبعدها يقبل الفلسطينيين بالتفاوض المباشر مع اسرائيل لتطبيق القرار , لكن يبدو ان واشنطن لن تغير من موقفها اطلاقا تجاه اسرائيل مهما وصلت العلاقات من تردي ولا ترغب بأن تتصف بالعدالة امام العالم لأنها لا تريد شلح ثوب الامبريالية وتصر على اعتراضها مسبقا على مشروع القرار لتقف امام طموح الفلسطينيين والعرب سدا منيعا للحصول على العدل الدولي عبر اسقاط مشروع القرار بالفيتو وبالتالي تضع الفلسطينيين اما المرحلة التالية من الانضمام للمنظمات والمؤسسات والمواثيق الدولية التي تضع الفلسطينيين اول طريق تقرير مصيرهم دون تدخل من أي طرف كان.
مع التأييد الواسع لدول العالم للدولة الفلسطينية ودعمهم للمعركة الدبلوماسية التي يخوضها الفلسطينيين اصبح السؤال الكبير الذي تطرحه كافة الاوساط العالمية التي تدعم هذا التحرك, ما مدي قدرة واشنطن على الاستمرار في دور الزوج الذي يدافع عن فسق زوجته مهما بلغ الموقف من تعدي على الشعور العام الى النهاية....؟ , وهل ستبقي الجبهة الاسرائيلية الامريكية موحدة ومعارضة لإنهاء الاحتلال ومنح الشعب الفلسطيني حق تقرير مصيره بلا تدخل وبلا وصاية احتلاليه ..؟ ،لا نخجل اذا قلنا ان الإجابة نعم ستستمر واشنطن في اداء دور الزوج الاحمق وتقبل بذلك وستعارض واشنطن أي تحرك فلسطيني امام الشرعية الدولية لإنهاء الاحتلال و تهدد الفلسطينيين بعقوبات كبيرة اذا ما وصلوا الى مجلس الامن بمشروعه و خطتهم لإقامة دولتهم دون احتلال مع التواري خلف ما تسميه المفاوضات المباشرة والتي ترعاها من اجل حل الصراع والتي اثبتت فشلها خلال العشرين عاما الاخيرة ,وكان اخر اختبار فشلت فيه واشنطن خلال الفترة الماضية هي مفاوضات التسعة شهور الاخيرة ولم يتوصل الطرفان الا لمزيد من الصراع بل وكشفت تلك المفاوضات مدي الضعف الامريكي وعدم القدرة على التدخل الايجابي لحسم واقع الاحتلال واعتباره منتهيا .
ان كانت واشنطن لا تريد ان تظهر بمظهر الزوج الذي يقبل بكل ما تفعله زوجته في غيابه و حضوره بل ويضطر في كثير من الاحيان الدفاع عنها امام لوم الاخرين دون ان يوبخها و يتخلى عنها او حتي يهدد بالتخلي عنها , بات على واشنطن تعديل مساراتها السياسية اتجاه التعامل مع واقع الصراع ولا تندفع للدفاع الأعمى عن سياسة الاحتلال الاسرائيلي التي اصبحت محط انتقاد عالمي واصبح الاحتلال برمته غير مقبول ومرفوض دوليا ودعم هذا الرفض بمقاطعة اقتصادية و اكاديمية واسعة لدولة الاحتلال ,لقد اصبح واجبا على ادارة اوباما ان تسمح بالتصويت الايجابي لصالح انهاء الاحتلال الإسرائيلي وصنع السلام في المنطقة و تسعي هي مع باقي دول العالم لجعله ممكنا واقعا يتحقق على قاعدة الاسس الدولية و المرجعيات الاساسية كمبادرة السلام العربية ومرجعيات مدريد ومبدأ حل الدولتين بالإضافة لقرارات الشرعية الدولية الصادرة بحق انهاء الصراع.